“مقدرش أهز جامد من غير ما أقول لحامد”.. بماذا يخبرنا هذا الكتاب؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/31 الساعة 09:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/31 الساعة 13:36 بتوقيت غرينتش
علي اليسار، الكاتب الساخر أسامة غريب/ الصفحة الشخصية للكاتب على موقع تويتر

يقال دائماً إن لكل شخص نصيباً من اسمه، ولم أجد مثالاً لشخص ينطبق عليه هذه المقولة أكثر من الذي أريد أن أتحدث عنه الآن: فالكاتب الصحفي والروائي والقاص "أسامة غريب" هو الغريب فعلاً.

ليس فقط لحيازته هذه القدرة الاستثنائية الغريبة على الجمع بتلابيب كل من القصة والمقال السياسي والرواية في آنٍ واحد، ولكن أيضاً بسبب طريقته في صنع نماذج منفردة من كل هذه له وحده فقط بعيداً عن القوالب المعروفة. تعرفت على أسامة غريب مؤخراً وبمحض الصدفة، إثر انتشار غلاف كتابه الأخير "مقدرش أهز جامد.. من غير ما أقول لحامد" في وسط الكُتاب الشباب بسبب كونه غريباً وساخراً وجريئاً.

"مين ده يا إخواننا؟".

"ده أسامة غريب، كاتب صحفي، ومش أول مرة يختار عنوان كتاب بالشكل ده، له عنوان آخر نُشر قبل سنوات بعنوان (مصر ليست أمي.. دي مرات أبويا)".

عن ماذا يحكي الكتاب الأخير المثير للجدل "مقدرش أهز جامد.. من غير ما أقول لحامد

ربما مجموعة من القصص أو مجموعة من المقالات.

الفن والشعب والدُّعاة.. وجهنم الحمراء

يرصد الكتاب في الجزء الأول منه حالة الشعب المصري المتناقضة والمثيرة للتأمل مع الفن، إذ إن الشعب المصري يحتفظ بداخله بمنظور متناقض للفن وما يحويه، فهو يقسم طوال النهار أن الفن حرام وأن الممثلات والراقصات سيدخلن جهنم الحمراء، لكنه لا يمانع كذلك من تمضية السهرة في مشاهدة فيلم لسامية جمال ورشدي أباظة.

وهذا ما يعكر عليه صفوه دائماً وقدرته على التلذذ بالقصة أو الحكاية؛ لأنه يحمل بداخله دائماً عذاب الضمير الذي يود ترك هذا الخبث جانباً. ويرصد لنا الكاتب موجات من الحالات العامة التي انتابت فئات المتفرجين حيال بعض الأحداث المهمة كاعتزال شادية التمثيل مثلاً، فتسأل الشخص عن شادية فيشعر لك في جمال أغانيها وخفة ظلها ويشاهد ليل نهار أفلامها، لكنه يؤيد تماماً اعتزالها وارتداءها الحجاب.

هذه ليست دعوة لمشاهدة الرقص الشرقي أو الأفلام أو الإعجاب بالممثلين، لكن هذا بمثابة نزع الغطاء عن حقيقة المجتمع المتناقض الذي يقول شيئاً صباحاً يعاكسه فعله مساءً. ولعل تأثير هذا التناقض ظهر مبكراً جداً على الناس حين كان المذياع لا يكف عن بث أغاني الحب والعشق والهيام ويرصد انفعالات النفس البشرية العنيفة إثر رؤية المحبوب ولمس أنامله وسماع همسه، ثم يكسر رقبة الفتاة ويقتلها بدعوى الشرف إن وجد مرسالاً غرامياً في حقيبة مدرستها، ومن هذا التناقض أيضاً أنه يصور الشاب المهذب الخلوق بالفتى الذي لا يعترض طريق الفتيات، ثم يحتفي بالشاب الذي يستطيع إيقاع فتاة في غرامه.

رصد جمال حمدان صفات الشخصية المصرية في مجلدات ضخمة، لكني أظن أنه يمكن تلخيص كل حيرة وعذابات الإنسان المصري في تناقضاته والخوف من الإفصاح عنها والشعور بالتهديد والخطر من مجرد مرورها على خاطره مرور الكرام، وأن هؤلاء الذين استطاعوا أن يتسقوا خارجياً وداخلياً مع أفكارهم هم الذين نجوا من عذابات الضمير.. وجهنم الحمراء وبئس المصير.

الغنوة الحلوة واللحن الشجي والملحن الغلبان

في الجزء الثاني من الكتاب يحدثنا غريب عن فنانين من زمن الطرب الأصيل، فيذكر لنا حكايات عن أغان محددة وقصصها وعن حال فناني هذا الزمان. فيحدثنا عن جبابرة هذا الزمن، عبدالوهاب على رأسهم في التلحين مثلاً، ويخبرنا بنرجسية عبدالوهاب ورغبته الملحة في ألا يعلو صوتٌ فوق صوت كمانجته، لذا كان يتعمد إفساد الموسيقى الداخلية للكلمات الشعرية كي يعلو صوت لحنه الشجي فقط.

ويضرب مثلاً على هذا:

"أهرب من قلبي أروح على فين، ليالينا الحلوة في كل مكان، مليناها حب إحنا الاتنين، وملينا الدنيا أمل… أمل.. وحنين".

