هل النخبة التي تحكم العالم في الخفاء هي من أطلقت فيروس كورونا؟ وهل هذه النخبة هي من تحدد رئيس الولايات المتحدة حقاً؟ أسئلة تدور في ذهن بعض الأشخاص الذين يؤمنون بنظريات المؤامرة، والتي عادةً لا تجد أساساً تعتمد عليه سوى تكهنات وقصصٍ غير مبنية على أي دليل يؤكد صحة المزاعم أو ينفيها. في هذا التقرير نجمع لكم بعضاً من هذه المجتمعات السرية وأشهر ما يحيط بها من "نظريات مؤامرة".
نظرية المؤامرة ليست جديدة
لم تكُن نظرية المؤامرة وليدة العصر الذي نعيش فيه، بل لها جذورٌ تمتد حتى بداية القرن التاسع عشر. فبسبب اختفاء لوليام مورغان الغامض عام 1826 بعدما تعهَّد بكشف أسرار الماسونية، اشتعلت حركةٌ شعبية مناهضة للماسونية.
جاء من عباءة هذه الحركة الحزب المناهض للماسونية في أمريكا، مما ساعد على رواج الصحف المعادية للماسونية والتي سرعان ما اكتسبت زخماً جماهيرياً كبيراً، ما جعل الحزب في عام 1831 يرشح وليام ويرت لمنصب الرئيس والذي أعلن برنامجاً حزبياً يقوم على نظرية المؤامرة ويدين الماسونية ويسعى لكشف سريتها وتجفيف منابعها.
تُعرَّف نظرية المؤامرة على أنها محاولة لفهم الأحداث الكبرى خاصة الغامضة، وأن هناك مجموعة نافذة من الأشخاص الذين يتحكمون في المشهد العالمي من وراء الكواليس.
ورغم أنه دائماً ما يتسنى لأحد دحض هذه المزاعم أو إثباتها، إلا أنه من حين لآخر تطفو على السطح معلوماتٍ حول مجتمعاتٍ سرية يلفّها الغموض، ولديها صلاتٌ- أو تحيزات- بشخصياتٍ نافذة كان آخرها جماعة "كو كلوكس كلان" أحد أكبر مناصري الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي أطلق عليها بايدن "الإرهاب المحلي" حيث أعلن الحرب عليه.
للقراءة أكثر حول الماسونية، يمكنك الاطلاع على هذه المادة.
أوبوس داي.. مؤسسة دينية بمباركة البابا
برعاية بابا الفاتيكان وبشكلٍ علني عام 1928 في إسبانيا أسّس الكاهن خوسيماريا إسكريفا جماعة "أوبوس داي"، اعتقاداً منه أن الحياة اليومية يمكن أن تكون مقدسة.
سعى إسكريفا إلى تشجيع العلمانيين والكهنة الكاثوليك معاً لاتخاذ "طريقهم المقدَّس" من خلال المِهن التي يختارونها، وعلى هذا تمت الموافقة رسمياً على أوبوس داي من قبل الكرسي الرسولي في عام 1950 باعتبارها مؤسسة "علمانية"، وهو شكلٌ جديد من الجمعيات الدينية التي يعترف أعضاؤها بالمشورات الإنجيلية في الحياة العلمانية (اليومية).
في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1982، وافق البابا يوحنا بولس الثاني على تأسيس منظَّمة أوبوس داي باعتبارها أول مؤسسة مستقلة في الكنيسة، مع سلطة الحكم على الناس والقضاء بينهم والتي تشمل جميع أعضائها ومريديها حول العالم بدلاً من النظام الجغرافي المُتَّبع من الكنيسة.
يرأس المنظمة منذ عام 1982 أسقف منتخب من قبل أعضاء المنظمة، ويمكن للأسقف إنشاء المعاهد الدينية وترقية الطلاب في سلك الرهبنة.
