فيما مضى كانت هناك طرق عديدة للتخلص من الأعداء، أكثرها وضاعة أن يقرب أحدهم خصومه منه ويدخلهم إلى منزله ويقدم لهم الولائم ويشاركهم الطعام والشراب، ثم يتلذذ بمشاهدتهم يفارقون الحياة بعد أن يأخذ السم مفعوله.. ولا يلزمه في هذه الحالة سوى خاتم مسموم.
كان من السائد وضع سم فتاك في خاتم مخصص لهذا الغرض، ثم دس السم ببراعة وخفة في طعام أو شراب أحدهم للتخلص منه دون إثارة الشبهات، هذه الطريقة ذاتها كانت تستخدم أحياناً للانتحار كذلك.
تاريخ الخواتم المسمومة
تزينها مجوهرات باهظة الثمن، أوقد تكون أبسط من ذلك فتصنع من الذهب أو الفضة، وفي جميع الحالات يجب أن تصمم "خواتم الموت" تلك بحيث من الممكن فتحها وتخبئة شيء ما داخلها، وفي معظم الحالات سيكون هذا الشيء سماً فتاكاً تكفي كمية قليلة منه لإزهاق أرواح الأعداء.
يعتقد أن موضة الخواتم المسمومة خرجت في البداية من الهند القديمة والشرق الأقصى، لتشق طريقها إلى أوروبا لاحقاً.
كذلك استخدم الرومان القدماء خواتم السم، لكن لغرض الانتحار في الغالب، فعندما يواجه الجنود الرومان الأسر في المعارك، أو يخضعون للتعذيب لإفشاء سر ما، ينهون حياتهم على الفور بشرب جرعة سامة من خاتم في إصبعهم.
للانتحار والتخلص من الأعداء السياسيين
هناك العديد من الأمثلة عن أناس انتحروا أو قتلوا أعداءهم عن طريق الخواتم المسمومة. فوفقاً للمؤرخ بليني الأكبر الذي عاش في القرن الأول الميلادي، فقد نجا مسؤول حكومي روماني من التعذيب بعد القبض عليه عن طريق تناول جرعة من السم احتفظ فيها بخاتمه.
كذلك كان الإمبراطور الروماني هيليوغابالوس الذي عاش في القرن الثالث الميلادي يرتدي خاتماً مسموماً في إصبعه على الدوام، لكنه اغتيل قبل أن يتمكن من تجرع السم بنفسه.
ومن الجدير بالذكر أن عملية استخدام هذه الخواتم لوضع السم للأعداء لم تكن عملية سهلة، فمن الصعوبة بمكان اختيار سم قوي بشكل كافٍ ليقتل شخصاً بجرعة صغيرة للغاية لدرجة أن توضع داخل خاتم. لكن يحكى أن نبيلة إيطالية عاشت في القرن الخامس عشر تدعى لوكريزيا بورغيا قد برعت في ذلك كثيراً.
كانت بورغيا هي الابنة الوحيدة للبابا ألكسندر السادس ولطالما استخدمت الخواتم المسمومة للتخلص من أعدائها وخصوم والدها السياسيين، وفقاً لما ورد في موقع GIA.
وفي عام 1794 حُكم على عالم الرياضيات والفيلسوف والسياسي الفرنسي الشهير ماركيز دي كوندورسيه بالإعدام، وكي لا يذوق عذاب المقصلة انتحر العالم بسم كان موجوداً في خاتم يرتديه بإصبعه.
ومن الحوادث الموثقة كذلك للانتحار باستخدام خاتم مسموم، نذكر قصة ديموسثينيس رجل الدولة والخطيب اليوناني الذي قاد ثورة ضد الإسكندر الأكبر الذي انتحر مستخدماً سماً خزَّنه في خاتمه قبل أن يتم إلقاء القبض عليه من قبل رجال الإسكندر.
ويقال أيضاً إن نهاية القائد العسكري القرطاجي حنبعل كانت بذات الطريقة.
ولا يزال إرث الخواتم المسمومة موجوداً في المجتمع الإيطالي حتى يومنا هذا، إذ من المستهجن أن تصب شراباً وباطن كفك إلى أعلى، فقد كان مرتدو الخواتم المسمومة يصبون الشراب بهذه الطريقة لتسهيل انزلاق السم من الخاتم إلى المشروب دون أن يشعر أحد، لذلك إذا سكب أحدهم شراباً في إيطاليا اليوم بهذه الطريقة يقال عنه versare alla traditora أو "طريقة الخائن بصب الشراب".
خواتم لا تزال موجودة إلى اليوم
تم اكتشاف العديد من الخواتم المسمومة التي تعود لعصر النهضة والعصور الوسطى.
ففي عام 2013 على سبيل المثال، اكتشف علماء الآثار البلغاريون خاتماً برونزياً ربما تم استخدامه في جرائم قتل سياسية منذ حوالي 700 عام.
تم العثور على الخاتم المصنوع بدقة في موقع قلعة من العصور الوسطى في كيب كالياكرا، وربما كان يرتديه رجل على الإصبع الصغير ليده اليمنى ويتميز بخرطوشة دائرية مجوفة مزينة بحبيبات وثقب اصطناعي وفقاً لما ورد في موقع Kashgar.
يعود تاريخ ذلك الخاتم إلى القرن الرابع عشر، وقد صرحت بوني بترونوفا، رئيسة الحفريات ونائبة مدير المعهد والمتحف الوطني للآثار في صوفيا: "إنه خاتم فريد من نوعه. ليس لدي شك في أن الثقب موجود عن قصد وأن الخاتم قد تم ارتداؤه في اليد اليمنى، لأن الثقب تم صنعه بحيث تتم تغطيته بإصبع، وبالتالي يمكن وضع السم دون أن يلاحظ أحد".
استخدامها في السحر
لم يستخدم هذا النوع من الخواتم لدس السموم للأعداء فحسب، بل استخدم كذلك كوسيلة سحرية تحمي من الأرواح الشريرة وفقاً للمعتقدات القديمة.
فعلى سبيل المثال كان يعتقد أن للمرجان قوة خاصة قادرة على طرد الأرواح الشريرة لذلك كان يستخدم بكثرة في هذا النوع من الخواتم، وفقاً لما ورد في موقع The Daily Beast .
كذلك كان يعتقد أن الكريستال الصخري وسيلة وقائية للحماية من السموم، لذلك كانت ترصَّع الخواتم المسمومة بالكريستال لحماية مرتديها.
في المقابل كان بعض الأشخاص يرتدون خواتم عليها رسم عقرب اعتقاداً منهم أن هذه الخواتم ستحميهم من السموم التي قد تدس في أطعمتهم.
آثار القديسين بدل السموم
فيما عدا حمل السموم والسحر، استخدمت هذه الخواتم القابلة للفتح في بعض الأحيان لأغراض حميدة.
خلال العصور الوسطى، كانت هذه الخواتم تستخدم للاحتفاظ بآثار من القديسين، فيوضع فيها جزء من أسنانهم أو عظامهم أو خصلات شعرهم، إذ كان يعتقد أن هذه الآثار تحمي مرتديها من الكوارث والأمراض وسوء الطالع.
وخلال عصر النهضة، استخدمت الطبقة الأرستقراطية هذه الخواتم لوضع العطور داخلها بدلاً من السم، أو للاحتفاظ بتذكارات من الأحبة مثل صورهم أو خصل من شعرهم.