أتم استقلال موريتانيا عقده السادس منذ أشهر معدودات بينما حضارة شنقيط التي تعتبر مرجعية البلاد التاريخية اقترب عمرها من عمر سيدنا نوح عليه السلام، والدولة لما تبلغ بعد سن الرشد في التقدم والرقي في ميادين العلم والفن والأدب، رغم تاريخها الطاعن في الأصالة والعطاء والمسيرة الثقافية الممتدة من الماء إلى الماء، والتي كان السائرون فيها من رواد المعرفة يرتكزون على القرطاس والقلم ويَهُشُّون بالعلوم الشرعية واللغوية على البلادة المصاب بها بعض أبناء هذه الأمة.
إلا أنك تلحظ زهد المتحكمين في أمور البلاد في المعرفة وبثها بالطرق المناسبة مع انعدام دعم الثقافة بالشكل اللائق بمكانة هذه الأرض وإرث جهابذتها، بدءاً بمؤسسيها ومروراً بمؤثريها وحاملي راية عزها في المحافل الدولية، حيث لا داعم للأدب ولا مشجع على المعرفة وروافدها، ودليل ذلك تجاهل الكتاب والمفكرين وتغييب جلهم عن المشاركة في بناء المجتمع وتوجيهه وجعل ميدان الثقافة يفتقد أكسجين التشجيع والدعم على الإنتاج والعطاء.
توجد في موريتانيا مخطوطات كثيرة لشيوخ دين وأدباء كبار متجاهلة ومتروكة في المكتبات الأسرية الخاصة بذويهم وحكراً عليهم ولم تصل بعد ليد الباحثين والمهتمين، كونَ من يتولون الأمر غير مهتمين بجمعها وتصنيفها ونشرها بين دفف الكتب لتنتفع بها الأجيال وتحفظ كي لا تضيع أو تتلف.
وهذا التغاضي والتغافل عن تنشيط سوق الكتابة والنشر شمل مناحي فكرية عديدة وألم بالكتاب المعاصرين وتضرر منه القراء أيما ضرر، مع شح المراكز الثقافية وانعدام دور النشر التي تتوفر على معايير متقدمة وتتمتع بكفاءات عالية تمكنها من تحرير وتنسيق الكتاب حتى يخرج للنور بأبهى صورة وفي أرقى قالب مما أدى إلى لجوء معظم الأدباء والكتاب إلى الدور المتواجدة في مصر ولبنان وسوريا والمغرب، وغيرها من البلدان العربية وحتى الأجنبية أحياناً.
وبعد عملية النشر وخروج المؤلفات إلى النور تعرض هذه الكتب في المعارض العربية وتوزع بكثرة خارج وطن الكاتب الأم، ولا تتوافر نسخ الكثير من هذه الكتب محلياً غالباً، وإذا توافرت تكون بنسخ محدودة تحظى بها القلة القليلة من المتلهفين لقراءة إنتاجات هؤلاء الكتاب، أما إنتاجات الأدباء والمفكرين من خارج نطاقنا المحلي فهذه لا تصل، وإذا وصلت يكون بعد انقضاء مدة على طباعة الكتاب، وبعض الكتب لا تصل أبداً.
وهذا التهاون بالقارئ الموريتاني سببه هو أن البلاد التي لم تعرف على مر التاريخ بشيء كمعرفتها بالشعر والشعراء والآداب والفنون، والمشهورة بنجابة طلابها وفطنة أناسها، لا تمتلك إلى اليوم معرض كتاب دولياً تجمع فيه كل المبدعين العرب كما يجتمع طلاب العلم الشناقطة تحت الخيمة يتدارسون العلوم ويتنافسون في الفقه والعقيدة وكما كانت دائما قبلة للمتعلمين من كل الجهات والأقطار وهي الجديرة بذلك والأهل له، وبالمعرض والأنشطة الثقافية الأخرى التي تصب في هذا المجال والاستثمار فيه والترويج له ورصد الدعم، حتى يتم الإقبال على القراءة وتتبوأ البلاد المكانة الرفيعة التي لا تصل إليها بغير العلم والمعرفة وتحبيب الناس فيهما ودعم الساعين في إذاعتهما وزرعهما في الوجدان الجمعي من جديد بعد أن اجتثهما فساد الحكومات من عقول الكثير من أبناء هذا الشعب.
واجب على مجتمعنا وجدير بحكومتنا أن يفهما ويدركا تمام الإدراك أن الإبداع دافع تنموي كبير، وللوصول إليه لا بد من منفذ، وهذا المنفذ يكون في أحيان كثيرة بين السطور وعلى أرفف المكتبات والتي أضحت متجاهلة من طرف الكثيرين من أحفاد المرابطين، بعد أن كانت ثروتهم ورأس مالهم الوحيد.
ولعل ذلك ليس خيارهم ولكن الحياة وإكراهاتها جعلتهم بمنأى عنها بيدَ أننا نسعى جاهدين إلى إعادة الثقة في نفوس هؤلاء بالكِتاب، فهل من سبيل إلى ذلك؟ وهل سيبقى مطلب إقامة معرض كتاب دولي في موريتانيا حلماً بعيد المنال؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.