"ها هي البراهين الحديثة لوجود الله"، بهذه الجملة يعلن الغلاف الخلفي لكتاب "الله، العلم والبراهين.. فجر الثورة" عن مضمونه المثير للجدل. ساهم في الكتاب 20 فيلسوفاً وعالماً فرنسياً واضعين نصب أعينهم إثبات وجود الله بالدليل العلمي، ليشددوا على فكرة عدم اختلاف العلم والدين، وبأن الجدال الذي دار لقرون، يمكن حسم إجابته من خلال العلم.
صدر الكتاب في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021 في فرنسا، من قبل دار نشر Guy Tridaniel Editions، وهو حصيلة جهود استمرت أكثر من 3 سنوات، واستطاع أن يتصدر مبيعات الكتب منذ طرحه في فرنسا.
"كتاب "الله والعلم والبراهين
يتألف الكتاب من 500 صفحة وينقسم إلى جزأين، الأول يبحث في الأدلة العلمية، والجزء الثاني في الأدلة غير العلمية.
ويحطم المؤلفان الرئيسيان أوليفييه بوناسيز وميشيل إيف بولوري الحدود بين العلم والإيمان للإجابة عن السؤال: "هل وجود إله خالق للكون هو حقاً الخيار الأكثر عقلانية علمياً؟".
وبحسب تقرير طويل نشرته صحيفة Le Figaro الفرنسية، فقد ركز الكاتبان في كتابهما الجديد على مسار نشوء الكون الذي بدأ بـ "الانفجار العظيم" قبل نحو 14 مليار سنة، والتراكمات العلمية التي تبعت هذه النظرية المثبتة علمياً، إلى جانب الاكتشافات العلمية التي ستظهر في العقود القادمة؛ جميعها أوصلتهما إلى "رؤية وجه الخالق في المجرات البعيدة".
ويؤكد عالم الفيزياء الفلكية البوذي ترين جوان توان – أحد العلماء الذين استشهد به الكاتبان ووصفاه بـ "عالم فلك مؤمن" أنه "في الثلاثين عاماً القادمة سيكون لدينا اكتشافات مثيرة حول علم أصول الكونيات تثبت وجود مهندس عظيم خلف الوجود كله وقبل حدوث الانفجار العظيم".
وإيمان العلماء بالله ليس طرحاً جديداً، إذ تطرقت إليه دراسة أمريكية في العام 2009 من قبل مركز PEW للأبحاث، كشفت فيها أن غالبية العلماء الأمريكيين (51٪) يؤمنون "بشيء ما" مقارنة بأقلية (41٪) لا يؤمنون بشيء.
كما استشهد الكتاب بدراسة أجراها عالم الوراثة باروخ أبا شاليف عام 2003 حول معتقدات الفائزين بجائزة نوبل منذ إنشائها تحت عنوان "100 عام من جائزة نوبل"، أظهرت فيها أن 90٪ من الفائزين بجائزة نوبل مرتبطون بدين، وثلثيهم من المسيحيين، وأن نسبة الملحدين من الفائزين بجائزة نوبل للأدب 35٪ مقابل 10٪ فقط بين العلماء.
بدوره يقول المؤلف بوناسيز: "ساعدتنا المئة عام الأخيرة كثيراً" وخصوصاً الاكتشافات العلمية في العقدين الأخيرين في رؤية جمال الكون وعظمته ونظامه وحتى انسجامه.
ثم يلفت إلى أنه لقرون حاول بعض العلماء إثبات العكس بدايةً من الفيلسوف والفلكي نيكولاس كوبرنيكوس (1473 – 1543) إلى سيغموند فرويد (1856-1939) مروراً بجاليليو جاليلي (1564 – 1642) ونظرية التطور لتشارلز داروين (1809 – 1882).
ويضيف: "تراكمت الاكتشافات العلمية بطريقة مذهلة، مما أعطى الانطباع بأنه من الممكن شرح الكون دون الحاجة إلى اللجوء إلى إله خالق؛ وهكذا انتصرت المادية فكرياً في مطلع القرن العشرين".
ثم وبشكل غير متوقع تأرجحت الاحتمالات العلمية في الاتجاه الآخر بقوة لا تصدق بعدما توالت "اكتشافات النسبية وميكانيكا الكم وتوسع الكون وموته الحراري والانفجار العظيم والضبط الدقيق للكون أو تعقيد الكائنات الحية" حسب ما ذُكر في الكتاب.
وأضاف شارحاً: "أتت هذه المعرفة الجديدة لتنشيط اليقينيات الراسخة في الروح الجماعية للقرن العشرين، إلى الحد الذي يمكننا فيه اليوم أن نقول إن المادية، التي لم تكن أبداً مجرد اعتقاد مثل أي اعتقاد آخر، في طريقها إلى أن تصبح غير عقلانية".
كل هذه العناصر قلبت الأمور وأدت إلى ملاحظتين:
أولاً: بتنا نعرف أن الوقت اللانهائي في الماضي أمر مستحيل وأن هناك بداية مطلقة للزمان والمكان والمادة، والتي ترتبط ببعضها البعض كما علمنا أينشتاين، حسب تعبيره.
ثم يقول: "إذا كانت هناك بداية، فذلك لأن السبب في أصل هذا الظهور ليس مادياً ولا مكانياً ولا زمانياً، ولكنه أسمى من الكون نفسه. ثم نقترب كثيراً من تعريف الله الذي قدمته جميع الفلسفات والأديان الكلاسيكية".
