القصة الحقيقية خلف الأسطورة: بلاكبيرد القرصان الذي أرعب الكاريبي

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/31 الساعة 14:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/31 الساعة 14:19 بتوقيت غرينتش
اكتشف علماء الأنساب والمؤرخون وعلماء الآثار، بفضل مزيج من العمل الجاد، أدلة مفاجئة تكشف عن الرجل الذي يقف وراء الأسطورة/ Wikimedia

في أوائل القرن الـ18، كانت كلمة بلاكبيرد أو (اللحية السوداء) كافية لبث الرعب داخل قلوب الرجال في أعالي البحار. قرصان سيئ السمعة، اسمه الحقيقي إدوارد تيتش، سبقته شهرته بأنه لا يعرف الرحمة أينما حل. وكان ظهور سفينته (انتقام الملكة آن) في الأفق يعني توجه الأمور نحو الأسوأ.

ورغم أن بلاكبيرد القرصان لم يُروّع أعالي البحار إلا لعامين تقريباً، فإن إرثه عاش قروناً. وظهر اسم القرصان في العديد من الكتب، والأفلام، والمسلسلات. وما تزال عملياته الضخمة في منطقة البحر الكاريبي أسطوريةً للغاية. ومع ذلك، لا يعرف كثيرون القصة الحقيقية للقرصان بلاكبيرد.

واكتشف علماء الأنساب والمؤرخون وعلماء الآثار، بفضل مزيج من العمل الجاد، أدلة مفاجئة تكشف عن الرجل الذي يقف وراء الأسطورة. 

كان التجار يهمسون باسمه بخوف، وانتشرت تقارير عن رجل كبير بعيون "شرسة وحشية" يحمل 3 مسدسات وقبعة طويلة من الفرو على رأسه، فضلاً عن لحيته التي تشبه "نيزكاً مخيفاً".

إذن، من كان هذا القرصان المرعب؟ وكيف مات عام 1718؟

مطلع حياة إدوارد تيتش

لا نعرف الكثير في الواقع عن إدوارد تيتش، حتى اسمه الذي يُنطق أحياناً ثاتش، وثاش، وتاك، وثيتش.

ولكنه وُلِدَ على الأرجح نحو عام 1680، بحسب السجلات التي نشرها موقع All That's Interesting. وفي كتاب "تاريخٌ عام للقراصنة A General History of the Pyrates" من تأليف القبطان تشارلز جونسون، وُصِف بلاكبيرد بأنه "من مواليد بريستول"، مما يشير ضمنياً إلى أنه كان إنجليزياً.

ومع ذلك، تُشير مصادر أخرى إلى أن بلاكبيرد ربما وُلِدَ في جامايكا، أو كارولينا الشمالية، أو فيلادلفيا، حسب ما نشره موقع Smithsonian

وفي الواقع، يعتقد مؤرخٌ بحري وعالم أنساب يُدعى بايلوس بروكس، أنه عُثر على وثائق تُثبت أن بلاكبيرد عاش في جامايكا. 

بحث بروكس في موقع Ancestry.com وعثر على عائلةٍ تُدعى ثاتش كانت تعيش بالبلدة الإسبانية (سبانيش تاون) في جامايكا عام 1700.

كما تجدر الإشارة إلى أن زائراً إنجليزياً في جامايكا قال إنه التقى عائلة بلاكبيرد في البلدة الإسبانية عام 1739.

ويشتبه بروكس في أن إدوارد تيتش وُلِدَ في بريستول، لكنه انتقل إلى جامايكا في سنٍّ مبكرة. وكان العديد من الأوروبيين يزورون الجزيرة الكاريبية أملاً في الثراء من صناعة السكر.

فكيف تحوّل إدوارد تيتش -أو ثاتش- إلى قرصان؟ 

يشتبه الباحثون في أنّ تيتش سعى أوّل الأمر إلى الالتحاق بالبحرية الملكية. وربما شارك في حرب الخلافة الإسبانية (حرب الملكة آن).

