صحيح أنّ الزرنيخ كان خلال العصر الفيكتوري منتجاً أساسياً في صناعة العديد من الأشياء مثل المكياج، والملابس، والستائر، والشموع، وحتى أواني الطهي وملصقات الجدران، إلا أنه كان أيضاً سلاحاً سرياً وفتاكاً يستخدمه المجرمون، ومن بينهم كانت أول قاتلة متسلسلة في تاريخ بريطانيا ماري آن كوتون.
تلك السفاحة التي استخدمت الزرنيخ على مدار عقد من الزمن كسلاح سممت خلاله عدداً من أزواجها و11 من أطفالها للحصول على أموال التأمين، بالإضافة إلى قتل أي شخص قد يقف في طريقها، وفقاً لما ذكره موقع All That's Interesting الأمريكي.
ماري آن كوتون أول قاتلة متسلسلة في تاريخ بريطانيا وأخطرهم
ولدت ماري آن كوتون في عيد الهالوين في عام 1832 بمقاطعة دورهام في إنجلترا، وعندما بلغت الثامنة انتقلت رفقة عائلتها إلى قرية مورتون عندما وجد والدها عملاً هناك في منجم فحم.
لكنّ والدها لم يعِش طويلاً، إذ توفي في المنجم قبل أن تبلغ سنّ العاشرة، لتتزوج والدتها مرة أخرى بعد وفاته بعام.
وفيما بعد عملت ماري ممرضة وخياطة قبل أن تتزوج من أول أزواجها ويليام موبراي في عام 1852 وهي في سنّ الـ20.
قتلت أزواجها وأطفالها للحصول على أموال التأمين
يقال إنّها وزوجها تنقّلا كثيراً حتى تمكّن موبراي من العثور على عمل في إحدى السفن التي كان في بعض الأحيان يبقى على متنها لعدة أشهر متواصلة.
وبعد نحو 9 أعوام عانت هذه الأسرة الشابة من مأساة تسببت في وفاة 4 من أطفالها بسبب حمى المعدة، الأمر الذي دفع موبراي إلى شراء بوليصة تأمين على الحياة لنفسه ولأطفاله الـ3 المتبقين.
لكنهم مع الأسف لقوا حتفهم بعدها بمدة قصيرة عدا طفلاً واحداً، وفقاً لما ذكره الكاتب ديفيد ويلسون في كتابه "Mary Ann Cotton: Britain's First Female Serial Killer". (يمكنك شراؤه من هنا)
حصلت ماري بعد وفاة زوجها وأطفالها على أموال التأمين، التي بلغت نحو 35 جنيهاً إسترلينياً (حوالي 1500 جنيه إسترليني في الوقت الحالي)، ما ساعدها على مواصلة الحياة هي وطفلها المتبقي وأمها، ومن ثم الزواج من رجل يدعى جورج وارد.
ولكن بعد أقل من عام، توفي زوجها الثاني أيضاً بسبب حمى المعدة، وحصلت على أموال تأمين أخرى.
لم تبقَ ماري آن كوتون أرملة لفترة طويلة، إذ تزوجت على الفور من شخص ثالث يدعى جيمس روبنسون في عام 1867 بعد أن كانت تعمل خادمة لديه.
وخلال فترة زواجهما توفي 4 من أطفالهم بسبب حمى المعدة، فبدأت بالضغط عليه من أجل شراء بوليصة تأمين على حياته، لكنه وبسبب شعوره بالارتياب من إصرارها قرر إنهاء الزيجة والنجاة بحياته.
وفي العام 1970، وجدت ماري الزوج الرابع المستقبلي وهو فريدريك شقيق صديقتها مارغريت التي توفيت في العام ذاته بسبب مرض غامض في المعدة أيضاً.
وبعدها بأشهر تزوج فريدريك وماري وأنجبا طفلين، ولكن بحلول 1972 توفي الزوج، وبقيت ماري مع طفلين، وحاملاً بالثالث، والذين توفوا جميعهم لاحقاً.
ويعتقد الكثير من المؤرخين أنّ ماري كانت في تلك الفترة على علاقة برجل يدعى جوزيف ناتراس، الذي انتقل للعيش معها بعد وفاة زوجها عن طريق استئجار غرفة في منزلها، وقد لاقى المصير ذاته أيضاً.