تعني كلمة أوبوس داي باللاتينية "عمل الرب"، وهي منظمة دينية كاثوليكية يسعى أعضاؤها- وفق تعريفهم أنفسهم- إلى الكمال المسيحي، ويسعون جاهدين لتطبيق المثل والقيم المسيحية في وظائفهم وفي المجتمع. لكن اتُّهمت المنظمة بـ"السرية والممارسات الطائفية والمشبوهة والطموحات السياسية".
يتطلّب الانضمام إلى أوبوس داي التوقيع على تعاقد لتلقِّي التنشئة الروحية، والتي تشمل فصولاً أسبوعية وخلوة دينية سنوية ومجموعة من الأنشطة الأخرى.
وعادة ما يمارس الأعضاء ما يسمونه التضحية بالنفس، والتي يمكن أن تشمل الصيام والامتناع عن بعض الملذَّات، وإقامة طقوس "إهانة الذات" مثل ارتداء آلة من القرون الوسطى تأخذ شكل سلسلة مسننة يتم ارتداؤها حول الفخذ العلوي، وتستخدم لطقوس خاصة لتهذيب وتأديب النفس عند بعض الجماعات المسيحية.
يدخل الأعضاء الجدد فترة اختبارٍ تدوم خمس سنوات على الأقل قبل قبولهم نهائياً أعضاءً في المنظمة، ويكرِّس بعض الأعضاء الكثير من وقتهم للمنظمة مثل الكهنة. ويطلب من هؤلاء المتفرغين أن يظلوا غير متزوِّجين، لكنهم يمارسون بقية حياتهم بطبيعتها، ومن خلال مهنٍ يمارسونها والتي يُعتقد أنها تُختار لخدمة أهداف المنظمة.
مع ذلك فإن غالبية الأعضاء هم من الزائرين غير المكرّسين لخدمة المنظمة طوال الوقت والذين يتمتعون بحرية الزواج، ويتوجَّب على الأعضاء إظهار "الفضيلة المسيحية" في أنشطتهم اليومية.
تتلقى أوبوس داي مساعدةً مالية من قبل العديد من المتعاونين بمن فيهم غير الأعضاء، فبإذن من الكرسي الرسولي، يستطيع الأشخاص تمويل المنظمة حتى لو لم يكونوا مسيحيين. ومن الجدير بالذكر أن الكهنة يشكلون نسبة ضئيلة من المنظمة؛ فوفقاً لموسوعة بريتانيكا بلغ عدد الكهنة في أوبوس داي حوالي 2100 من حوالي 95 ألف عضو في جميع أنحاء العالم في عام 2016.
وأنشأت المنظمة مراكز مهنية وتجارية وفنوناً منزلية وزراعية في مناطق مختلفة من العالم، كما أنشأت العديد من المدارس الثانوية ومدارس إدارة الأعمال والأنشطة الخيرية. كما أسست أيضاً جامعة نافارا بمنحة ومساعدة حكومية- التي يعتبرها الكثيرون أرقى جامعة في إسبانيا- وتدير المنظمة الجامعة البابوية للصليب المقدس في روما وجامعة بيورا في بيرو.
وفي عهد الديكتاتور الإسباني فرانكو؛ أشرك العديد من أعضاء المنظمة في إجراء إصلاح اقتصادي في البلاد، وكان من بين وزرائه أعضاء في أوبوس داي، ما دفع الكثيرين للتكهُّن بأن المجموعة لديها طموحات سياسية واقتصادية.
ومن بين التُّهم التي غالباً ما توجّه للمنظّمة: ممارسات التجنيد القسرية، وغسل أدمغة الأعضاء الجدد وعزلهم عن عائلاتهم؛ وعادة ما تظل العضوية في المنظمة سرية، وهو الأمر الذي أثار مزاعم بأن الجماعة تعمل باعتبارها طائفة أو منظمة سرية نخبوية، وأنها ذراعٌ سياسية للفاتيكان، خاصة مع نموها المستمر، إلا أن أوبوس داي تنفي هذه الاتهامات دوماً وتحظى بدعم الفاتيكان المُعلن والمستمر.