حيث يحرص على ألا تكتمل الجملة الموسيقية مع الجملة الشعرية بسبب الموسيقى الداخلية للكلمات التي تكاد تتغنى بنفسها. عكس ملحنين آخرين كعمار الشريعي الذي كان دوماً أميناً على الكلمة وينظر لها باقتدار ومحبة وعزة فيكتب لها لحناً يبرزها أكثر فأكثر.

ماذا كان سيحدث لو أحب "عبوهاب" الكلمة أكثر من نفسه؟ كان من الممكن أن نحصل على ألحان أكثر عذوبة؟

أعتقد أن هذا السؤال هو أكثر ما يؤرق المستمعين، ماذا لو لم يمت محمد فوزي في مقتبل العمر، أو لو أكمل عبدالحليم مشاريع غنائه مع هاني شنودة، أو حصلت سعاد محمد على فرصة للبقاء على خشبة المسرح في حضور أم كلثوم بدلاً من الانزواء في ظلها؟

ولا يكتفي غريب بطرح الأسئلة فقط ومحاولة العثور على إجابة لها، بل يصبح أكثر جرأة فيحدثنا عن جوانب مظلمة بحكايات الأساطين، فيخبرنا مثلاً عن سبب سلطة أم كلثوم على المسارح، وقربها من النظام السياسي، وإنكارها لحب المقدرين لها بسبب ولعهم الظاهر عليهم، وذهابها للشخص الذي لم يلقِ لها بالاً كبيراً، ويحدثنا عن القصبجي الذي قتله الهوى وأفنى موهبته في متابعة عشيقة بتاكسي بينما تركب هي أفخر الأوتومبيلات، ويعود فينام في الحارة بينما تنام هي في فيلا بالزمالك.

متى انتشرت الشائعات حول وردة وبليغ وقصة حبهما؟ صحيح في عصر ازدهار نشر الصور الأبيض والأسود على صفحات السوشيال ميديا، في هذا الفصل أيضاً يرصد لنا الأستاذ أسامة غريب الشائعات الغريبة التي تم تداولها في هذه التريندات وحقيقتها.

ألفريد هيتشكوك الذي سيموت بحسرته لو زار دور عرضنا

على الكاتب ألا يكون "كيوتاً" أكثر من اللازم، وألا يكون محايداً ولطيفاً كي يجني القرَّاء. فالكاتب والمثقف والمبدع قبل كل شيء يجب عليهم أن يكونوا أصحاب مبادئ. وبعد قراءتي لهذا الكتاب أظن أنه لو كان بإمكان أسامة غريب كتابة مبدأ واحد والإمساك به في كل مكان إذا ما طُلب منه اختيار مبدأ واحد سيكون: "أنا بكره إسرائيل".

في هذا الفصل من الكتاب يحدثنا غريب عن الفرق بين السينما المصرية والسينما العالمية، ويكتب في مقال بعنوان "صورة أخرى للبطل" يتحدث فيه عن صورة أبطال الحروب التي تصنعها هوليوود، وما تقدمه من أفكار جهنمية تبرز بها الجندي الأمريكي كالفدائي العظيم، ويطرح غريب هنا فكرة عن ماذا لو عرفنا العالم بالصورة الأخرى للأبطال الأمريكان، وما كان يفعلونه حين يحتلون بلدان العالم الثالث؟ ويحدثنا كذلك عن محاولات الغرب المستميتة في إظهار الدول العربية بالصورة المتأخرة الغبية، ولماذا لا نطعن في كذبهم بتصوير أفلام تظهر الجانب الحقيقي لبلدان ودول الوطن العربي؟ ويتحدث في مقال "الأفلام الملطوشة" عن الأفلام التي سُرقت في سنوات؛ بداية عصر السينما من أفلام أجنبية وتمت سرقتها بالقلم والمسطرة، وعن القولبة والخوف من الخروج عن الإطار وتقديم نماذج إنسانية مختلفة لأبطال الحرب.

يمكننا أن نستخلص من هذا الفصل أنه لا يزال أمامنا زمن طويل للحاق بالسينما العالمية، وهو ما لن نتقدم فيه أبداً إلا إذا قررنا بذل مجهود أكبر في الاعتناء بالسيناريوهات التي تُقدم على الشاشة، كطلبٍ من أسامة غريب أن يكتب هذه الأفكار التي تدور في رأسه على هيئة سيناريوهات مثلاً.

في الفصول الأخيرة يحدثنا عن الكرة المستديرة وعن مأساة محمد فوزي وعن القدر الجميل أو.. الجمهور الوسطي الجميل.

وعن الكتابة الحقيقية والخادعة وعن الكذب وعن العبارات التي ظننا أنها دروس حياتية لإنقاذنا ثم اكتشفنا حين كبرنا أنها ليست سوى قواعد مفخخة جحيمية تقودنا نحو المهالك.

هذا الكتاب أكبر بكثير من إمكانية حصره في مقال مراجعة واحدة. ينتابني دائماً هذا الشعور بالرغبة في توزيع نسخ من الكتاب، وشعرت أن على الجميع قراءته.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مي قاسم
كاتبة مصرية
وُلدت عام 2000 في مدينة طنطا، أدرس بكلية الهندسة-قسم الاتصالات، صدرت لي رواية «لبلأ.. حكاية لا يبليها التكرار»، وأكتب في مجالات السينما والأدب والتراث الفني.
تحميل المزيد