كان البريطاني المولود في نيوزيلندا فرانك هولمز مهندساً للتعدين، عمِل في مناجم الذهب حول العالم؛ ورغم أنه لم يكن جيولوجياً فإنه كان مقتنعاً بأن الشرق الأوسط يمتلك موارد نفطية غنية، وكان عازماً على الاستفادة من تجارة النفط المقبلة.
عمِل مهندس تعدين في جنوب إفريقيا ومناجم أخرى لدى عمه الذي كان مديراً عاماً في شركة إفريقية للتنقيب عن الذهب. كان في رحلة استكشافية لشراء لحوم البقر بإثيوبيا عام 1918، عندما سمع لأول مرة عن تسرب النفط في الساحل العربي على الخليج العربي. فانتقل إلى المنطقة وتجول فيها فترة من الزمن.
كان مقتنعاً بوجود النفط
بعد الحرب العالمية الأولى التي خدم فيها تحت لواء البحرية البريطانية، أسس شركة "النقابة الشرقية والعامة" لتطوير فرص العمل بالشرق الأوسط، في عشرينيات القرن الماضي. كان مقتنعاً بأن الساحل العربي سيكون مصدراً غنياً بالبترول.
وبحلول عام 1918، كتب لزوجته رسالة قال فيها: "أعتقد شخصياً أنه سيتم تطوير حقل نفط ضخم يمتد من الكويت أسفل الساحل الرئيسي".
أنشأ هولمز مقره الرئيسي في جزيرة البحرين الصغيرة، حيث طُلب منه التنقيب عن المياه العذبة.
قام هولمز بالتنقيب عن المياه ووجدها، لهذا السبب حصل على امتياز نفطي في عام 1925، تقديراً لعمله، حسب موقع Geo Expro.
وفي عام 1922 سافر إلى شبه الجزيرة العربية؛ لمناقشة إمكانية الحصول على امتياز نفطي مع الأمير بن سعود، الذي حكم أجزاء من شبه الجزيرة الشرقية. وبإذن من بن سعود، أجرى مسحاً على مدى 4 أسابيع في الصحراء مقابل 2500 جنيه إسترليني في السنة، إلى أن عاد بعينات زعم أنها تحمل آثاراً من النفط.
التواصل مع الملك فتح الأبواب
وفي مؤتمر العقير الذي انعقد في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، بهدف ترسيم الحدود بين نجد وكل من العراق والكويت (وهو الترسيم الذي خلق المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية)، تمكَّن هولمز من الوصول إلى المؤتمر بغرض إقناع الملك عبد العزيز بالتوقيع على اتفاقية كتبها حول منحه امتياز النفط في شرق السعودية.
غير أن السير البريطاني بيرسي كوكس، الذي كان متضايقاً من وجود هذا الدخيل، لأنه كان يأمل حصول شركة النفط أنجلو-بيرجان (بريتش بتروليوم لاحقاً)، على أي حقوق تنقيب عن النفط. أقنع الملك بعدم التوقيع، إذ تخوَّف الإنجليز من حصول الملك عبد العزيز على موارد مالية هائلة من وراء اكتشاف النفط في أراضيه؛ كي لا يستغنى عن مساعداتهم ويتصرف باستقلالية.
وفي هذا السياق أورد الرحالة الأمريكي من أصول لبنانية أمين الريحاني، الذي حضر مؤتمر العقير بمعية الملك عبد العزيز، في كتابه "بن سعود الجزيرة العربية Ibn Saoud of Arabia" الذي صدرت طبعته الأولى في عام 1928، أنه استاء من تصرُّف بيرسي كوكس الاستعماري، ونصح الملك بقبول عرض هولمز، حسب موقع جامعة Pennsylvania الأمريكية.
بحلول ذلك الوقت، كان هولمز يستكمل طلب الحصول على حقوق نفطية أخرى، لأنه في عام 1923 فاز بامتياز آخر في الأحساء بالمنطقة الشرقية من السعودية.
