إذا كان هناك شيء واحد تحتاجه قرية بيرداسدفوغو الجبلية النائية في إيطاليا فهو أن تضمن حصولها على إمدادات كبيرة من "شموع أعياد الميلاد"، بفضل معدل أعمار سكانها المرتفع للغاية.
فحتى العام 2021 هناك 5 أشخاص تجاوزت أعمارهم الـ100 عام، من بين سكان القرية الذين يبلغ تعدادهم قرابة 1800 نسمة فقط.
فما السر الذي يدفع البعض للقول إنّ العائلات الأطول عمراً في العالم تأتي من هذه القرية؟
قرية بيرداسدفوغو التي يتميز سكانها بطول العمر
نقلت صحيفة The Guardian البريطانية بعض التفاصيل التي تتحدث عن طريقة الحياة التي يعيشها سكان قرية بيرداسدفوغو الواقعة في جزيرة سردينيا الإيطالية.
ففي كل عام يقام احتفال يشمل القرية بأكملها يقدم من خلاله العمدة ماريانو كارتا ميدالية لكل شخص بلغ عمره 100 عام.
ويقول كارتا إنّ الأشخاص المعمرين في هذه القرية هم بمثابة نصب تذكاري حي وقطعة من التاريخ، وغالبيتهم يتذكرون تفاصيل حياتهم على مدى القرن الماضي بوضوح ملحوظ، لذلك أشعر بأنني محظوظ بالوقوف جانبهم.
من هم أبرز المعمرين في القرية؟
إذا ذهبت إلى تلك القرية ومشيت في شارعها الرئيسي فسترى على الجدران على جانبي الطريق صوراً لأكثر 16 شخصاً معمراً منهم لا يزالون أحياء ومنهم من توفوا.
أشهر هؤلاء المعمرين هي كونسولاتا ميليس، التي تعتبر المواطنة الأطول عمراً في القرية حتى الآن، بعمر ناهز 108 أعوام، قبل أن تتوفى العام 2015.
أما فيتوريو بالماس، الذي نجا من معسكر الاعتقال النازي بيرغن بيلسن خلال الحرب العالمية الثانية، فقد توفي في عام 2019 عن عمر يناهز 105 أعوام.
عائلة ميليس التي دخلت موسوعة غينس للأرقام القياسية
أما بالنسبة للعائلات فتعد عائلة ميليس المكونة من 9 إخوة وأخوات الأشهر في القرية الجبلية، بعد دخولهم موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأقدم أشقاء على قيد الحياة على وجه الأرض، وكان عمرهم مجتمعاً في ذلك الوقت 818 عاماً، وفقاً لما ذكره الموقع الرسمي لموسوعة غينيس Guinness World Records.
كانت كونسولاتا أكبر أخواتها بعمر وصل إلى 108 أعوام وتوفيت في 2019، تبعتها أختها كلودينا، فقد توفيت في عام 2016 عن عمر ناهز 103 أعوام، وتليها ماريا، التي توفيت عن عمر يناهز الـ100 عام.
أما رابع العائلة فهو أخوهم أنطونيو، الذي توفي عن عمر يناهز الـ97 عاماً، بينما ولغ عمر شقيق آخر، وهو كونسيتا، الـ100 عام في فبراير/شباط.
وبسبب شعبية هذه العائلة الكبيرة فسوف تجد عند مدخل القرية كتلة حجرية كبيرة تحتفي بعائلة ميليس، مكتوب عليها: "بيرداسدفوغو، الرقم القياسي العالمي لأطول الأسر عمراً".
العائلات الأطول عمراً في العالم تأتي من هذه القرية
طول العمر لا يقتصر على عائلة ميليس فقط، إذ إنّ قرية بيرداسدفوغو هي حالياً موطن لثمانية من المعمرين -أربعة رجال وأربع نساء- بينما هناك 10 مواطنين سيتمون عامهم الـ100 في غضون عامين مقبلين.