ولكن بعد غرق أسطول السفن الإسبانية قبالة سواحل فلوريدا عام 1715 -تاركاً سفناً محملةً بالكنوز للقراصنة- أدرك تيتش أنّ أمامه فرصةً للثراء السريع إذا نهب كل الفضة التي خلّفها الأسطول ببساطة.

ولم يمضِ وقتٌ طويل قبل أن يكتسب سمعةً مرعبة كقرصانٍ في أعالي البحار.

حياة بلاكبيرد القرصان

في البداية، خدم إدوارد تيتش تحت إمرة قرصانٍ آخر يُدعى بنجامين هورنغولد. ويبدو أنّ تيتش أثار إعجاب "مُعلّمه"، لأن هورنغولد كافأه بسفينته الخاصة عام 1717.

وأطلق تيتش على السفينة اسماً جديداً هو: "انتقام الملكة آن"، ثم حشد عليها 300 رجل و40 بندقية، لينطلق في رحلة بناء سمعته المرعبة.

ورفع بلاكبيرد على سفينته علماً خاصاً لتخويف السفن الأخرى، حيث ظهر عليه قلبٌ يقطر دماً وجمجمة تحمل ساعةً رملية ورمحاً.

كما شكّل صورتها الخاصة بتسليح نفسه بالعديد من الأسلحة، ليضمن أن يكون مظهره مثيراً للرعب قدر الإمكان. وفي كتابه، وصف جونسون مظهر بلاكبيرد بأنّه كان عجيباً وخطيراً.

حيث كتب جونسون: "في أوقات المعارك، كان يرتدي حبلاً على أكتافه يضم ثلاثة مسدسات. وكان يضع ثلاثة أعواد ثقاب مُشتعلة أسفل قبعته، لتظهر على جوانب وجهه، مع عيونٍ متوحشة وعنيفة بطبيعتها، ليبدو مظهره الكامل كشخصيةٍ من الجحيم، ويصير بذلك أكثر إثارةً للرعب".

ويُذكر أنه تزوّج 14 مرة، وكان يتناول مزيجاً من خمر الروم والبارود، وكان مزاجه غير متوقع لدرجة أنه كان ينفجر غضباً في أي لحظة. ويُزعم أن بلاكبيرد أطلق النار ذات مرة على أول زملائه، لأنه "لو لم يُطلق النار على واحدٍ أو اثنين من البحارة كل حين، فسوف ينسون من يكون".

وطيلة عامين، نهب بلاكبيرد وطاقمه كل سفينةٍ مرت عبر جزر الهند الغربية وأمريكا في زمن استعمارها. وسرقوا المقتنيات الثمينة، والطعام، والمشروبات الكحولية، وحتى الكتب. لدرجة أنّ سفينته أغلقت ذات مرة ميناء هاماً في كارولينا الجنوبية.

ورغم سمعة بلاكبيرد الذي وُصِف بأنه متعطّشٌ للدماء، فإنه ليس هناك دليلٌ على أنه قتل أي شخصٍ فعلياً خلال رحلته في عالم الجريمة. وكان يُفضل أن يحكم بالخوف فقط، ويبدو أن الخوف كان كافياً لترهيب المستعمرين في أمريكا. 

وفي عام 1718، قرّر نائب حاكم فرجينيا، ألكساندر سبوتسوود، أن عليه وضع حدٍّ لأعمال نهب بلاكبيرد إلى الأبد.

كيف مات بلاكبيرد القرصان؟

بحلول أواخر عام 1718، بدأ إيقاع بلاكبيرد يهدأ. إذ أغرق سفينته عن عمد بمدخل بوفورت في كارولينا الشمالية -ربما لتقليل حجم طاقمه- ثم سافر إلى جزيرة أوكراكوكي على متن مركبٍ شراعي يُدعى "المغامرة Adventure".