وفي عام 1924، بدأ التنقيب بالمنطقة المحايدة بين المملكة العربية السعودية والكويت.
الشركة البريطانية ترفض دعمه
شعرت شركة أنجلو بيرجان التي تنقب عن النفط في إيران، بالقلق من أنشطة هولمز، على الرغم من اقتناعها بعدم وجود نفط في المنطقة.
ولأن "شركة النقابة الشرقية والعامة" تعاني من مشاكل مالية كبيرة، لا سيما بعد أن أعلن تقرير صادر عن عالم جيولوجي سويسري، أن المنطقة خالية من النفط، حاولت الشركة بيع جميع امتيازاتها لـ"أنجلو-بيرجان"، لكنها رفضت؛ لعدم احتواء المنطقة على النفط.
وبعدما رفضت بريطانيا دعمه، لجأ هولمز إلى الولايات المتحدة للحصول على الدعم المالي.
الخط الأحمر المزعج
بعد مزيد من الرفض في أمريكا من قِبل شركة Standard Oil of NJ، أبدت شركة Gulf Oil اهتماماً بسيطاً ببعثة هولمز الاستكشافية.
استحوذت شركة الخليج على الحقوق التي تمتلكها شركة هولمز، ووافقت على المساعدة في الحصول على امتياز بالكويت.
ولكن بعد ذلك؛ نظراً إلى أن شركة الخليج أو Gulf Oil كانت جزءاً من شركة البترول التركية عام 1928 (TPC) والموقّعة على اتفاقية الخط الأحمر، لم تستطع البحث عن النفط في المملكة العربية السعودية أو البحرين التي كانت ضمن الخط الأحمر.
ومع ذلك، يمكنها متابعة البحث عن النفط في الكويت التي كانت خارج الخط الأحمر.
البداية من البحرين
جلبت شركة الخليج امتياز البحرين إلى شركة سوكال Standard Oil of CA Socal مقابل 50 ألف دولار، والتي لم تكن ملزمة باتفاقية TPC واتفاقية الخط الأحمر.
التزمت سوكال بشدة بتطوير إمدادات النفط الأجنبية وأنشأت شركة تابعة كندية، سمتها شركة نفط البحرين، لعقد الامتياز في البحرين.
ومع ذلك، واجهت كل من "سوكال" في البحرين و"الخليج" في الكويت معارضة بريطانية لدخول الشركات الأمريكية إلى الشرق الأوسط، حيث أبرم شيوخ محليون بالمنطقة اتفاقيات مع بريطانيا قبل الحرب العالمية الأولى، بأن تطوير النفط في المنطقة سيتم بواسطة بريطانيا.
أدى هذا الخلاف إلى مفاوضات سيئة بين الحكومتين البريطانية والأمريكية، وفي عام 1929 أعادت الحكومة البريطانية النظر في موقفها، لأنها اعتبرت أنَّ تدفق رأس المال الأمريكي إلى المنطقة، من شأنه أن يشجع التنمية على نطاق واسع في المنطقة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 1931، بدأت شركة نفط البحرين الحفر. وفي مايو/أيار 1932، ظهرت أولى قطرات النفط لتؤكد حس وتوقعات الرائد فرانك هولمز وتستكمل الاكتشافات في المنطقة.
أبو النفط فرانك هولمز
أطلق عليه العرب لاحقاً لقب "أبو النفط"، وعلى الرغم من أنه لم يكن جيولوجياً مدرباً في دراسة البترول، فقد اعتمد على المعرفة الجيولوجية المكتسبة كمهندس تعدين وحدس معين، ما وصفه هولمز بأنه "أنفه للنفط".
وُصف في كتاب الريحاني بأنه "يتمتع بجسم قوي وحديث حاد وقوة شخصية عظيمة"، وبأنه امتلك صفات من السحر والكرم أكسبته إعجاب القادة العرب في جميع أنحاء المنطقة، فكان قادراً على بث الأحلام والوعود ثم تحقيقها.