ووفقاً لما ذكره موقع new states man فإن أحد جيران ناتراس الذي زاره وهو على فراش الموت قال: "رأيته يعاني من نوبات مؤلمة جداً، وقال لي إنه ليس مصاباً بالحمى، بل إنّ ماري أعطته شراباً لعدة مرات".
كانت تنتقل بين المدن لتجنّب الشكوك
كانت ماري تتجنب الشكوك من خلال الانتقال الدائم من مدينة إلى أخرى خلال زيجاتها، لكنّ الشكوك حامت حولها عندما تنبّأت بوفاة تشارلز ابن زوجها الرابع فريدريك كوتون، عندما قالت لمسؤول إحدى الأبرشيات إن تشارلز سيموت قريباً.
وعندما توفي بعدها بأيام توجه مسؤول الأبرشية إلى شرطة لندن التي فتحت تحقيقاً في الأمر، واكتشف التشريح وجود الزرنيخ في معدة الصبي.
واكتُشف آنذاك أن تشارلز لم يكن أول الضحايا الذين يموتون، بينما هم في حضانة ماري، إذ توفي 3 من أطفال أزواجها السابقين في ظروف مريبة، إضافة إلى العديد من أطفال ماري نفسها.
واتضح بعد مدة وجيزة أن الشرطة كانت تتعامل مع سفاحة تستخدم السم لقتل ضحاياها، ومن هنا بدأ اتضاح القصة المرعبة لماري آن كوتون، أول سفاحة في تاريخ بريطانيا.
ويقال إنّ ماري قتلت خلال حياتها حوالي 21 شخصاً، من بينهم 11 من أطفالها.
كيف أفلتت الأرملة بفعلتها من العقاب؟
كانت ماري داهية في تنفيذ جرائمها، فقد استخدمت الزرنيخ، الذي تشبه أعراضه أعراض حمى المعدة.
فقبل ثلاثينيات القرن التاسع عشر لم يكن التسمم بالزرنيخ قابلاً للاكتشاف بدرجة كبيرة، حتى طور الخبير الكيميائي جيمس مارش اختباراً لاكتشافه.
إضافة إلى أن التسمم بالزرنيخ كان شائع الحدوث في العصر الفيكتوري، حيث كان الناس دائمي الاحتكاك بالسم بصفة يومية، فكانت ألعاب الأطفال والملصقات تحتوي على الزرنيخ، وحتى عربات الأطفال احتوت على الزرنيخ أيضاً.
محاكمة وإعدام ماري آن كوتون
في عنوانها الرئيسي لأحد أعدادها المنشورة عام 1872، كتبت صحيفة North Wales Chronicle: "شكٌّ مخيفٌ".
وجاء في نص الخبر: "تحتجز السلطات في ويست أوكلاند ماري آن كوتون، وهي أرملة، وتتهمها بتسميم ابن زوجها، البالغ من العمر 8 أعوام، ويُقال إن المحتجزة، وهي امرأة شابة نسبياً، كان لديها 3 أزواج و15 طفلاً، وتوفوا جميعهم، إضافة إلى اثنين من المستأجرين، تحت سقف بيتها".
بدأت محاكمة ماري في عام 1873 بعد أن أنجبت آخر أطفالها في السجن، وخلال المحاكمة عرض الادعاء الأدلة التي تشير إلى أن تشارلز كوتون توفي بسبب حمى المعدة الناتجة عن وضع زوجة أبيه السم في الشاي.
وجادل محامي الدفاع عن ماري أن تشارلز ربما مات نتيجة الزرنيخ الموجود في الملصقات، ولكن ماذا عن أكثر من 20 حالة وفاة أخرى. أخرجت الشرطة جثة حبيب ماري، الذي توفي قبل وقت قصير من وفاة ابن زوجها السابق. وذكرت الصحيفة: "لقد عثروا على أعراض سموم لا لبس فيها".
وفي 24 مارس/آذار عام 1873، شُنقت ماري آن كوتون على جرائمها، لتكون أول سفاحة معروفة في بريطانيا.
صحيحٌ أن ماري لم تحظَ بالشهرة الكبيرة والسمعة السيئة لجاك السفاح، الذي بدأ جرائمه بعد عقد من إعدام ماري، لكن عدد الضحايا الذين قتلتهم كان كبيراً بكل تأكيد، ما يجعلها واحدة من أكثر قتلة بريطانيا المرعبين في التاريخ.