ساركوزي ليس الأول.. رؤساء فرنسيون لاحقتهم تهم فساد وتحرّش وارتكاب جرائم حرب

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/02 الساعة 12:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/02 الساعة 12:42 بتوقيت غرينتش
رويترز/ رؤساء فرنسيون لاحقتهم تهم فساد

لم يكن نيكولا ساركوزي أوّل رئيس فرنسي يُتّهم بقضايا تتعلق بالفساد وسوء استغلال النفوذ، إذ سبقه إلى ذلك العديد من الرؤساء، من بينهم الرئيس فاليري جيسكار ديستان الذي اتُّهم بالتحرش الجنسي، وفرانسوا ميتران المتهم بارتكاب عملية تفجيرية في نيوزيلندا وجرائم حرب في رواندا والجزائر.

الرئيس جول جريفي وفضيحة بيع الأوسمة

كان جول جريفي رابع رئيس للجمهورية الفرنسية والثاني خلال فترة الجمهورية الثالثة، إذ حكم البلاد من 30 يناير/كانون الثاني 1879 حتى 2 يناير/كانون الثاني 1887.

ورغم أنَّ أسلافه كانوا من الملكيين الذين حاولوا دون جدوى استعادة الملكية الفرنسية، فإنه يُنظر إلى غريفي على أنّه أول رئيس جمهوري حقيقي لفرنسا.

إذ بمجرد توليه لمنصبه، عمل على الفور لضمان عدم استخدام الرئاسة مرة أخرى كجسر لإعادة تأسيس النظام الملكي، فأعلن نفسه خادماً لإرادة الشعب، وتخلى عن حق الرئيس في حل البرلمان، وفقاً لما ذُكر على مدونة Scamsleaks.

ورغم هذا الحبّ الكبير الذي حظي به غريفي فإنّه تعرض إلى فضيحة كبيرة دمّرت مكانته المثاليّة، وذلك في أكتوبر/تشرين الأول 1887، أي بعد مرور عامين فقط على ولايته الثانية.

وسلطت الصحافة الفرنسية في ذلك اليوم الضوء على صهر الرئيس دانيال ويلسون، الذي قالت إنه متورط في قضايا فساد كبيرة، مستغلاً نفوذه في قصر الإليزيه، وذلك من خلال تلقيه رشاوى كبيرة لتمويل مشاريعه التجارية الخاصة.

والأسوأ من ذلك أنّ ويلسون الذي كان نائباً في البرلمان يمتلك أيضاً علاقات مشبوهة بعدد من المتواطئين ذوي المناصب الرفيعة، وقد أجرى العديد من صفقات بيع أوسمة جوقة الشرف لهم داخل بيوت الدعارة، ولذلك سمّيت تلك الفضيحة بـ"فضيحة ويلسون"، وفقاً لما ذكره غريفي في كتابه "الخطب السياسية والقضائية"، Discours politiques et judiciaires Tome 2 (يمكنك تحميله من هنا).

وبعد كل تلك الفضائح لم يكن أمام الرئيس غريفي سوى الاستقالة من منصبه.

iStock/ كان جول جريفي رابع رئيس للجمهورية الفرنسية والثاني خلال فترة الجمهورية الثالثة
iStock/ كان جول جريفي رابع رئيس للجمهورية الفرنسية والثاني خلال فترة الجمهورية الثالثة

فاليري جيسكار ديستان ودعوى الاتهام الجنسي

في 11 مايو/أيار 2020، فتحت النيابة العامة في باريس تحقيقاً بشأن تهمة اعتداء جنسي قام بها الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان، بحق الصحفية الألمانية كاترين ستريك، التي تعمل في إذاعة ألمانية تدعى WDR.

ووفقاً لصحيفة The New York Times الأمريكية، فإن ديستان الذي حكم البلاد لـ7 سنوات من عام 1974 إلى عام 1981 قام بالتحرش بالصحفية الألمانية، بعد مقابلة جرت بينهما في مكتبه الرئاسي في العام 2018، وأنها قررت رفع الدعوى بعد تأثرها بحركة Me Too.

وقالت كاترين، التي تبلغ من العمر 38 عاماً، إنّه "بعد انتهاء اللقاء بيننا طلبت التقاط صورة لي وللمصور ومساعدته اللذين كانا يرافقانني، وخلال التقاط الصورة وضع الرئيس الأسبق يده على خصري، بعد ذلك انزلقت يده على مؤخرتي، وحاولت دفعها بعيداً عني ولكني لم أفلح في ذلك، فقد كان لدي إحساس بأنه يصر على ذلك".

