قامت مجموعة من النساء في المجر بتسميم عشرات من رجال وأطفال قريتهم؛ لرفضهن العيش مع أزواجهن، وكان ذلك النشاط منتشراً بين العامين 1914 و1929 إلى درجة أن بعض المؤرخين قالوا إن أعداد ضحاياهن وصلت إلى ما بين 40 و300 شخص، وعُرفت هؤلاء النساء في تاريخ المجر باسم مجموعة "صنّاع الملائكة/The Angel Makers" في قرية ناغيريف، وقد ساعدتهن في عمليات التسميم سيدة عملت قابلة (مُولّدة) تُدعى جوليا فازيكاس كانت في منتصف العمر.
من هن "صنّاع الملائكة" في قرية ناغيريف؟
في أوائل القرن الـ20 لم تكن المرأة الأوروبية تحظى بأي من الحقوق التي تتمتع بها اليوم، إذ كانت تتزوج في سن المراهقة دون أن تتجاوز 14 عاماً، ونظراً إلى أنَّ المجر كانت دولة كاثوليكية متدينة، كان الطلاق أمراً ميؤوساً منه حتى لو كان الزوج مدمناً الكحول أو مسيئاً أو حتى خائناً.
وقد حاولت العديد من النساء مواجهة ذلك بإجهاض أطفالهن الذين يزيدون من همّهن، من بينهن سوزانا فازيكاس، التي اختارت لنفسها اسم جوليا فازيكاس عندما وصلت إلى ناغيريف، نسبةً إلى زوجها الراحل، جيولا، الذي لا يزال اختفاؤه يُشكّل لغزاً.
كانت جوليا ملجأً لبعض النساء اللاتي كن يطلبن منها أن تجهض أجنتهن، وقد أجرت ما لا يقل عن 10 عمليات إجهاض في الفترة بين عامي 1911 و1921. وقد أُلقي القبض عليها عدة مرات بسبب هذه العمليات الجراحية غير القانونية، لكن كان يفرج عنها في النهاية، خصوصاً أن المجر مرت بأزمات مالية رهيبة أثناء الحرب العالمية الأولى، وكان وجود الأطفال يزيد من المعاناة.
لكن علاقات الأسر في قرية ناغيريف تغيرت مع بداية الحرب العالمية الأولى في عام 1914، حيث ذهب 9 ملايين رجل مجري للخدمة فيما يسمى بـ"الحلف الثلاثي" وغابوا لسنوات طويلة في الحرب وبعضهم لقي مصرعه.
ثم مع استخدام قرية ناغيريف لتكون معسكراً لإيواء أسرى الحرب من الجنود الروس، بدأت العديد من نساء القرية اللاتي أصبحن "أرامل حرب" أو غاب عنهن رجالهن، في إقامة علاقات غرامية مع أسرى الحرب الروس.
لكن مع عودة الأزواج من الحرب كانت هناك إشكالية للنساء اللاتي تجمعهن علاقات غرامية برجال آخرين، فهن متزوجات برجال غابوا لسنوات في الحرب، كما لا يمكن حدوث الطلاق في الآن نفسه.
لذلك بدأت بعض النساء في اللجوء إلى السيدة التي لجأت نساء القرية إليها سابقاً في مواجهة الحمل غير المرغوب، وكان لديها "حل بسيط" كما وصفته لأي امرأة لا تحب إكمال حياتها مع زوجها، وهو تسميمه بمادة الزرنيخ القاتلة.
كان بيع السم وسيلة مثالية بالنسبة لجوليا لكسب المال، في البداية كانت تبيعه للنساء اللاتي يردن التخلص من أزواجهن، لاحقاً أصبح السم مستخدماً للتخلّص من الوالدين للحصول على الميراث، وحتى أطفالهن، وفق موقع All That's Interesting الأمريكي.
كيف كشف أمر النساء القاتلات؟
كانت أعمال جوليا في بيع السم سرية، وكانت لها شريكة تدعى سوزي أولاه، وهي امرأة سمّمت زوجها عندما كان عمرها 18 عاماً، وكانت تساعد جوليا في إصدار شهادات وفاة طبيعية لجميع ضحايا نساء المجموعة.
لكن مع ارتفاع معدلات الوفاة في ناغيريف اكتُشف أمر مجموعة "صناع الملائكة"، وأدينت جوليا فازيكاس بتهمة "تَزعُّم عصابة إجرامية"، لكن عندما وصلت الشرطة إلى منزلها لاعتقالها، وجدتها قد انتحرت بتناول السم نفسه؛ سم الزرنيخ.
كما أُلقي القبض على 34 امرأة ورجل واحد -جميعهم من عملاء جوليا- وقُدّموا جميعاً للمحاكمة، حيث أُدينوا بتهم القتل العمد، وقد حُكم على 12 منهن بالسجن مدى الحياة، بينما حصل 8 منهن على أحكام بالإعدام، لكن أحكام الإعدام لم تُنفّذ إلا في اثنتين فقط.
وقد استخرجت السلطات ما يقرب من 40 جثة تنتمي لأزواج وأقارب النساء المتورطات في القضية، وتبيّن بعد الفحص أنَّ جميعها بها آثار التسمّم بالزرنيخ، وأشارت دراسات لاحقة إلى أنَّ ما بين 100 و300 رجل في ناغيريف قد قُتلوا باستخدام الزرنيخ على يد هؤلاء النساء، كما أشار موقع مجلة Medium الأمريكية.