على العموم تعتبر إيطاليا من الدول التي يعيش فيها المعمرون، إذ إنّ آخر إحصائية تم إجراؤها في يناير/كانون الثاني 2021، وجدت أنه يعيش في البلاد قرابة 18 ألف شخص يتجاوز عمرهم الـ100 عام، مقارنة بـ11 ألف شخص في العام 2009، وذلك وفقاً لوكالة الإحصاء الإيطالية Istat.
وقد حددت جزيرة سردينيا كواحدة من 5 مناطق حول العالم، يعيش فيها الأشخاص المعمرون بنسبة 33.6 لكل 100 ألف نسمة، في الوقت الذي تتبوأ بيرداسدفوغو مكانة فريدة من نوعها، وهي أنّ أعداد المعمرين فيها يتجاوز المعدل الوطني بـ13 ضعفاً.
ما سر الحياة الطويلة لسكان قرية بيرداسدفوغو؟
ترى لويزا سالاريس أستاذة الديموغرافيا في جامعة كالياري الإيطالية أنّ الهواء النقي والطعام الصحي في القرة هو عامل مهم، لكنّ العامل الأهم لطول عمر السكان هو موقفهم من التوتر.
وتقول سالاريس وفقاً لصحيفة Sloboden Pechat المقدونيّة: "إنّ المعمرين ولدوا قبل 100 عام، أي أنهم عاشوا حياة ليست سهلة، لكنهم من الأشخاص الذين يستطيعون التكيف مع جميع المشاكل ويحلونها بسرعة، وهو السر وراء عمرهم المديد".
صحيح أنّ بيرداسدفوغو منطقة نائية ومعظم سكانها من كبار السن، لكن هذا لا يعني أن المدينة ليست نابضةً بالحياة، فهي تستضيف العديد من الفعاليات الثقافية على مدار العام، في حين يعتقد السكان أيضاً أن الكتب لعبت دوراً في إطالة أعمارهم.
إضافة إلى أنّ القرية تحافظ على إحساس كبار السن بالانتماء بالمجتمع عن طريق جعلهم يعيشون في منازلهم بدلاً من دور الرعاية.
بيرداسدفوغو ليست قرية المعمرين الوحيدة
بالإضافة إلى بيرداسدفوغو هناك قرية أكيارولي في مقاطعة ساليرنو جنوب إيطاليا، وهي قرية صغيرة يعيش فيها 300 شخص تتجاوز أعمارهم الـ 100 عام.
وفي دراسة أجراها فريق بحث أمريكي-إيطالي من أجل معرفة سبب عيش الناس في هذه القرية لفترة طويلة، وقد بدأت في العام 2016 ولا تزال مستمرة، وجدت أنّ الناس هنا يعيشون حياة هنيئة فالعائلات تجتمع في وقت متأخر من المساء لتناول القهوة وهم مرتاحون.
في حين قال طبيب القلب في جامعة كاليفورنيا وهو جزء من فريق البحث: "إنّ السر الآخر هو تناولهم لنبتة إكليل الجبل، فهي موجودة لديهم في كل وجبة تقريباً".
وأضاف وفقاً لموقع الإذاعة الوطنية الأمريكية National Public Radio أنّ الدراسات أثبتت أنّ هذه النبتة تمنع الخلل المعرفي وتأخر الشيخوخة.
من جهته أكّد عمدة قرية أكيارولي سيفانو بيساني، أنّ واحداً من كل 10 سكان يزيد عمره على 90 عاماً، والسبب هو أسلوب حياتهم المريح.
وقال وفقاً لما ذكرته شبكة CBS News الأمريكيّة: "الناس هنا لديهم نسبة أقل من مرض الزهايمر، وإعتام عدسة عين أقل، وكسور عظام أقل، حتى إننا لا نرى أي مرضى قصور قلب أو أشخاص لديهم ارتفاع في ضغط الدم".
ورغم تلك المعلومات فإن الأطباء في الدراسة يؤكدون أنهم لا يزالون بحاجة لإجراء المزيد من الأبحاث، لاعتقادهم أنّ سر الحياة المديدة قد يكون مزيجاً من الإجهاد المنخفض والنظام الغذائي الصحيح ومستويات نشاط عالية، مرتبطة بشيء وراثي.