وتروي الصحفية الألمانية أن ديستان كرر سلوكه معها مرة أخرى عندما التقطت معه صورة ثانية، بل إن الرئيس الأسبق أصر على توديعها من خلال تقبيلها، وهمس في أذنها باللغة الألمانية قائلاً "لتكن أحلامك جميلة".

من ناحيته، فقد نفى الرئيس الأسبق ديستان هذه التهمة، وقال محاميه إن موكله لا يتذكر أي سلوك غير طبيعي صدر عنه بحق الشاكية.

لكنّ الدعوى انتهت بعد رفعها بنحو 7 أشهر بسبب وفاة الرئيس فاليري جيسكار ديستان، في 3 ديسمبر/كانون الأول 2020، عن عمر ناهز 94 عاماً، جرّاء إصابته بفيروس كورونا المستجد "كوفيد19".

رويترز/ فاليري جيسكار ديستان
رويترز/ فاليري جيسكار ديستان

فرانسوا ميتران.. جرائم في رواندا والجزائر ونيوزيلندا

أمّا الرئيس الـ21 فرانسوا ميتران، الذي حكم البلاد من 1981 حتّى 1995، فلم يسلم هو الآخر من الاتهامات التي طالته حتى بعد موته في 1996، أبرزها اشتراكه في جرائم الحرب برواندا وإعدام العديد من الجزائريين خلال الثورة الفرنسية، وأيضاً تفجير سفينة رينبو واريور النيوزيلندية.

ووفقاً لما ذكره موقع France24، فإن المحكمة الإدارية العليا في فرنسا قد قضت في منتصف العام 2020 بإمكانية إطلاع الباحث فرانسوا غرانر على أرشيف الرئيس ميتران، المتعلق بالإبادة الجماعية في رواندا، وذلك رغم أن البروتوكول ينصّ على عدم السماح بفتح تلك الصناديق إلا بعد 60 عاماً من انتهاء فترة ولاية الرئيس الثانية.

ويتّهم الرئيس الرواندي بول كاغامي فرنسا بأنها تواطأت مع ميليشيات الهوتو على زمن ميتران، لإراقة دماء ما يقرب من 800 ألف شخص من شعب التوتسي والهوتو المعتدلين.

في حين تقول صحيفة Le Monde الفرنسيّة إنّ تلك الصناديق تحتوي على برقيات دبلوماسيّة، وملاحظات موجهة إلى الرئيس الفرنسي عن الوضع في رواندا، ومكتوبة بخط اليد من قِبل مستشارين في قصر الإليزيه.

أما ثانية تلك الاتهامات فكانت تتعلق بدور فرنسوا ميتران، بارتكاب جرائم حرب خلال اندلاع الثورة الجزائريّة.

وأشار كتاب صدر في عام 2010، حمل عنوان "فرنسوا ميتران وحرب الجزائر" (يمكنك تحميله من هنا) للصحفي فرنسوا مالي، والمؤرخ بنجامين ستورا دور الرئيس ميتران، عندما كان وزيراً للعدل في حكومة غي موليه بإعدام وطنيين جزائريين خلال الثورة الجزائرية".

ووفقاً للكتاب فإن ميتران سمح دون أن يرف له جفن عندما كان وزيراً للعدل ورئيساً لمجلس القضاء الأعلى في وزارة الاشتراكي غي موليه بقطع رؤوس وطنيين جزائريين، سواء كانت أيديهم ملطخة بالدم أو لم تكن، وأنه اعترض على نحو 80% من طلبات العفو التي قُدمت إلى المجلس الأعلى للقضاء.

أمّا الاتهام الأخير فهو دور ميتران في عملية إغراق السفينة رينبو واريور، التابعة لمنظمة السلام الأخضر التي كانت تستعد لمواجهة التجارب النووية الفرنسية.

إذ كانت فرنسا في تلك الفترة تقوم بإجراء تجارب نووية في جزيرة موروروا التابعة لبولينيزيا الفرنسية جنوب المحيط الهادئ، والتي تبعد 4 آلاف كم عن نيوزيلندا.

ففي 10 يوليو/تموز، قام عميلان سريان للمخابرات الفرنسيّة بزرع لغمين أسفل السفينة الراسية ميناء أوكلاند، فتم تفجير الأول قبيل منتصف الليل، وبعدها بنحو 10 دقائق، انفجر الثاني ليتوفى غالبية الذين كانوا متواجدين على متنها.

في البداية أنكرت الحكومة الفرنسية أي معرفة بالعملية، لكن سرعان ما تم القبض على بعض المنفذين، ليظهر رئيس الوزراء حينها لوران فابيوس على التلفاز، معلناً أنّ عملاء فرنسيين أغرقوا القارب بناء على أوامر مباشرة، وفقاً لما ذكره الموقع الرسمي لمنظمة السلام الأخضر Green Peace.

