أهلاً، مرحباً، أو لنقل السلام عليكم أمريكا رغم أنه لم يتحقق السلام بسببك للكثيرين، لكن لا بأس، ديني يتوعد الذين يصبرون على الأذى بالأجر، تحيتي هي السلام ولكن ليس الذي تتاجرون به، ولا الذي يتاجر به عبيدكم من الحكام الذين يحسبون علينا كعرب، إنه السلام الذي لا استسلام فيه ولا خنوع لغير الله الأعلى.
ولكن لكي أريكم أنني كمسلمة متفهمة لثقافتكم، وليست لدي مشكلة مع أن أحييكم كما تحبون دون أن أنسلخ من هويتي، فديني يرى أنه تندب الموافقة على ما لا حرج فيه! ديني جميل جداً، وبسيط على الذين لم يشددوا على أنفسهم، وديدنه الحب والحث على نشر التسامح والترغيب لا الترهيب، إلا أنه لكي يرى شخص ذلك يحتاج قلبه إلى أن يكون نقياً من الكراهية والتطرف.
لا أحب المقدمات للحديث عما يغلي داخلي، لكن تعلمنا ذلك من سياساتك المليئة بالمكر والمراوغات، رغم أن حكامك يحاولون دائماً إظهار عكس ذلك، أما أنا فقد قدمت لكلامي كونه رسالة، والرسائل عادة تستهل بكلمات تجعل المرسل إليه جاهزاً نفسياً لفحوى المكتوب، على الرغم كذلك من أنك لا تهتمين بنفسيات الآخرين وخاصة إذا كانوا من سكان العالم الثالث!
أمريكا.. أنا شابة من العالم الذي في تصنيفكم سفلي ومنسي، إلا أن هذا التصنيف لم يمنعكم من المتاجرة قديماً بأناسه، ولا من نهب خيراته الكثيرة التي تتقاسمونها أنتم والحكومات الفاسدة التي تتحكم في خيرات هذه الشعوب المغلوبة على أمرها، حتى إنكم حين تروني قد لا يتبادر في أذهانكم سوى النساء المسكينات اللواتي كنتم تتاجرون بهن قبل عقود، وغيرهن من السود الذين انتهكتم حقوقهم كبشر وصادرتم حريتهم.
وكانت كلاب الذين يمارسون عليهم عفنهم ويطبقون فيهم معارفهم الاقتصادية أحسن حالاً منهم، لعلني فقط أرجع بكم إلى الوراء قليلاً على عادة بني جلدتي من العرب الذين فشلوا في صناعة حاضر يليق بتطلعاتهم، فركنوا إلى التغني بالماضي، وسب الحاضر، ونبذ المستقبل.
وحتى أكون منصفة، فإن ماضيهم لم يكن وردياً، فهم كانوا قبل الإسلام أكثر وحشية منكم في انتهاك حقوق الإنسان، لكن هذا الدين الذي يرهب الكثير ممن حكموك في فترات مختلفة، وجعلهم يطلقون على المتمسكين به والساعين في نشره وبثه بين الناس كل الأوصاف التي لا تليق، هو الذي جعل تلك الأمة تحكم العالم وتصنع التاريخ، واسألي مكتبة "الكونغرس" إذا كانت معلوماتك عنهم قليلة.
أعرف أن العرب المعاصرين من المتخاذلين، المتهاوين، واللاهين هم من جعلوا هذه الأمة وهذا الدين يظهرون بصورة غير لائقة، ولكن هذا لا يؤثر على الحقيقة ولا على ما خط في كتاب الزمن بشيء! ولكني أيضاً لا أتنكر لما أحسه تجاهك ويظنني البعض من الذين يحبون العيش في الماضي فقط.
لا أخفيك إعجابي الشديد بما وصلتم إليه من تقدم وازدهار، وإن كان ما وصلت إليه أنت وأخواتك من الدول الغربية من تطور نحن من سددنا فواتيره ولا زلنا ندفع ثمنه، وهذا لأنكم مجتمعات مادة والغاية عندكم تبرر الوسيلة. لذلك لن أحاول دغدغة مشاعركم تجاهنا لأنها باردة جداً بسبب جعلكم لكل شيء ثمناً.
