شارك فلاحون وسياسيون في جنازته.. كالوجيرو فيزيني أحد أكثر زعماء المافيا الصقلية نفوذاً وأسطورية

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/10 الساعة 12:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/31 الساعة 11:03 بتوقيت غرينتش
كالوجيرو فيزيني أحد أكثر زعماء المافيا الصقلية نفوذاً وأسطورية - الصورة تعبيرية من iStock

ترتبط كلمة المافيا في أذهاننا بشكلٍ أو بآخر بعصابات الجريمة المنظمة، وإن كانت أنشطة بعض عصابات المافيا متقاطعة مع السياسة ومتداخلة، بل إن بعض جماعات المافيا بدأت كحركات ثورية ضد الاستعمار، وتعتبر المافيا الصقلية من أشهر الأمثلة التاريخية المثيرة للتساؤلات في هذا الجانب، لدرجة أن كالوجيرو فيزيني الذي كان يعتبر أكثر زعماء المافيا الصقلية نفوذاً وأسطورية خاض مفاوضات مع الجيش الإيطالي أثناء الحرب العالمية الأولى، ودعم الحركات الانفصالية في جزيرة صقلية، وكان له باع مع فلاحين بلاده الذين حضروا جنباً إلى جنب مع السياسيين جنازته، رغم ملفه الإجرامي الطويل المليء بالعنف والرعب والسرقات.

لكن كيف كان كالوجيرو فيزيني نموذجاً لـ"رجل الشرف" بالنسبة للمافيا الصقلية في الستينيات والسبعينيات؟ خصوصاً أنها فترة حساسة كانت فيها المافيا تخوض حروباً مع الدولة، والدولة تخوض حروباً مع أعدائها خارجياً وداخلياً، والمافيا تخوض حروباً فيما بينها.

كالوجيرو فيزيني أحد أكثر زعماء المافيا الصقلية نفوذاً وأسطورية

السنوات الأولى لم تكن إجراماً!

وُلد فيزيني في قرية فقيرة وسط صقلية كان يعيش معظم سكانها على زراعة الكفاف (قرية فيلالبا في مقاطعة كالتانيسيتا كان عدد سكانها لا يتجاوز 4 آلاف نسمة)، كان والده فلاحاً أما والدته فكانت أكثر ثراءً بقليل إذ كانت عائلتها تمتلك بعض الأراضي كما كانت تحظى بمكانة مرموقة في الكنيسة الكاثوليكية، ما مكن أشقاء فيزيني؛ جيوفاني وجوزيبي، من أن يصبحا لاحقاً قسيسين في كنيسة قريتهم.

أما فيزيني الذي لم يكمل دراسته الابتدائية، والذي بدأ بسماع القصص عن نشأة بعض عصابات المافيا الصغيرة في القرى المجاورة، وكان بعض رجال الشرطة خطرين مثلهم مثل قطاع الطرق، لذلك قرر مع مجموعة من شبان قريته أن يفعلوا شيئاً حيال الانفلات الأمني، فأنشأ شبان القرية مافيا باسم القرية، خصوصاً أن هذه الفترة كانت تعتمد في إدارتها بشكلٍ كبير على العضوية في الجمعيات التي ترعاها الكنيسة، فأصبحت المافيا نظاماً اجتماعياً بديلاً.

بالنسبة لفيزيني فقد عمل وسيطاً بين الفلاحين الذين أرادوا طحن قمحهم وبين المطاحن التي كانت تقع بالقرب من الساحل، ثم تدريجياً سيطرت المافيا على القطاع ولم تعد تسامح مع أي منافسة على المطاحن، خصوصاً أن المافيا كان عليها أن تحمي القمح لينتقل من وإلى المطاحن التي تبعد 80 كيلومتراً عن القرية.

وبفضل وظيفته الجديدة حقق فيزيني أرباحاً من الصفقات التي يجريها، إذ تطور عمل المافيا ليتوسط فيزيني صفقة بين الدوق فرانسيسكو توماس الذي كان يقيم في باريس، لكنه يملك حق ملكية بعض أراضي القرية، وبين البنك الريفي المحلي الذي كان يترأسه قسيساً تجمعه صلة قرابة بفيزيني، وبنجاح الصفقة امتلك فيزيني لنفسه 2.9 كيلومتر مربع، فيما ترك باقي الأرض للبنك الذي كان يؤجرها للفلاحين.

أرباح المافيا في الحرب العالمية الأولى ودعم لحركات انفصالية

مع اندلاع الحرب العالمية الأولى بالعام 1914، كان فيزيني رئيساً بلا منازع للمافيا في قريته فيلالبا، وأصبح هو قائد أي تفاوض تقوم به المافيا نيابة عن سكان القرية، وتحقق أرباحاً لنفسها أيضاً.

عندما استولى الجيش الإيطالي على الخيل والبغال في صقلية لسلاح الفرسان والمدفعية، توصل فيزيني إلى اتفاق مع لجنة الجيش لتفويض المسؤوليات إليه، وقام بتحصيل ضريبة رأس على الحيوانات التي أراد أصحابها تجنب الاستيلاء عليها، كما كان سمساراً للحيوانات التي تتعرض للاختطاف، حيث كان يشتري بسعر منخفض من اللصوص ويبيع بسعر السوق للجيش. 

