يحتفل الشعب الشركسي في الـ22 من مارس/آذار من كل عام، بذكرى رأس السنة الشركسية التي تسمى أيضاً "رأس السنة الأديغية"، ففي الوقت الذي يعيش فيه العالم في العام 2023، حسب التقويم الغربي، فإنهم يعيشون في العام 6232 وفق التقويم الشركسي.
رأس السنة الشركسية 6232
ويعتبر الشركس هذا اليوم بداية دورة تقويم جديدة، ولحظة استيقاظ الأرض من ثُبات الشتاء، ففي هذا اليوم يبدأ الاعتدال الربيعي في موطنهم على جبال القوقاز، وتتساوى فيه أيضاً ساعات الليل مع النهار.
أصل رأس السنة الشركسية
تعود أصول الاحتفال بذكرى رأس السنة الشركسية إلى العام 4209 قبل الميلاد، عندما كان الشركس حينها شعباً وثنياً يعمل بالزراعة على الجبال، فاختاروا هذا اليوم بالتحديد كونه يرتبط ببداية الربيع وبدء الدورة الزراعية الجديدة.
وقال زاريما تسييف، أستاذ التاريخ في جامعة أديغيا: "إنّ الشركس كانوا يودعون فصل الشتاء ويستقبلون الربيع بهذا اليوم كونه يجلب الدفء إلى جبالهم الباردة، كما كانوا يعتبرون ظهور الشمس في هذا اليوم بمثابة حياة جديدة تمنح القوة لجميع الكائنات الحية على الأرض".
وأضاف تسييف، وفقاً لموقع Kavkaz، أنّ الناس كانوا من خلال يوم رأس السنة يتوقعون مصير عامهم الزراعي، فإذا كان الطقس في هذا اليوم مشمساً فسوف يعمّ الخير عليهم وعلى حصادهم، أمّا إذا تساقطت الأمطار أوالثلوج فيتوقعون أن يصيب الجفاف أراضيهم.
من جهته، قال تيمور ألوييف، الباحث والمؤرخ في معهد كاباردينو بلقاريا للبحوث الإنسانية: "في البداية كان عيد رأس السنة الشركسية يعّدُ بمثابة احتفال عائلي يُقام لدى بعض القبائل الشركسية، لكنه مع مرور الوقت وحّد جميع القبائل على الاحتفال به".
وأضاف أنّ الشركس كانوا يحتفلون بيوم رأس السنة في إطار صغير في كل قرية، وكان ذا أهمية كبيرة للعائلات، يتم فيه أخذ استراحة من العمل من أجل الاحتفال، والصلاة من أجل الحصاد والسلام.
رأس السنة الشركسية لا تشبه عيد النوروز
وعلى الرغم من الاعتقاد السائد بأن عيد رأس السنة الشركسية تم تبنيه من الفرس القدماء، فإن الخبراء المحليين يصرون على أنّه عيد قديم للشركس.
إذ تقول ماريت كويك الباحثة في معهد أديغيا الجمهوري للأبحاث الإنسانيّة إنّ هذا العيد هو عطلة زراعية قديمة وليس مستعارة، كما يظن البعض.
وأضافت أن الطقوس التي يؤديها الشركس لا تشبه بأي شكل طقوس عيد نوروز على الرغم من تشابه أنّ محتوى العيد متشابه من حيث بداية فصل الربيع وطقوس عبادة الشمس أيام الوثنية.
العادات والتقاليد التي تتم في هذا اليوم
في السابق كان الاحتفال برأس السنة الشركسية يستمر 3 أيام تبدأ من مساء 21 مارس/آذار وتنتهي في ليل 23 من الشهر ذاته.
لكن لاحقاً بعد دخول الإسلام باتت طقوس الاحتفال تستمر خلال يوم 22 فقط، وتبدأ منذ ساعات الليلة السابقة إذ يقضي كبار السن ليلتهم في الصلاة وقراءة الأدعية حتى ظهور الفجر، وكانوا يرون أنّ النوم في تلك الليلة أمرٌ مُعيب ومخالف للعادات والتقاليد، وفقاً لما ذكره أستاذ العلوم الجغرافية في جامعة دمشق الدكتور عادل عبد السلام لاش في كتاب "طوارف الذاكرة والقريحة بنكهات شركسية".