وقد تسببت تلك الحادثة في استقالة وزير الدفاع الفرنسي تشارلز هرنو.

وفي يونيو/حزيران 1986، جرى اتفاق بين نيوزيلندا وفرنسا برعاية الأمم المتحدة ينص على دفع 13 مليون دولار نيوزيلندي (ما يساوي 6.5 مليون دولار أمريكي) إلى نيوزيلندا، بالإضافة إلى تقديم اعتذار.

في حين أكدت صحيفة Le Monde الفرنسيّة، أنّ الرئيس ميتران أعطى موافقته على التفجير.

جاك شيراك واختلاس الأموال

خلال فترة رئاسته من العام 1995 حتى 2007 واجه الرئيس الفرنسي الـ22 جاك شيراك العديد من تهم الفساد المتعلقة باختلاس الأموال العامة، لكنّه ظل محمياً بحصانته مدة 12 عاماً إلى حين انتهاء فترة رئاسته.

وفي عام 2009 أمر أحد القضاة الرئيس شيراك بأن يواجه المحاكمة بتهم تعود إلى عهده كرئيس لبلدية باريس، ووجه إليه وللعديد من مساعديه تهماً تتعلق بمنح عقود وهمية لوظائف حكومية في باريس إلى حلفائهم السياسيين، المتمثلين في أعضاء بحزب "التجمع من أجل الجمهورية" أو أحزاب صديقة أخرى، وفقاً لما ذكره موقع France24.

وبعد عدة أسابيع، واجه شيراك مجموعة أخرى مماثلة من تهم الفساد، وتركز هذا التحقيق الرسمي حول استخدام العمدة السابق المزعوم لأموال المدينة لتعويض أعضاء الحزب السياسي "التجمع من أجل الجمهورية". 

وفي سبتمبر/أيلول 2011، ادعى المحامي الفرنسي لبناني الأصل روبير برجي أنّ الرئيس جاك شيراك ورئيس وزرائه دومينيك دوفيلبان قد تلقيا "حقائب أموال" تجاوزت عشرات الملايين من الفرنكات بين عامي 1995 و2005 من رؤساء أفارقة.

وقال المحامي روبير برجي في مقابلة مع صحيفة Le Journal du Dimanche الفرنسية: "بوساطتي دفع خمسة زعماء أفارقة هم رئيس السنغال عبدالله واد، ورئيس بوركينافاسو بليز كومباوري، ورئيس ساحل العاج لوران غباغبو، ورئيس الكونغو برازافيل دنيس ساسو نغيسو، ورئيس الغابون عمر بونغو، حوالي 10 ملايين دولار لحملة شيراك الانتخابية لعام 2002.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2011، أدين شيراك مرة أخرى بإساءة استخدام الأموال العامة وإساءة استخدام الثقة العامة، وحُكم عليه بالسجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ.

وتوفي جاك شيراك عن عمر ناهز 86 عاماً، في 26 سبتمبر/أيلول 2019.

رويترز/ خلال فترة رئاسته من العام 1995 حتى 2007 واجه الرئيس الفرنسي الـ22 جاك شيراك العديد من تهم الفساد المتعلقة باختلاس الأموال العامة، لكنّه ظل محمياً بحصانته مدة 12 عاماً إلى حين انتهاء فترة رئاسته.
رويترز/ خلال فترة رئاسته من العام 1995 حتى 2007 واجه الرئيس الفرنسي الـ22 جاك شيراك العديد من تهم الفساد المتعلقة باختلاس الأموال العامة، لكنّه ظل محمياً بحصانته مدة 12 عاماً إلى حين انتهاء فترة رئاسته.

نيكولا ساركوزي ومحاولة رشوة قاضٍ

في 1 مارس/آذار 2021، أصدر القضاء الفرنسي حُكماً بالسجن 3 سنوات، بينها سنتان مع وقف التنفيذ، بحق الرئيس الفرنسي الــ23 نيكولا ساركوزي، بتهم متعلقة بالفساد واستغلال النفوذ.

وأُدين ساركوزي الذي حكم فرنسا في الفترة من 2007 حتى 2012، بمحاولة رشوة قاضٍ في عام 2014، أي بعد أن ترك منصب الرئاسة بعامين، مقترحاً عليه تأمين وظيفة مرموقة له، مقابل الحصول على معلومات بشأن قضية منفصلة، وسُميت بقضية "التنصت".

ليصبح بذلك ساركوزي البالغ من العمر 66 عاماً ثاني رئيس فرنسي سابق يُحاكم بالسجن بعد الرئيس الراحل جاك شيراك، والأول الذي يحصل على عقوبة نافذة.

رويترز/ نيكولا ساركوزي
رويترز/ نيكولا ساركوزي
تحميل المزيد