كو كلوكس كلان.. الأزمة أكبر من ترامب
لم يكُن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومواقفه وآراؤه وقراراته الشاذة والغريبة وحدها تمثِّل أزمة للولايات المتحدة، بل أيضاً ما كشفت عنه الانتخابات الأخيرة من تيارٍ يُقدَّر بالملايين من الموالين والمعتنقين للأفكار "الترامبية" والمدافعين عنها، وفي القلب منهم مجموعات اليمين المتطرف والتي أصبحت تهديداً لا يُستهان به بعد أحداث اقتحام الكابيتول.
وفق الإندبندنت، كرر ديفيد ديوك- أحد أكثر المتطرفين العنصريين شهرة في الولايات المتحدة- دعمه لحملة إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً مرةً أخرى. وفي إحدى التغريدات ترويجاً لحملة ترامب كتب أن "ترامب هو السبيل الوحيد لوقف البلاشفة الشيوعيين! هذا هو الطريق الوحيد للتغلب عليهم".
أسّس ديوك أحد فروع كو كلوكس كلان في أوائل السبعينات، ومنذ ذلك الحين ترشَّح عدة مرات لمنصب الرئاسة في أمريكا ولكن دون جدوى، كما أيَّد العديد من الشخصيات والقضايا المتطرفة. لكن بالعودة لمنظمة كو كلوكس كلان التي يُعد ديوك أحد أكبر زعمائها؛ فهي إحدى المنظمات المصنفة في الولايات المتحدة باستخدام الإرهاب لتحقيق أجندتها العنصرية لصالح البيض.
تأسست كو كلوكس كلان، الموسومة بالسرية والغموض، بعد الحرب الأهلية الأمريكية واستمرت حتى سبعينيات القرن التاسع عشر لتندثر وتختفي، ثم تعود عام 1915 في ظل أحداث الحرب العالمية الأولى وصعود الدعوات القومية والنازية في أوروبا، لكنها لم تختفِ هذه المرة وظلت حاضرة في المشهد السياسي الأمريكي وبشكل متزايد.
أُنشئت كو كلوكس كلان في الأصل كنادٍ اجتماعي من قبل قدامى المحاربين الكونفدراليين في ولاية تينيسي الأمريكية في عام 1866 وسرعان ما تحوَّلت لوسيلة لمقاومة حركات التحرر، إذ سعت المجموعة لاستعادة تفوُّق العنصر الأبيض من خلال الترهيب والعنف الذي مارسته ضد السود حديثي التحرر في ذلك الوقت.
بحلول عام 1870 اختفت الحركة، فقد كان هدفها الأصلي في ذلك الوقت استعادة سيادة البيض في جميع أنحاء الجنوب الأمريكي، وقد تحقق إلى حد كبير، وتلاشت الحاجة إلى منظمة سرية مناهضة للسود.
في حلتها الجديدة ظهرت كو كلوكس كلان من جديد على يد الكولونيل ويليام جيه، المتأثِّر بكتابات الروائي والمسرحي والمشرِّع الأمريكي توماس ديكسون الذي روج بقوة لأفكار "تفوُّق العرق الأبيض" والذي يُنسب إليه تقديم صورة متعاطفة مع كو كلوكس كلان.
لكن جاءت الموجة الثانية لكو كلوكس كلان مُحمَّلة بنكهةٍ وطنية تصطبغ بكرُه ومعاداة الثورة البلشفية في روسيا، ما استقطب 4 ملايين عضو على المستوى الوطني والذين أصبح الصليب المحروق رمزاً لهم، كما أصبح رداؤهم الأبيض المشهور بتغطية وجوههم زيهم المعروف.