أما في اليوم التالي فيبدأ سكان القرى بفتح أبواب منازلهم التي تمتلئ موائدها بأشهى الأطعمة، في حين يرتدون الملابس الشركسية التقليدية، ويتجولون في القرية حيث تؤدى الرقصات والأغاني المرتبطة بالعيد في الساحات العامة، بالإضافة إلى إقامة مسيرة بالشموع يتقدمها زعيم القرية من أجل الصلاة للحصول على موسم حصاد جيد.
التضحية بالدجاج الأسود وقراءة دعاء رأس السنة الشركسية
ومن عادات هذا اليوم أيضاً أنّ يبدأ بقرءة دعاء رأس السنة الشركسية الذي تقول كلماته:
"يا ربنا، يا أيها الرب الكبير، يا ربنا الأوحد، يا مسير السماء والأرض، يا مصدر العطاءات الكبرى، يا مالئ الوجود العدم، يا صانع المعجزات، من يرجو شفاعته الجميع، ولا يرجو الشفاعة من أحد، تتوسل إليه المخلوقات، ولا يتوسل إلى أحد، يا خالق الأجسام، وباعث الأرواح فيها، يا ربنا، الرب الأوحد، الرب الكبير، كل الوجودات مسير بنظام، فالشمس تتحرك حسب نظام، وعندما تتحرك الشمس، يتبعها ويرافقها نهار، وندعو النهار المرافق لها، أن يحمل معه الخير، كي نحتفل به، ونُثري بذلك ما قدمناه، ونزدهر مع الثراء، حسب إرادة ربنا وخالقنا الكبير".
ومن ثمّ على العائلات التضحية برأس من الماشية وطهيها وتقديمها للأسرة، وإذا كان الوضع الاقتصادي للعائلة لا يسمح بذلك فيقومون بنحر الدجاج ويشترط أن يكون أسود اللون.
إذ كانوا يعتقدون أنّ اللون الأسود يدفع عنهم وعن أسرهم الأذى والشرور والأمراض طوال السنة الجديدة، إضافة إلى أنّ اللون الأسود نابع من مبدأ الشرور والكوارث السوداء، وبالتالي لا يتم تجنبها سوى باللون الأسود.
لذلك يعتبر الشركس يوم رأس السنة بمثابة انتصار لقوى الخير على القوى الشريرة.
كما كان الشباب في ذلك اليوم يذهبون إلى الأنهار للاغتسال بها لاعتقادهم أن ملامسة مياه النهر لأجسادهم تجلب لهم البركة والخير، وتمنحهم الصحة والعافية على مدى أيام السنة الجديدة.
من هم الشركس؟
يعتبر الشركس من شعوب بلاد القوقاز الأصلية، وهم أحد أقدم الشعوب التي دخلت الإسلام في أوروبا، يحدّ بلادهم من الشمال روسيا، ومن الجنوب تركيا، ومن الغرب البحر الأسود، والشرق بحر قزوين.
في حين يطلق اسم شركس على كل الشعوب التي تسكن شمال القوقاز، لكن شعب الأديغة بقبائله الـ12، يعد بمثابة الوطن الأم لشعوب الشركس.
أما منطقة شمال القوقاز حالياً فتتكون من 7 جمهوريات تتمتع بحكم ذاتي ضمن الاتحاد الفيدرالي الروسي؛ ومن ضمنها الأديغة، وقبردينو "بلقاريا"، وقراتشاي "تشيركيسيا".
وبسبب الحرب التي استمرت 101 عام بين قبائل الشركس والروس بين عامي 1763 و1864 قُتل ما لا يقتل 500 ألف من سكان القوقاز، بالإضافة إلى تهجير الملايين إلى مدن الدولة العثمانية مثل إسطنبول وقيصري، والمدن التي كانت في السابق تحت سيطرتها مثل: "القنيطرة، منبج، حلب، دمشق، حمص الرقة، وعمّان".
في حين يعتقد أنّ نسبة الشركس الذين يعيشون خارج القوقاز في الوقت الحالي تتجاوز الـ80% من تعداد الشعب الأصلي.