لكنه لم يكُن يعلم أن الملازم البحري البريطاني روبرت ماينارد كان يُطارده بحماسة. وكان سبوتسوود قد كلّف ماينارد بوضع حدٍّ لبلاكبيرد، وكان ماينارد عازماً على تنفيذ مهمته.

وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1718، تسلّل ماينارد وعدد من رجال البحرية الملكية البريطانية بطول المياه الضحلة لبحيرة بامليكو ساوند. ثم رصد ماينارد سفينة بلاكبيرد أخيراً، ومكث ينتظر. وفي الصباح التالي، وبعد أن قضى طاقم بلاكبيرد أمسيته في معاقرة الخمر، شنّ ماينارد هجومه.

وحين اقترب ماينارد من بلاكبيرد، قال له إنّه سيعود به "حياً أو ميتاً". واستجابةً لذلك، طلب بلاكبيرد كأساً من النبيذ.

وقد كتب ماينارد لاحقاً: "في بداية لقائنا، شرب بلاكبيرد نخب اللعنة عليّ وعلى رجالي -الذين وصفهم بأنهم مجرد جِراءٍ مرتعدة- قائلاً إنّه لن يرحم أحداً". وبعدها بدأت المعركة فعلياً.

واتضح على الفور أنّ بلاكبيرد له اليد العليا من ناحية القوة النيرانية. لكن ماينارد كان الأكثر دهاءً. فمع اقتراب "المغامرة" من "جين"، كان القواد الأول والثاني والثالث على متن السفينة "رينغر" قد ماتوا بالفعل. وحينها طلب ماينارد من رجاله النزول إلى الطابق السفلي من السفينة.

وهناك، انتظر ماينارد. وحين ابتلع بلاكبيرد الطُّعم وصعد برجاله إلى متن "جين" -معتقداً أنّه انتصر في المعركة- شنّ ماينارد هجومه.

ووصفت صحيفة Boston News-Letter الأمريكية ما حدث بعدها: "دخل ماينارد وتيتش في مبارزةٍ بالسيوف". وأثناء المبارزة، هبّ أحد رجال ماينارد للدفاع عنه، وأصاب بلاكبيرد بقطعٍ في وجهه، ثم تجهّز للهجوم مجدداً، حسب ما نشره موقع History.

ونقلت الصحيفة: "في الهجمة الثانية، أصاب رأس بلاكبيرد، الذي تدلى بعد الضربة على كتفه".

وبذلك مات القرصان بلاكبيرد، أو إدوارد تيتش، وتُشير جراحه إلى أن القرصان أُصيب بخمس رصاصات على الأقل، وطُعِن أكثر من 20 مرة، قبل قطع رأسه في النهاية.

إرث القرصان الأسطوري

ورغم أنّ إرث إدوارد تيتش لم يستمر إلا لعامين فقط، فإنه ترك سمعةً كبيرة بعد رحيله، حيث قدّم فيلم Blackbeard the Pirate عام 1952 قصة حياته لجمهورٍ جديد في القرن الـ20، ثم جاء فيلم Pirates of the Caribbean: On Stranger Tides عام 2011 ليُقدّم القرصان سيئ السمعة للجمهور من جديد.

ولم يقتصر إرثه على الأفلام الخيالية فقط، ففي عام 2008، قدّرت مجلة Forbes الأمريكية أن بلاكبيرد جمع ثروةً تُقدّر بنحو 12.5 مليون دولار طيلة حياته، أي أكثر من 15 مليون دولار بالقيمة الحالية للعملة. وبينما يعتقد البعض أن كل الثروات التي نهبها بلاكبيرد قد اكتُشفت بعد وقتٍ قصير من وفاته، يؤكد آخرون أن كنزه الحقيقي لم يُعثر عليه بعد.

فمنذ العثور على حطام السفينة "انتقام الملكة آن" قبالة سواحل كارولينا الشمالية عام 1966، وعلماء الآثار والباحثون عن الكنوز يجوبون الموقع؛ أملاً في العثور على ثروته.

تحميل المزيد