ثانياً: "الضبط الدقيق للكون" حسب وصفه، ويشرح "إذا لم تكن الثوابت أو البيانات الأولية للكون على ما هي عليه بالضبط، فلن تكون الذرات موجودة ولا يمكن أن تتشكل النجوم وتستمر لمليارات السنين، ولن تتاح الفرصة للحياة المعقدة للتطور"، وهو ما يضرب بعرض الحائط نظرية الصدفة التي يصعب أن تهيئ كل هذه الظروف "بالصدفة" لوجود الحياة.
هاتان الملاحظتان، حسب ما قال بوناسيز، تؤديان بطبيعة الحال إلى الاعتقاد "بأن هناك، في أصل كل هذا الوجود، عقلاً ذكياً أراد أن يخلق العالم حتى نتمكن من الوجود".
ويستطرد قائلاً في رده على الخلاف الدائر بين مسألة الكيفية (التي تخصص بها العلم) في حين أن الإجابة عن سؤال لماذا نحن موجودون (التي تخصصت بها الفلسفة)، فال بوناسيز: "يدّعي العلم والدين أنهما يتحدثان عن العالم الحقيقي، لذا لا يجب أن يختلفا، لا يمكن أن يكون هناك انفصام في تحليلهما للكون".
وبالتالي يعتبر أن الخلق تحقق من خلال قواعد علمية، وبالتالي هناك أسباب وتفاعلات مشتركة تجمع الدين والعلم ولا تفرّقهما.
ويضرب مثلاً بعدم تعارض الدين والعلم في فكرة بداية الكون ونهايته، إذ يصر الدين على أن الكون له بداية ونهاية وأن فكرة الخلود في هذا الكون غير واردة، وهو ما أثبته العلم بعد قرون من ظهور الرسالات السماوية بنظرية الانفجار العظيم وبأن الكون نشأ من هذا الانفجار وبأنه سيكون له نهاية.
ثم يشرح بأن دعوة الديانة اليهودية الأولى بأن الشمس والقمر مصدران للنور فقط قبل وجود علماء فلك، وبأن كل الآلهة المعبودة غير حقيقية، وهو ما تم إثباته لاحقاً بالفعل.
من هو المؤلف الرئيسي أوليفييه بوناسيز؟
يصف بوناسيز نفسه بأنه كان غير مؤمن حتى بلغ من العمر 20 عاماً، في تلك المرحلة من حياته اكتشف أسباباً عقلانية للإيمان بوجود الله؛ وهو اكتشاف أذهله كثيراً لأنه كان ينظر إلى المسيحيين بأنهم أناس غير عقلانيين، فنشر مقطع فيديو يشرح فيه الأسباب التي جعلته مؤمناً، حسب ما قال في مقابلة مع موقع C News الفرنسي.
لكنه اعترف بأنه آمن بالله عن طريق الصدفة وبأسباب غير منطقية.
ثم في عام 2013، بدأت رحلة البحث الحقيقية عن الأسباب والبراهين، عندما دعاه مدرس الفلسفة لابنته للحديث عن الأسباب التي دفعتها للإيمان بالله، فطلبت ابنته مساعدته لإثبات حجتها أمام الأستاذ.
توجه بوناسيز لمناظرة الأستاذ، ثم نشر الفيديو أيضاً على قناته الخاصة بعنوان "إظهار وجود الله والأسباب المسيحية للإيمان" ليحصد 1.5 مليون مشاهدة.
كان المهندس ميشال إيف بولور أحد المشاهدين، فعرض على بوناسيز أن يؤلفا كتاباً يجيب عن الأسئلة التي كان يفكر بها لمدة 30 عاماً.
وعلى مدى 3 سنوات، وبتدقيق من عدة علماء ومتخصصين، قرر بوناسيز أن يشارك تداعيات المفاجأة التي واجهها مع الآخرين وتدوينها في كتاب بمساعدة المهندس بولور.
وبالإضافة إلى البراهين العلمية، يستكشف الكتاب "البراهين غير العلمية" مثل وجود المسيح والنبوءات والمعجزات وتاريخ الشعب اليهودي. ويشدد على فكرة أن العديد من الفلاسفة والعلماء فشلوا في إثبات أن الله غير موجود.
ردود فعل
ويدعم أطروحة بوناسيز العالم روبرت ويلسون، والذي حاز جائزة نوبل في الفيزياء لعام 1978 ووقع على مقدمة الكتاب.
يؤكد العالم الملحد أنه "على الرغم من أن الفرضية القائلة بأن الروح الأسمى هو أصل خلق الكون لا تبدو كافية بالنسبة له، إلا أنه يقبل تماسكها"، مقارنةً بنظرية المادية.
أما صحيفة لوفيغارو الفرنسية فأيّدت الكتاب على إصراره بأن تطور العلم أصبح أقل دوغمائية (حالة من الركود الفكري يكون فيها الشخص غير متسامح مع مناقشة أفكاره لدرجة رفضه رؤية الأفكار المتناقضة) وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالقضايا العقائدية، إذ لم يعد بإمكان الملحدين الاعتماد عليها لإثبات عدم وجود إله، في المقابل يمكن للمؤمنين الاستشهاد بالاكتشافات العلمية لإثبات وجوده.