لكن مات الكثير من الخيول والبغال بسبب الأمراض أو الشيخوخة قبل أن يصلوا إلى ساحة المعركة، وعندما أمر الجيش بإجراء تحقيق انتهى في العام 1917 بالحكم من الدرجة الأولى على فيزيني بالسجن لمدة 20 عاماً بتهمة الاحتيال والفساد والقتل، لكن تمت تبرئته بفضل علاقاته ومعارفه لاحقاً.

إلا أن فيزيني استمر في جمع ثروته من السوق السوداء خلال الحرب العالمية الأولى، ووسع أنشطته إلى مناجم الكبريت، إذ عمل ممثلاً لمجموعة من مشغلي منجم الكبريت أيضاً. ومع كل مفاوضات تجريها المافيا كانت تحصل على جزء من الغنيمة لأفرادها وقادتها، فأصبحت تملك ثروة كبيرة، وفق موقع National Crime Syndicate.

 في العام 1922 عندما قاد الفلاحين الساخطين الذين انتزعوا الأرض من الملاك الأرستقراطيين الغائبين، تعززت مكانة المافيا أيضاً، إذ يقال إن المافيا بدأت في شراء الأراضي والعقارات وتوزيعها على السكان، حتى إن فيزيني  اشترى 3 عقارات وسلمها إلى جمعية تعاونية كان قد أسسها.

لكن السلطات صنفته على أنه مجرم خطير، فبحسب تقرير للشرطة صدر العام 1926 اعتبر فيزيني "سارق ماشية خطير" وله علاقة بالسارقين، كما اتهم في العام 1943 بمساعدة الجيش الأمريكي أثناء غزو صقلية خلال الحرب العالمية الثانية، وإن كان بعض المؤرخين يعتقدون أن سلطات فيزيني لم تكن نافذة لدرجة أن يتواصل الجيش الأمريكي معه أو أن يكون في حاجة لمعاونة المافيا الصقلية.

أيضاً لم تخف المافيا وفيزيني والحركات الانفصالية الشيوعية في صقلية، إذ شارك فيزيني في نهاية العام 1943 في حمل أول اتفاقية إقليمية من حركة الاستقلال الصقلية من مدينة كاتانيا الإيطالية، حتى إن بعض المؤرخين ذهبوا إلى حضوره اجتماعات للحركة الانفصالية لدعم استقلالهم لما شاهدوه من قوة وتأثير المافيا على الأرض، الذي كان مدعوماً أمريكياً بشكلٍ أو بآخر. لكن المافيا سرعان ما غيرت موقفها من الحركات الانفصالية وانضمت إلى الحزب الديمقراطي المسيحي عندما بدا صعوبة استقلال جزيرة صقلية.

تعاون مع زعماء الجريمة وتوسيع النفوذ

في العام 1949، وسع فيزيني أعماله بالتعاون مع زعيم الجريمة الإيطالي الأمريكي Lucky Luciano وافتتحا مصنعاً للحلوى في مدينة باليرمو الإيطالية لتصدير المنتجات في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، لكن اشتبهت الشرطة في أنه كان غطاء لتهريب الهيروين، وانتهى الأمر بإغلاق المصنع، وفق النسخة الإنجليزية من ويكيبيديا.

استطاع فيزيني في سنوات التدرج في مكانته بالمافيا لدرجة أن بعض وسائل الإعلام كانت تصفه حينها بأنه "رئيس رؤساء فرق المافيا"، ورغم أنه كان يحظى بشعبية جيدة كونه زعيم بالمافيا، لكنه يهتم بأمر الفلاحين والفقراء ويعاملهم باحترام، ويستطيع التفاوض والتواصل الجيد مع المسؤولين الحكوميين، إلا أن تهم الفساد المالي والنهب والتخابر مع الأعداء لاحقته، كما شمل ملفه الجنائي اتهامات بـ39 جريمة قتل، و6 محاولات قتل، و13 عمل عنف، و36 عملية سطو، وعدداً مثله من عمليات السرقة، وأكثر من 60 اتهاماً بالابتزاز.


توفي دون كالي فيزيني في 10 يوليو/تموز 1954 عن عمر يناهز 76 عاماً، أثناء دخوله فيلالبا في سيارة إسعاف كانت تنقله إلى منزله من عيادة في باليرمو، وقد شارك الآلاف من الفلاحين الذين يرتدون ملابس سوداء وسياسيون وكهنة في جنازته جنباً إلى جنب مع بعض رموز المافيا، بل إن مكاتب فيلالبا العامة ومقر الحزب الديمقراطي المسيحي أغلقت حداداً لمدة أسبوع، وتم تعليق رثاء له على باب الكنيسة.


فيزيني الذي كان من أسرة فقيرة ترك بعد وفاته ثروة تقدر بـ320 ألف دولار (بقيمة العملة وقتها) من الأراضي والمنازل والاستثمارات ومناجم الكبريت، كما أشار موقع Academic Dictionaries and Encyclopedias.

قد يهمك أيضاً: بدأت حركة ثورية ضد الاستعمار منذ 8 قرون، ثم تحوّلت إلى عصاباتٍ مرعبة.. قصة المافيا الإيطالية وتاريخها

تحميل المزيد