قد تلاحظ أن البعض يخافون عند عبور قطة سوداء متشائمين بحصول شر ما. لكن كيف ولماذا اكتسبت القطط السوداء هذه السمعة القبيحة وهي مجرد قطة عادية صادف أن تكون جيناتها منحدرة من قطة أخرى فروها أسود اللون؟
مكانة مقدسة لدى الفراعنة
منذ آلاف السنين، عاشت القطط بجميع ألوانها حياةً كريمة في مصر القديمة، بل تمتعت بمكانة مقدسة.
إذ مثلت القطط السوداء الإلهة باستت، وهي حامية النساء والأسر وإلهة أسرار المرأة والخصوبة والولادة والقطط، حسب اعتقادهم.
كانت الإلهة باستت تحظى بشعبية بين الرجال والنساء على حد سواء، لأن لكل رجل ابنة أو زوجة أو أماً استفادت من حماية باستت.
وحظيت القطط بالاحترام في مصر أيضاً، لأنها حافظت على المنازل ومخازن الحبوب خالية من الفئران والجرذان، علماً أن الحضارة المصرية بُنيت على حصاد الحبوب.
فالقطط لا تأكل الحبوب، لكنها تأكل اللحوم التي تحصل عليها عن طريق صيد القوارض مثل الفئران والجرذان. لذلك فإن الحفاظ على مخازن الحبوب خالية من القوارض والقطط كان ضرورياً لدعم اقتصاد الحضارة المصرية.
ولكن تم تصوير باستت على أنها أُم حاضنة ومنتقمة مرعبة، إذ ورد في "كتاب الموتى" أن "سفاحي باستت" سوف يصيبون البشرية بالطاعون والكوارث الأخرى، حسب موقع History.
المسيحية ترفض المعتقدات الوثنية
ثم حطَّمت المسيحية كثيراً من العادات والتقاليد الوثنية التي كانت منتشرة في جميع أنحاء أوروبا، مثل تماثيل الإلهة الرومانية ديانا، وكذلك القطط التي صارت رمزاً للوثنية والسحر وآلهة الشرور، حسب موقع HowStuffWorks.
ثم في عام 1233م، دقَّ البابا غريغوري التاسع المسمار الأخير في نعش القطة السوداء عندما وصم القطط السوداء بأنها تجسيد للشيطان نفسه، حسب ما نشره موقع History of Yesterday.
وبدافعٍ من الحرص على إثبات الإخلاص للكنيسة والبابا، بدأ المسيحيون في جمع القطط السوداء وحرقها حيةً في كرنفالات القرى؛ عقاباً لها على صِلاتها الشيطانية. وبلغ الأمر حداً من السوء أنه بحلول القرن الرابع عشر الميلادي كانت القطط السوداء انقرضت تقريباً في بعض أجزاء أوروبا.
على مدى القرون القليلة التالية، تم ربط القطط السوداء بالشيطان، وأشاعت الخرافات أن القطة السوداء ليست إلا ساحرة متخفية، بل ادعى آخرون أن القطة السوداء تستطيع التحول إلى ساحرة إذا عملت في خدمة ساحرة من بني البشر لمدة سبع سنوات.
وبحلول المحاكمات الشهيرة للسحرة في ما يُعرف بـ"محاكمات السحر في بلدة سالم" بمستعمرة ماساتشوستس الأمريكية في القرنين الـ16 والـ17، كان مجرد امتلاك قطة سوداء كافياً للحكم على من تحوزها بأنها ساحرة، وبالتالي عقابها بالشنق، حسب وكالة The Associated Press الأمريكية.
القطط السوداء نذير شؤم أم خير؟
لكن من المفارقات أن خرافة القطة السوداء ما زالت باقية حتى يومنا هذا، والأغرب أن سوادها لا يجلب الحظ العاثر على أحد سواها.
فبيانات "الجمعية الأمريكية لمنع القسوة ضد الحيوانات" (ASPCA)، تشير إلى أن القطط السوداء أكثر القطط التي ينتهي بها الحال في الملاجئ وأنها الأكثر حاجة وخضوعاً للإنقاذ من بين جميع القطط بألوانها الأخرى.
وحتى يومنا هذا، يتم تفسير عبور قطة سوداء في بعض دول جنوب أوروبا وحتى أمريكا على أنه نذير لحصول أمر سيئ، وبالتالي عليك أن تبصق 3 مرات فوق كتفك؛ لتجنب حدوث شيء سيئ لك أو لأحبائك.
بينما يعتقد الأيرلنديون والبريطانيون أن عبور قطة سوداء يعني حظاً سعيداً، وفي اليابان تحظى القطط السوداء بالتبجيل كرموز للازدهار.
وفي الواقع فإن مرور قطة سوداء مجرد إشارة إلى أنها تريد التوجه إلى مكان ما!