في الـ18 من فبراير/شباط 2021، حطَّت المركبة برسفيرنس روفر بسلام على سطح المريخ، وهي مركبة جوالة تبلغ سرعتها نحو 152 متراً في الساعة، تحمل على متنها مجموعة متنوعة من الأدوات والآلات، لإجراء تجارب حققت بالفعل حتى الحين إنجازات غير مسبوقة.
وعلى متن هذه المركبة، التي يصل طولها إلى 3 أمتار، يُوجد جهازٌ يُحوّل الهواء المريخي الغني بثاني أكسيد الكربون إلى أوكسجين، ومروحية بحجم علبة مناديل أجرت أول رحلة جوية مُراقبة تعمل بالطاقة على سطح كوكب آخر.
وقد نجحت المروحية التي تُسمى إنجينويتي في تنفيذ 3 رحلات جوية، كلٌّ منها أطول وأعلى من سابقتها.
ولكن هل صاحب كل تلك الأجهزة شيءٌ آخر على متن الرحلة؟ هل من الممكن أن تكون بعض آثار البكتيريا قد حُمِلَت بطريق الخطأ إلى الفضاء، ونجت طوال الرحلة لتجد موطناً جديداً لها على سطح المريخ؟
رحلة المريخ.. هل نقلنا البكتيريا إلى الكوكب الأحمر؟
وفقاً لما ذكرته شبكة BBC البريطانية، تمتلك وكالة ناسا ومهندسو مختبر الدفع النفاث بروتوكولات دقيقة وشاملة، لتقليل عدد الكائنات الحية التي قد تُحمَل دون قصد في مهمةٍ إلى الفضاء.
كما تُحدّد المعايير المتوافق عليها دولياً مدى صرامة تلك البروتوكولات، التي تلتزم بها وكالة ناسا أو تزيد عليها في بعض الحالات.
كيف يمكن أن تصل البكتيريا والميكروبات إلى الفضاء؟
اثنتان من الدراسات الحديثة سلّطتا الضوء على الكيفية التي يمكن بها لبعض الكائنات الحية مثل الميكروبات والبكتيريا أن تنجو من عمليات التنظيف وتظل على قيد الحياة طوال الرحلة إلى المريخ، إلى جانب الكيفية التي يمكن أن تتطور بها بعض الأنواع الميكروبية أثناء وجودها في الفضاء.
بداية فإن المركبات الفضائية هي عبارةٌ عن غرفٍ مزودة بمرشحات هواء، وتخضع لإجراءات تحكم بيولوجي صارم.
وهي مصممةٌ لضمان عدم تلويث كل متر مربع بأكثر من بضع مئات من الجسيمات فقط، إلى جانب ضمان عدم احتواء كل متر مربع على أكثر من عشرات جراثيم البوغ.
وتستطيع الميكروبات أن تصل إلى المريخ على متن المركبات الفضائية، حتى بعد تنظيف المركبات قبل الإطلاق وبعد تعرضها للإشعاعات في الفضاء.
وربما يتغيّر الشريط الوراثي (الجينوم) الخاص بتلك الميكروبات لدرجة أنّها ستبدو وكأنّها من الفضاء الخارجي، إذ رُصد مؤخراً تطوّر ميكروبات جديدة في محطة الفضاء الدولية.
ورغم سعي مهندسي ناسا جاهدين إلى تجنّب نقل تلك الأنواع إلى تربة أو هواء المريخ، لكن يظل عليهم فحص أي شكل من أشكال الحياة على المريخ بعناية، لضمان أنّ مصدره الأصلي ليس الأرض لأنّ التغاضي عن فعل ذلك قد يتسبّب في إجراء أبحاث مُضلَّلة حول خصائص الحياة على كوكب المريخ.
ولكن من شبه المستحيل الوصول إلى كتلة حيوية صفرية من الكائنات الحية على متن مركبة فضائية، خاصة أنّ الميكروبات عاشت على الأرض لمليارات السنين، وهي موجودةٌ في كل مكان، فهي تعيش داخلنا، وعلى أجسادنا، وحولنا، وبعضها يمكنه التسلّل إلى أكثر الغرف نظافة.
وتُظهر دراسة أخرى أنّ أحد أنواع البكتيريا الذي يسمى Deinococcus بإمكانه الاستمرار في الحياة خارج الأرض عن طريق موت الخلايا الخارجية التي تحمي الخلايا الداخلية من تلف الحمض النووي.
وتقول ناتالي كابرول، عالمة الأحياء الفلكية التي تعمل في مركز كارل ساجان للأبحاث، التابع لمعهد البحث عن ذكاء خارج الأرض، وفقاً لما ذكره موقع Smithsonian Mag: "لقد ذكّرني ذلك تماماً بالاستراتيجية التي تستخدمها البكتيريا الزرقاء في جبال الأنديز، وهي واحدة من أقدم أشكال الحياة على الأرض، وتتحمل جميع الظروف عن طريق موت خلاياها الخارجية من أجل حماية الخلايا الداخلية".
الميكروبات قد تسبب مشاكل في الفضاء
وداخل الغرف النظيفة في مختبر الدفع النفاث، وهو أحد مراكز البحوث والتنمية المُمولة من الولايات المتحدة وناسا، عُثر على أدلة تُثبت أن بعض الميكروبات يُحتمل أن تكون إشكالية أثناء مهمات الفضاء.
إذ تمتلك تلك الكائنات الحية أعداداً متزايدة من الجينات التي تُصلِح الحمض النووي، ما يجعلها أكثر مقاومةً للإشعاعات.