تحيُّز كو كلوكس كلان واضح أيضاً ضد الكاثوليك، والذي يُعد جو بايدن الرئيس الثاني منهم بعد كيندي، وكذلك ضد اليهود والأجانب، ويقال إنّه نُفِّذت عدة تفجيرات وعمليات إطلاق نار وجلد لبعض الشخصيات سراً والتي يُعتقد أنهم منفذوها، وقال إنهم ضالعون بقتل نشطاء في الحقوق المدنية.
أما عن وضعهم الحالي فهم في تحالفات مع جماعات يمينية متطرفة وفر لها ترامب الغطاء والرعاية لتترعرع من جديد.
اجتماع بيلدربيرغ.. تجمع غامض للنخبة العالمية
تحت عنوان "بومبيو وكوشنر يتوجهان إلى اجتماع بيلدربيرغ، وهو تجمع غامض للنخبة العالمية" كتبت واشنطن بوست عن المزاعم التي تدور حول هذا الاجتماع الغامض والشهير في آنٍ واحد، والذي زعم المذيع الأمريكي أليكس جونز- الذي أجرى مقابلة مع ترامب عندما كان مرشحاً- أن جوجل خططت وأطلقت الربيع العربي في أحد اجتماعات بيلدربيرغ!
في حين يقول الأشخاص الذين يحضرون الاجتماع إن هناك القليل من هذه النظريات، وإنه مجرد منتدى للنقاش الصادق والمفتوح. ومع ذلك، وعلى حدّ وصف واشنطن بوست، فإن تاريخ بيلدربيرغ الطويل والمستويات غير العادية من السرية والضيوف أصحاب النفوذ الكبير تجعله بالتأكيد حدثاً غير عادي.
عُقد المؤتمر الأول- والذي أخذ اسم الفندق الذي أُقيم فيه- في أوستربيك بهولندا عام 1954 من قبل الأمير الهولندي بيرنارد، وتُعد اجتماعات بيلدربيرغ منتدى سنوياً يحضره من 120 إلى 150 من القادة السياسيين والمسؤولين الحكوميين والخبراء في الصناعة والتمويل والإعلام والأوساط الأكاديمية في أوروبا وأمريكا الشمالية.
توفر الاجتماعات، التي تُعقد في دول مختلفة كل عام، بيئة غير رسمية يستطيع فيها أولئك الذين يؤثرون على السياسات الوطنية والشؤون الدولية في الغرب التعرف على بعضهم البعض ومناقشة مشكلاتهم المشتركة.
ومن المثير للجدل لدى اصحاب نظرية المؤامرة أن هناك بعض الشخصيات التي تلقَّت دعوات لحضور الاجتماع وبعدها بفترة قصيرة أصبحوا قادة لبلادهم، مثلما حدث مع أنجيلا ميركل والتي حضرت الاجتماع في عام 2005 قبل أشهر فقط من أن تصبح المستشارة الألمانية، بينما حضر بيل كلينتون في عام 1991 عندما كان لا يزال حاكماً لولاية أركنساس!
أما عن كونه سرياً فيقول المنظمون إن الأمر لا يتعلق بالسرية بل يتعلّق بالخصوصية، إذ يُطلب من المشاركين التحدُّث بصراحة عن الأحداث، وعدم الالتزام بقيود مكاتبهم أو الخوف من احتلالهم عناوين الأخبار.
ورغم حضور العديد من الصحفيين كمشاركين في فعاليات الاجتماع، إلا أنه لا يُسمح للصحفيين بتقديم أي من التقارير عن الحدث، كما يُمنع المشاركون في اجتماع بيلدربيرغ من الكشف عما قيل أثناء المناقشات، ولا تصدر المجموعة أي ملاحظات أو ملخصات خاصة بالاجتماع، وهو ما يقوي فكرة النخبة التي تحكم العالم والتي تعتمد على نظرية المؤامرة.