أعرف الكثير عن ثقافتك ومثقفيك، وأعرف أسماء بعض من حكموك، واسم عملتك، وعن سجنك "غوانتانامو"، أعرف أنه ليس ضمن حوزتك الترابية، ولكنه من حوزتك النفوذية، ومن خلال ما عرفته عن هذا السجن كشف لي عن وجهك الآخر الذي كنت تخبئينه عني لمدة طويلة، وعن آخرين مثلي.
وقد عرفت أن أمريكا ليست مدناً خيالية متقدمة اقتصادياً فقط يحلم بها كل شخص بلده مثل بلدي! وأنها ليست الأفلام السينمائية التي عرفتني على إنسانة مثل: "أنجلينا جولي" وأسطورة عجيبة مثل: "ليوناردو دي كابريو" وفاتنة مثل: "جوليا روبيرت"، وغيرهم.
بل هناك وجه آخر لها كشفت عنه للكثير من الأبرياء، الذين لم يكن ذنبهم سوى أنهم من بلدان ضعيفة السيادة ومسلوبة الكرامة، لهذا اعتقلوا ومورس في حقهم ما يشيب له رأس الوليد، وليس لأنهم مذنبون في حقك أو حق من يقطنوك، بل فقط لأنهم مسلمون ومن أمم ضعيفة اشتريتم ذمم أسيادها، ومقابل ما دفعتموه لها جاهزة لتنكحوا نساءها من دون زواج!
أعترف لك بأنني لن أغفر ما حييت ما اقترفه رئيسك السابق والحكومة المرتزقة التي حكمت وطني ردحاً من الزمن، في حق ابن وطني البار والحبيب "محمدو ولد صلاحي"، وسأبقى ألعن تلك الحكومة ما حييت هي وكل الذين تسببوا في خدش كرامة الآخرين، وتقييد حريتهم ظلماً وعدواناً.
رغم أنه كان "يوسف" معتقلكم العفن وغفر لهم ما قاموا معه به، لكنني عكسه فدموعي التي ذرفت بسبب ما جعلتموه يعانيه من آلام، ومشاعري السلبية، والحزن الذي تسببتم لي به من خلال ما قاموا معه به لن أنساهم ما حييت.
وقبل أن أنهي كتابة هذه الرسالة إليك، أود أن ألفت انتباهك إلى مسألتين اثنتين، هما: أن الإرهاب الذي صدع حكامك به رؤوسنا هم وأذنابهم في المنطقة يولد من الإرهاب الذي يمارس من طرف حكوماتكم على الشعوب، وحين تكفون عن زرع الفتن في العالم لن تحصدوا الأفيون ولا الكراهية والعنف! ثانياً أن الإسلام لا دخل له في الإرهاب بل الدويلة التي تحمون المسماة "إسرائيل"، وتعطونها الحق في قتلنا كعرب ومسلمين كل يوم بقتلها للفلسطينيين آناء الليل وأطراف النهار، وارتكاب أفظع الجرائم في حقهم على مر أكثر من نصف قرن، هي سبب كل أزمة وبلاء حلّا بالعالم منذ وُجد كيانها الغاصب، لذلك جِدوا لها حلاً واتركوا فلسطين وكل الدول وشأنها وسيختفي "الإرهاب" الذي ما هو إلا صناعتكم!
وأحب أن أخبرك يا "أمريكا" أنني رغم كل شيء أشكر لك ما تقدمينه للبشرية من صناعات واكتشافات نافعة، وأظن ذلك من واجبك كسيدة للعالم نصبت نفسها منذ زمن بعيد، رغم أن القوة إذا كانت تكفيك لتكون سيداً، هي لا تكفيك وحدها لتكون حاكماً جيداً، فذلك يحتاج إلى العدل!
وإلى هنا يكفي، سأعود لأكمل قراءة يوميات السجين السابق رقم 760 في سجنكم الجحيمي، الذي توقفت عند صفحاته الأخيرة حين غلبتني "غصة" قد تكون الكتابة خففت منها قليلاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.