كما يُمكنها أن تُكوّن أغشية حيوية رقيقة فوق الأسطح والمعدات، وتنجو وسط الجفاف، وتزدهر في البيئات الباردة.
كما تبيّن أنّ الغرف النظيفة قد تُمثل عملية انتقاءٍ تطوّري لأصعب الجراثيم التي قد تكون لها فرصةٌ أفضل في النجاة خلال رحلةٍ إلى المريخ.
وهذه الاكتشافات لها تداعياتها على أحد أشكال الحماية بين الكواكب، الذي يسمى "التلوّث الأمامي"، والذي ينبغي علينا خلاله ضمان سلامة وبقاء أي شكل من أشكال الحياة التي قد تتواجد في الكون، نظراً لأنّ الكائنات الحية الجديدة قد تُثير الفوضى والدمار عند دخولها نظاماً بيئياً جديداً.
للبشر سجل حافل بالتسبب في المشاكل
والبشر لهم سجلهم الحافل في تلك الوقائع على كوكبنا، إذ تفشّى مرض الجدري مثلاً عن طريق البطانيات التي جرى منحها للسكان الأصليين في أمريكا الشمالية خلال القرن الـ19.
وحتى في عام 2021، لا يزال البشر عاجزون عن احتواء التفشّي السريع للفيروس المسؤول عن كوفيد-19.
الخطر الذي تمثله البكتيريا والميكروبات في الفضاء
كما أن الميكروبات التي تنتقل إلى الفضاء ربما تمثل خطراً داهماً على حياة رواد الفضاء، حيث قد تُهدّد صحتهم أو تتسبب في تعطيل أجهزة دعم الحياة حال انسدادها بمستعمرات من الكائنات الدقيقة.
لكن حماية الكواكب من التلوث هي مهمةٌ ثنائية الاتجاه، لأن المُكوّن الثاني في حماية الكواكب ينطوي على تجنّب "التلوّث الخلفي"، الذي يحدث عند العودة من الفضاء الخارجي إلى الأرض بشيءٍ قد يمثل خطراً على الحياة في كوكبنا.
وهذه في الواقع هي قصة العديد من أفلام الخيال العلمي، حيث يظهر ميكروبٌ خيالي ليُهدّد الحياة على الأرض.
لكن الدراسات السابقة استبعدت احتواء عينات المريخ على كائنات حية نشطة وخطيرة، كما تبحث برسفيرنس روفر عن أي إشارة على بقايا حياة ميكروبية قديمة على سطح الكوكب.
لكن ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية قررتا اتخاذ تدابير إضافية لضمان حفظ كافة العينات التي ستعود من المريخ داخل نظام عزلٍ متعدد الطبقات بأمان.
هل توجد حياة على المريخ؟ وماذا لو كانت الأرض هي مصدرها؟
في حال رصد علماء الفضاء مؤشرات على وجود حياة على المريخ، فهناك احتماليةٌ أن يكون مصدرها الأساسي هو الأرض.
فمن المرجح أنّ هناك بعض البقايا الميكروبية، وربما بقايا الحمض النووي للبشر، على متن الكوكب الأحمر منذ هبوط أول مسبارين للاتحاد السوفييتي على سطح المريخ عام 1971، والمسبار الأمريكي الذي هبط عام 1976.
وبالنظر إلى حجم العواصف الترابية وآثار الحمض النووي الهائلة التي ربما صاحبت تلك المركبات الفضائية فعلينا ضمان ألّا نخدع أنفسنا قبل التأكد من أن شكل الحياة الذي سنعثر عليه ليس مصدره الأرض في المقام الأول.
وحتى في حال حملت برسفيرنس -أو أي مهمة فضاء لاحقة- كائنات حية أو حمضاً نووياً بطريق الخطأ من الأرض إلى المريخ، فنحن نمتلك أساليب تسمح لنا بتمييزها عن أي شكل من أشكال الحياة التي يعود أصلها إلى المريخ.
وذلك عن طريق مقارنة الحمض النووي الذي سنعثر عليه في المريخ مع تسلسلات الحمض النووي الموجود في الغرف النظيفة بمختبر الدفع النفاث، وأنفاق الأرض، والعينات السريرية، ومياه الصرف، وسطح برسفيرنس قبل مغادرتها الأرض؛ وعليه سيكون من الممكن تحديد ما إذا كان الحمض النووي جديداً فعلياً.
وحتى في حال حمل استكشافنا للنظام الشمس عن غير قصد بعض الميكروبات إلى الكواكب الأخرى، فمن المرجح أن شكلها سيختلف تماماً عما كانت عليه قبل أن تغادر الأرض.
وفي نهاية المطاف، سوف يطأ البشر كوكب المريخ بأقدامهم، حاملين معهم مزيجاً من الميكروبات التي تعيش على أجسادهم وفي داخلها. وسوف تتكيّف تلك الميكروبات على الأرجح مع بيئتها الجديدة، وربما تتحوّر وتتغيّر.
وسوف نتعلم الكثير من ذلك أيضاً، وربما تجعل تلك الميكروبات الحياة على المريخ أكثر احتمالاً للمسافرين، نظراً لإمكانية تحديد تسلسل الشريط الوراثي (الجينوم) الذي سيتكيّف على بيئة المريخ، قبل إرساله إلى الأرض للاستفادة منه في العلاج والأبحاث المفيدة للكوكبين.
وبالنظر إلى جميع مهمات المريخ المنتظرة، فنحن على حافة عصرٍ جديد من البيولوجيا بين الكواكب، حيث سنتعلم المزيد عن تكيفات الكائنات الحية مع أحد الكواكب، قبل أن نطبقها على كوكبٍ آخر.