معماري عاشق، أميرة فاتنة وملك غيور هم أبطال قصتنا لهذا اليوم، المكان: بلاد فارس، والزمان: في وقت ما من القرن السادس .. تعالوا نروِ لكم حكاية شيرين وفرهاد والملك خسرو..
شيرين وفرهاد… البداية من قصة غرام الملك خسرو والأميرة
فرهاد المسكين ليس أول من وقع في غرام الأميرة شيرين الفاتنة، إذ سبقه إلى ذلك الملك خسرو أو كسرى الثاني، آخر ملوك الإمبراطورية الساسانية في إيران وأكثرهم عظمة وفقاً للمؤرخين، وعلى مر العصور كُتبت الملاحم وصيغت القصائد التي تروي حكاية حب الملك للأميرة الفاتنة، وفي حين أن قصة فرهاد ما هي إلا حكاية فرعية من حكاية حب خسرو وشيرين، إلا أنها الأكثر انتشاراً وتداولاً على المستوى الشعبي، ربما بسبب نهاية فرهاد المأساوية.
سأقص عليكم الحكاية من البداية، كما أوردها الشاعر الفارسي نظامي كنجافي:
يحكى أن جد خسرو زاره في المنام وهو لا يزال أميراً يافعاً، وحدثه عن المستقبل وأخبره أنه سيكون ملكاً عظيماً لبلاد فارس وأنه سيتزوج أميرة حسناء اسمها شيرين.
كاد الأمير أن ينسى ذلك الحلم لولا أن زاره صديقه الرسام "شابور" وراح يحدثه عن أميرة أرمنية فاتنة لم يعرف العالم امرأة أجمل منها تدعى شيرين، وأسهب شابور في وصف جمال الأميرة وحسنها، إلى أن وقع خسرو في غرامها دون أن يراها.
وبعد أن أمد خسرو الرسام بالكثير من الأموال، ذهب شابور إلى شيرين وعرض عليها صورة خسرو التي رسمها بنفسه ووقعت هي الأخرى في غرامه وقررت أن تغادر أرمينيا وتتوجه إلى قصر خسرو.
في هذه الأثناء دخل خسرو في خلاف مع والده الملك هرمز الرابع وقرر ترك بلاده والذهاب بحثاً عن شيرين، وللمصادفة التقى الحبيبان في منتصف الطريق بينما كانت شيرين تستحم في مجرى مائي، لكن خسرو كان متنكراً بزي فلاح فلم تعرفه شيرين، وهو الذي لم يرَها مسبقاً ولم يستطع تمييزها كذلك.
عندما وصل خسرو إلى أرمينيا اكتشف أن الأميرة غادرت بحثاً عنه، فأفل راجعاً إلى موطنه حيث اكتشف أن والده قد توفي وأن شيرين قد غادرت كذلك.
واستمر العاشقان بالسفر بحثاً عن بعضهما دون أن يلتقيا، لكن تغيرت الأحوال عندما أطاح الجنرال بهرام شوبان بخسرو فهرب هذا الأخير إلى أرمينيا، وهناك التقى شيرين أخيراً.
وبالرغم من حب شيرين لخسرو إلا أنها رفضت أن تتزوجه ما لم يستعِد ملكه من الجنرال، وكي يفعل ذلك اضطر لطلب الدعم من قيصر القسطنطينية الذي وافق على طلبه شرط أن يتزوج من ابنته مريم، وبالفعل يستعيد خسرو عرشه ويتزوج ابنة القيصر.
هنا تتضارب الروايات؛ فالبعض يقول إن خسرو يتزوج في النهاية من شيرين، فيما يقول آخرون إنه اضطر لأن يحلف ألا يتزوج سوى من مريم فتبقى شيرين عزباء بهذه الحالة، لكن في الروايتين يظهر لدينا في هذه المرحلة النحات فرهاد.
النحات ينافس الملك
كان فرهاد مهندساً معمارياً ونحاتاً كردياً كما ورد في أغلب الروايات، وقد كان يعمل في خدمة الملك خسرو.
يقال إن الملك طلب منه أن ينحت تمثالاً لشيرين، فوقع النحات من فوره بغرامها، ولما علم خسرو بذلك قام بإرسال فرهاد إلى جبل بيستون وطلب منه مهمة مستحيلة تقتضي بحفر نفق في الجبل، ووافق النحات على هذا الطلب أملاً بأن يسمح له الملك بالزواج من شيرين وفقاً لما ورد في موقع Nazmiyal Collection .
لكن الملك الخبيث، كذب على فرهاد وبعث إليه رسالة يخبره فيها أن شيرين قد توفيت، فقام النحات من فوره بإلقاء نفسه من أعلى الجبل، وقيل إنه قتل نفسه بأدوات النحت التي استخدمها لصنع تمثال شيرين.
نهاية مأساوية لشيرين وخسرو أيضاً
وبعد وقت قصير من وفاة فرهاد، توفيت مريم كذلك، وذكر الفردوسي في نسخته من القصة والتي أوردها في قصيدته "الشاهنامة" أن شيرين هي من سممت مريم للتخلص منها؛.
وعلى الرغم من أن خسرو بات يستطيع الزواج من شيرين الآن، إلا أنه عوضاً عن ذلك بدأ بالتودد لامرأة تدعى شيكار، لكنه سرعان ما يعود إلى شيرين التي صدته كثيراً بعد علاقته بتلك المرأة ثم قبلت في النهاية أن تتزوجه بعدما قام بالكثير من المناورات والمحاولات للحصول على قلبها مجدداً.
القصة لم تنتهِ هنا، إذ يقال في بعض الروايات إن شيروي، ابن خسرو من مريم يقع هو الآخر في حب شيرين، ويقتل والده خسرو من أجلها، ثم يأمرها بالزواج منه، لكنه تفضل الموت على ذلك وتضع حداً لحياتها بعد تجرع السم.
وبعد وفاة شيرين تدفن مع خسرو في قبر واحد ليبقيا معاً إلى الأبد.
قصة تختلف باختلاف راويها
رُويت قصة خسرو وشيرين وفرهاد في العديد من الكتب وتم تداولها كحكاية شعبية مشهورة في كافة أرجاء بلاد فارس، ووصلت شهرتها كذلك إلى تركيا والهند، لكن مع كل رواية جديدة تضاف تفاصيل جديدة للقصة وتحذف تفاصيل أخرى.
بمعنى آخر تختلف قصة شيرين وفرهاد والملك باختلاف راويها، ففي الرواية الكردية على سبيل المثال تركز القصة على فرهاد الذي يتم تصويره على أنه شهيد العشق، فيما تركز روايات أخرى على خسرو وحبه الهائل للأميرة، وفي بعض المراجع تجد شيرين امرأة جميلة طيبة القلب، فيما تميل شخصيتها إلى الأنانية والشر في مراجع أخرى.