في تقاطع ثلاثة طرق ضيقة بقلب العاصمة الإيطالية روما، وما أن تسير بين الأزقة حتى ترى صرحاً ضخماً لم يكن يفترض أن يتواجد إلا في قلب ميدان عام، فضلاً عن أنه مزار تاريخي يأتي إليه الناس من شتى بقاع العالم، إنها النافورة الأشهر في إيطاليا، بل في أوروبا نافورة تريفي.
وتريفي بالعربية تعني الشوارع الثلاثة، Tre Vie حيث بُنيت النافورة في التقاطع على أنقاض نافورة صغيرة كانت موجودة في ذات المكان قبلها.
يعود تاريخ النافورة إلى العصور الرومانية القديمة، منذ إنشاء قناة "أكوا فيرجو"، وذلك لتوفير المياه للحّمامات الرومانية ونافورات وسط روما ويقال إن "أكوا فيرجو" أي المياه العذراء إشارة للمياه النقية الخارجة منها.
وتريفي واحدة من أروع النافورات بالعالم، يرتادها عشاق الفن والجمال والنحت والمعمار، تقف أمامها وكأنك تشاهد قطعة فنية منحوتة ببراعة شديدة، اشتهرت باسم العذراء في القرن التاسع عشر قبل الميلاد؛ لأن الفتيات اللاتي كن يرغبن في الزواج اعتدن الحضور إلى النافورة ورمي نقود معدنية مع أمل بتحقيق أمنياتهن، تطورت الفكرة لتشمل الفتيات المتزوجات اللاتي كن يأتين لتمني الحمل.
قطعة معدنية تحقق لك الأماني..
تقول الأسطورة إن رمي قطعة معدنية في قلب النافورة يمكنك من تحقيق أمنية تحلم بتحقيقها، لكن الرمي ذاك له طقوس، لضمان تحقيق الأمنية كما تقول الأسطورة.
أعطِ ظهرك للنافورة، واقذف القطعة المعدنية بيدك اليمنى من خلف كتفك الأيسر، هكذا تزداد فرص القبول للأماني بعد إلقاء القطع التي تسقط في مياه النافورة بالآلاف يومياً ويُقال إنّ قيمتها تصل إلى أربعة آلاف يورو في اليوم، وما يقارب الـ1.5 مليون يورو سنوياً.
أين تذهب هذه الأموال؟
من المهم أن نعلم أنّ كل مَن يأخذ المال من مياهها يعاقب بجريمة السرقة وفي الماضي، كان اللصوص يستخرجون هذه العملات من النافورة ليلاً.
وإلى بداية العام 2019، كانت تُجمَع هذه القطع النقدية كل ليلة وتعطى لجمعية خيرية كاثوليكية إيطالية تُدعَى "كاريتاس"، وذلك لمساعدة فقراء المدينة والمشرّدين.
وأثير جدل فقرّرت فيرجينيا راي، عمدة روما، على أثره أنّ هذه الأموال تذهب إلى إدارتها حتى قررت أنها لن تدفع التبرّعات إلى جمعية "كاريتاس"، بل ستُستخدَم في بلدية روما لصيانة المواقع الثقافية ومشاريع الرعاية الاجتماعية
وافقت بلدية روما على التغييرات المقترحة، لكنَّها أثارت ردّ فعلٍ عنيف من قِبَل الكنيسة الكاثوليكية، التي اتّهمت العمدة بمعاداة الفقراء.
تريفي في الدراما..
اشتهرت نافورة تريفي في عدد من الأفلام ولاقت شهرة عالمية، ففي فيلم فيديريكو فيليني الكلاسيكي "لا دولتشي فيتا" في الستينيات، ثمَّة مشهد تقوم فيه الممثلة أنيتا إيكبرج بالشرب من مياه النافورة، وهي ترتدي ثوب سهرة أسود.
وفي عام 1996 اتّشحت النافورة بالسواد، وتمّ إيقافها حداداً على وفاة الممثّل مارسيللو ماستروياني، الذي قام ببطولة هذا الفيلم، تكريماً له على تمثيله المشهد الأكثر شهرة أمامها. ويعود تقليد رمي العملة المعدنية في النافورة إلى فيلم "ثلاث عملات معدنية في النافورة" الذي عُرِض عام 1954.
وتعتبَر نافورة تريفي أيقونة تاريخية في روما، حتى إنّ بعض المواد المستخدمة في بنائها، مثل الحجر الجيري، مع وجود معدن مصنوع من كربونات الكالسيوم، الذي يتشكَّل بدرجة أولى من مياه الينابيع، وخاصة الينابيع الساخنة، إذْ يُعتقَد أنّها تنبع من مدينة تيفولي، على بُعد حوالي 22 ميلاً من روما.