عائلته اكتشفت موهبته وهو رضيع، والشاعر البارودي منحه اسمه.. هكذا صار صباح فخري “قلعة حلب الثانية”

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/02 الساعة 15:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/02 الساعة 15:07 بتوقيت غرينتش
تويتر/ واحدة من أغاني صباح فخري

يُعتبر الفنان السوري صباح فخري، الذي توفي في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2021 عن عمر ناهز 88 عاماً، واحداً من أشهر الفنانين على مستوى الوطن العربي، ومن أبرز أعلام الموسيقى الشرقية فيه، في الوقت الذي يعتبره السوريون بمثابة قلعة حلب الثانية.

صباح فخري.. موهبة بدأت من تجويد القرآن ووصلت إلى غناء الموشحات

وُلد المطرب السوري صباح فخري واسمه الحقيقي صباح الدين أبو قوس في 2 مايو/أيار 1933 في حارة الأعجام داخل حي القصيلة المُطل على قلعة حلب القديمة، وفي أزقة هذا الحي الضيق اكتشف حبه للموسيقى والغناء.

كما أنه عاش لفترة قصيرة من الزمن في مدينة دمشق من أجل الدراسة في المعهد الموسيقي الشرقي، الذي تخرج منه في العام 1948 بعد تعلم أصول غناء الموشحات والعزف على العود ورقص "السماح".

موهبة صباح فخري الفنيّة بدأت بالظهور في العقد الأول من عمره، وذلك عندما استطاع وهو لا يزال طفلاً ختم القرآن الكريم كاملاً، وتلاوة سور منه في جوامع حلب وداخل حلقات النقشبندية، ليتمكن من إقناع الشيخ بكري الكردي أحد أبرز مشايخ الموسيقى في حلب من أجل ضمه إلى جلسات التدريب على الإنشاد التي يقيمها.

ومن هنا بدأ فخري يتعرف على كبار شيوخ الطرب والمنشدين في حلب، أمثال: (الشيخ علي درويش، الشيخ عمر البطش، الموسيقار الألمعي مجدي العقيلي، والموسيقي عزيز غنام)، بالإضافة إلى الكثير من أعلام الموسيقى التي تعتبر صانعة لمجد القدود الحلبيّة.

الغناء أمام الرئيس شكري القوتلي

تقول الكاتبة السوريّة شذا نصار في كتابها "صباح فخري سيرة وتراث" إنّ الفنان سامي الشوا الذي يعتبر من كبار العازفين على الكمنجة في حلب أعجب بصوت صباح فخري وقرر اصطحابه معه في جولاته الخارجية، الأمر الذي أكسبه شهرة واسعة في بقية المحافظات السوريّة.

وأضافت في تصريح لها لوكالة رويترز، أنّ صباح فخري قام بالغناء أمام رئيس الجمهورية السورية آنذاك الرئيس شكري القوتلي خلال زيارته إلى حلب عام 1946، بينما لم يكن فخري يتجاوز من العمر حينها الـ12 عاماً فقط.

فأصبحت هذه اللحظة هي المحطة الفارقة في تاريخ فخري الذي بات بعدها محط أنظار الكثير من الموسيقيين.

سن البلوغ أجبرته على الاعتزال مؤقتاً!

بالمقابل عاش المطرب الحلبي أيضاً مواقف صعبة، روتها الكتابة السورية شذا نصار في كتابها، ولعل أبرزها عندما دخل صباح فخري مرحلة البلوغ في سن الـ 14، والتي تسببت هرموناتها بتغيير كبير في صوته. 

ولفتت نصار إلى أنّ فخري دخل بحالة نفسية سيئة بعدها، وكان كلما جرب الغناء قال: "إنه ليس أنا، ما الذي يحصل"، ليبدأ بعدها مرحلة الشعور بأن بدأ بفقدان صوته الذي كان أغلى ما يملك.

بعدها بعام واحد، قرر فخري الابتعاد عن الغناء، من أجل البحث عن لقمة عيشه عن طريق أعمال أخرى، إلى حين التحاقه بخدمة العلم في سن الـ17، وقالت نصار: "مع اكتمال رجولة صباح فخري، أكتمل تكوين صوته مجدداً، وعاد صوته الرخيم إلى ما كان عليه مجدداً".

اجتياز امتحان السمّيعة وحضور جلسات "الخوانم"!

مع مرور السنوات ازداد تعلق صباح فخري أو ملك القدود الحلبية كما يفضل محبوه تسميته بالإنشاد والتجويد؛ فقرر حضور امتحان يدعى "السمّيعة" وهو امتحان يتم تحت أنظار كبار المنشدين الذين يتمتعون بآذان لا تخطئ النغم وتكشف خامات الصوت وتجري اختبارات حتى لكبار الأصوات.

حتى إنّ  محمد عبدالوهاب وأم كلثوم اللذين زارا حلب في ثلاثينيات القرن الماضي، خاضا هذا الامتحان من أجل السماح لهما بالغناء على مسارح المدينة.

