تمر دول البحر الأبيض المتوسط (تركيا، إيطاليا، اليونان، ألبانيا، الجزائر، تونس) بموجة حر غير مسبوقة سببت حرائق في أجزاء مختلفة منها، في وقتٍ كشفت فيه مسودة للأمم المتحدة أن منطقة المتوسط "مركز التغيّر المناخي" ستشهد موجات حر غير مسبوقة وجفاف وحرائق ناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة.
بينما نعيش أياماً حارة بسبب التغير المناخي، عاش أسلافنا قبل 200 سنة فقط أياماً باردة لا صيف فيها! نعم؛ مر العالم الحديث وتحديداً دول أوروبا وأمريكا الشمالية بـ "عام بلا صيف" أو "صيفاً بارداً"، وذلك بسبب ثوران بركاني اشتعل في أحد جبال إندونيسيا.
1816 "عام بلا صيف" بسبب بركان!
في صباح أحد أيام شهر أبريل/نيسان عام 1815، شهد سكان جزيرة سومباوا الإندونيسية، حدثاً مآساوياً، إذ انفجر بركان في جبل تامبورا قتل الآلاف الأشخاص، كان الانفجار مدمراً ومأساوياً.
الانفجار اعتبر من بين أكثر البراكين تفجراً في الألفية الماضية، وقد دمر الجزيرة الإندونيسية ومنازل سكانها وقتل آلاف منهم سواء بالانفجار أو بآثاره اللاحقة مثل أمواج تسونامي، وتشير التقديرات إلى أن أعداد ضحايا هذا الانفجار تجاوز الـ10 آلاف شخص.
في العام التالي (1816) حدث شيء غريب، أن العديد من الدول باتت درجة الحرارة فيها منخفضة أكثر من المعتاد، حتى إن الصيف لم يمر تقريباً ببعض الدول، ولم يربط العلماء ذلك بالبركان إلا بعدها بما يقرب القرن.
إذ اقترح الباحثون عام 1913 أن انفجار البركان والصيف البارد في العام التالي حدثان مرتبطان.
إذ نشر بحث في مجلة Environmental Research Letters العلمية أن الثوران البركاني في جبل تامبورا ساهم في إطلاق كمية هائلة من ثاني أكسيد الكبريت في الغلاف الجوي، وعندما يصل ثاني أكسيد الكربون طبقة الستراتوسفير (تمتد من ارتفاع 18 كيلومتراً إلى نحو 50 كيلومتراً فوق سطح البحر) يتأكسد ويتحول إلى رذاذ الكبريتات، الذي يمكن أن يبقى في الغلاف الجوي لبضع سنوات.
الهباء البركاني المتأكسد قلل من صافي إشعاع موجات الشمس القصيرة، إذ عمل كعاكسات تسمح بوصول طاقة أقل من الشمس إلى سطح الأرض، ومع قلة الأشعة التي تدفئ سطح الأرض، أدى ذلك إلى تبريد السطح.
كما أدى حمض الكبريتات إلى انخفاض معدل هطول الأمطار العالمي، مع ارتفاع رطوبة بعض المناطق الجافة، وتسبب في تغيرات ديناميكية في الدوران واسع النطاق للمحيطات والغلاف الجوي، وفق آراء باحثين نقلتها شبكة CNN الأمريكية.
أيضاً انخفضت درجة الحرارة العالمية ما بين درجة واحدة وثلاث درجات مئوية، ووفقًا للدراسة، كان هذا أبرد عام خلال الـ 250 عاماً الماضية على الأقل.
طبعاً هذا التأثير غير كثيراً في درجات الحرارة المعتاد لكل موسم، لكن هذا الشذوذ بدا أثره أكبر على فصل الصيف، حيث سجل هذا العام أبرد درجة حرارة صيفية مسجلة لأوروبا بين عامي 1766 و2000.
وفق مركز أبحاث علوم الأرض GeoScienceWorld فقد سببت الصيف الرطب في المناطق الجافة والبارد في المناطق الحارة مشاكل عدة، وصلت إلى خسارة بعض المحاصيل الزراعية ونفوق الماشية في دول وسط وغرب أوروبا وحتى أمريكا الشمالية وبعض دول آسيا مثل الصين، ما زاد أسعار الغذاء سنتها.
كما تساقطت ثلوج في ولاية نيو إنجلاند الأمريكية وصل ارتفاعها إلى 50 سم، وأمطرت السماء في أيرلندا 142 يوماً من أصل 153 يوماً من المفترض أنهم صيف، وذلك في الفترة بين شهري مايو/أيار وسبتمبر/أيلول.
لكن كان هناك أمور إيجابية من هذا الصيف البارد، إذ قال المركز الأمريكي لأبحاث الغلاف الجوي إن هذا العام له الفضل في فكرة ابتكار الدراجة الهوائية، فبسبب أسعار الغذاء الغالية، لم يستطع المزارعون توفير طعامٍ للخيول؛ التي كانت وسيلة التنقل الأساسية وقتها، ما ألهم المخترع الألماني كارل درايس بفكرة ابتكار دراجة هوائية (عام 1817) لا تحتاج طعاماً ولا طاقة سوى حركة راكبها.