في تلك الفترة أيضاً كان صباح فخري يُطلب بكثرة من أجل حضور جلسات "الخوانم"، إذ كان من العادات الاجتماعية لنساء مدينة حلب أن يعقدن اجتماعاً شهرياً تستضيفه إحدى السيدات في دار منزلها الكبير، وتستقبل فيه جميع معارفها، بحضور مطرب أو مطربة للغناء أمامهن، لكنّ هذه العادة تغيرت مع مرور الوقت وباتت مخصصة للمطربات النساء فقط.

كما أنَ مطرب القدود الحلبية رفض عرضاً قدم له من أجل السفر إلى مصر من أجل صقل موهبته، وآثر البقاء في سوريا والغناء عبر إذاعتها الرسمية في دمشق.

لقب فخري كان نسبة إلى الشاعر فخري البارودي

وفي أحد المواقف التي ذكرتها الكاتبة نصار في كتابها أنه في إحدى الحفلات الإذاعية المباشرة التي كان يقدمها المذيع صباح قباني شقيق الشاعر السوري نزار قباني أراد السياسي ونائب البرلمان والشاعر فخري البارودي أن يتبنى صباح فخري ويعطيه لقباً، فقام المذيع قباني مباشرة بإطلاق لقب "صباح فخري" بدلاً من اسمه الحقيقي صباح الدين أبو قوس، ومن هنا جاء اسمه الجديد.

اكتشاف موهبته وهو بعمر شهر!

ومن أحد المواقف الطريفة التي ذكرها صباح فخري عن طفولته للكاتبة شذا نصار في كتابها ،قال لها إن عائلته اكتشفت موهبته في الغناء منذ أن كان عمره شهراً واحداً فقط.

وأضاف أن أحد أقربائه كان يقوم بقرصه عندما كان رضيعاً ليتعمد إيقاظه لأنه كان يحب سماع صوته وهو يبكي لأن بكاءه كانت له نغمة خاصة.

موقف صباح فخري السياسي

لم يكن موقف صباح فخري واضحاً من الوضع السياسي في البلاد، سيما أنه التزم الصمت منذ بداية الثورة السورية في 2011، لكنه قال في تصريحات صحفية له بعد عودته من رحلة علاج في ألمانيا استمرت خمسة شهور، عام 2011، إنه كان يتابع أخبار الوطن بشكلٍ دائم ويطمئن عليه عبر الاتصال بالمعارف والأصدقاء.

وأضاف وفقاً لما ذكرته وكالة الأناضول: "قلبي، ووجداني مع وطني الذي أتمنى أن يظل بخير دائماً؛ فسوريا في قلوبنا ووجداننا ولا نستطيع العيش بعيداً عنها، وهي أيقونة الروح".

إرث صباح فخري الفني والثقافي

عبر مسيرته التي تجاوزت النصف قرن، ترك صباح فخري وراءه إرثاً فنياً  غنياً مليئاً بالموشحات والقدود الحلبية والمقامات، إلى جانب غنائه الكثير من قصائد كبار الشعراء أمثال: (أبو فراس الحمداني، المتنبي، ابن الفارض، الرواس، ابن زيدون، ابن زهر الأندلسي، لسان الدين الخطيب، فؤاد اليازجي).

أما أشهر أغانيه التي قاربت عددها الـ160 عملاً فهي: (أنا في سكرين من خمر وعين، خمرة الحب اسقنيها، سيبوني يا ناس، مالك يا حلوة مالك، ابعتلي جواب، قدك المياس، قل للمليحة).

في حين كانت له تجارب بسيطة في السينما عندما شارك في فيلم "الصعاليك" مع دريد لحام، وفيلم "الوادي الكبير" مع وردة الجزائرية.

أما في عام 1968 فقد دخل صباح فخري موسوعة غينيس للأرقام القياسية وذلك عندما غنى لمدة 10 ساعات متواصلة دون أي توقف أو استراحة وذلك على مسرح العاصمة الفنزويلية كاراكاس، كما ورد اسمه في موسوعة ميكروسوفت "Encarta" بصفته رمزاً من رموز الغناء العربي الشّرقي الأصيل.

أما الجوائز والتكريمات التي حازها خلال مسيرته تكاد لا تعد ولا تحصى، ولكن أبرزها كان تقليده وسام تونس الثقافي عام 1975 من خلال الرئيس الحبيب بورقيبة.

كما نال الميدالية الذهبية في مهرجان الأغنية العربية بدمشق عام 1978.

في حين قدم له السلطان قابوس بن سعيد سلطان وسام سلطنة عُمان في العام 2000 تقديراً لعطاءاته وإسهاماته الفنية.

بالإضافة إلى التكريمات العربية، حصل على شهادة تقدير من محافظ مدينة لاس فيغاس في ولاية نيفادا مع مفتاح المدينة تقديراً لفنه وجهوده.

كما قُلِّدَ مفتاح مدينة ديترويت في ولاية ميشيغان ومفتاح مدينة ميامي في ولاية فلوريدا مع شهادة تقدير.

علامات:
تحميل المزيد