أحدهم كان يحبس الفتيات العذراوات ويغذيهن على مياه المطر وأوراق التوت ويجمع دماء طمثهن ليصنع إكسيراً كان يعتقد أنه سيمنحه الخلود، والآخر كان يعتقد أنه مصنوع من الزجاج ويتخذ جميع الإجراءات الواقية كي "لا يتحطم".. حكام مجانين لم تعانِ عائلاتهم فقط من جنونهم ونزواتهم بل امتد ذلك ليؤثر على أمم بأكملها.. تعرفوا عليهم معنا:
حكام مجانين عانت بلادهم من نزواتهم
إيفان الرهيب، القرن السادس عشر، روسيا
استحق إيفان الرهيب أو إيفان المخيف لقبه عن جدارة، فإلى جانب أنه قتل أحد أبنائه بكلتا يديه، وضرب زوجته الحامل حتى أجهضت، عانت روسيا في عهده من ويلات الحروب والمجاعات والمذابح الجماعية، وشهد فقراء الإمبراطورية وأغنياؤها أصنافاً من القمع والتعذيب لم يسلم منها حتى أكثر المقربين إليه.
عندما توفي والده فاسيلي الثالث، كان إيفان الرابع يبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط، مع ذلك توج أميراً على موسكو في عام 1533، لتتولى والدته الوصاية عليه، إلا أنها ماتت وهو في الثامنة من عمره ويرجح العديد من المؤرخين أنه قد تم اغتيالها بالسم، تولى الوصاية بعدها مجموعة من النبلاء يسمون "المجلس المختار" لكن إيفان استلم الحكم بنفسه في الـ14 من عمره.
كان إيفان الرهيب أول من اتخذ لقب "قيصر" في تاريخ روسيا محولاً إياها إلى إمبراطورية مركزية السلطة، وقد قاد حروباً دموية توسعية استطاع خلالها احتلال بلاد المسلمين في قازان واستراخان، في حين أخفق في تحقيق أهدافه في حروب أخرى استنزفت موارد بلاده كحروبه ضد العثمانيين وحروبه ضد مملكة السويد وبولندا وليتوانيا.
وبعد أن تعرض القيصر للخيانة من قبل أحد النبلاء أصبح مسكوناً بالشك والارتياب، وبدأ حرباً مسعورة ضد جميع من يشك في ولائهم من النبلاء، حتى أولئك المقربين إليه، فارتكب العديد من المجازر بحق هؤلاء. وفقاً لما ورد في موقع Sky History.
وقد كانت الطريقة المفضلة له في التعذيب هي تهشيم الأرجل قبل أن يلقي بضحاياه في الثلج أو جعلهم يزحفون ويطلبون الرحمة.
كما تعرضت النساء الأرستقراطيات في عهده لعمليات اغتصاب وقتل جماعي، ولم يكن يتوانى عن إبادة مجتمعات بأسرها حين يساوره الشك في ولائهم.
وبالرغم من أن إيفان كان يخاف عاقبة المجازر التي ارتكبها، كما تذكر بعض المصادر التاريخية فإنه مات ميتة هادئة إثر جلطة دماغية بينما كان يلعب الشطرنج في في 28 مارس/آذار 1584.
نبوخذ نصر الثاني – القرن السابع قبل الميلاد، بابل
وفقاً لما ورد في سفر دانيال 4:25 (من الكتاب المُقدس)، فقد راود نبوخذ نصر حلماً غريباً مزعجاً وفسره مفسرو الأحلام آنذاك على الوجه الآتي: "يطردونك من بين الناس وتكون سكناك مع حيوانات البراري ويطعمونك العشب كالثيران ويبلّونك بندى السماء فتمضي عليك سبعة أزمنة حتى تعلم أن العليّ متسلط في مملكة الناس ويعطيها من يشاء".
وُلِد نبوخذ نصر الثاني عام 634 قبل الميلاد، فيما تُعرف الآن بالإمبراطورية البابلية الحديثة، وأصبح أحد أعظم الملوك البابليين.
في سعيه لجعل بابل أقوى دولة في الشرق، هاجم نبوخذ نصر وجيوشه المصريين والآشوريين، وهزموا كليهما. ونجح في السيطرة على جميع طرق التجارة في بلاد ما بين النهرين، من الخليج الفارسي إلى البحر الأبيض المتوسط.
ومع أن إنجازات نبوخذ نصر العسكرية والسياسية كانت عظيمة، إلا أنه عانى لمدةٍ من الجنون بسبب نبوءات أحلامه الغريبة وفقاً لموقع Ancient Origins الأيرلندي.
وقد تحققت هذه النبوءة بالفعل وفقاً للنص التوراتي الذي جاء فيه: "كل هذه الأمور حدثت للملك نبوخذ نصر. بعد اثني عشر شهراً من الحلم.. اضطر نبوخذ نصر إلى الابتعاد عن الناس. بدأ يأكل العشب مثل الثور. تبلل من الندى. كان شعره يطول مثل ريش نسر، وأظافره تطول مثل مخالب طائر".
وقيل إن جنون الملك البابلي استمر سبع سنوات.
العلم اليوم يستطيع تفسير حالة نبوخذ نصر ويستخدم مصطلح البانثروبيا لوصفها، والبانثروبيا هي اضطراب نفسي يعتقد فيه المصاب أنه بقرة أو ثور!
كاليغولا – القرن الأول الميلادي، روما
كان عهد كاليغولا من عامي 37 إلى 41 بعد الميلاد مليئاً بالقتل والفجور، إلى مستويات لم يتمكن حتى ابن أخيه سيئ السمعة نيرون من الوصول إليها.
في السنوات الأخيرة من حياته، بات سلوك كاليغولا غريباً ومتطرفاً لدرجة أن الكثيرين يعتقدون أنه كان يعاني من الجنون.
كان كاليغولا يبلغ من العمر 25 عاماً فقط عندما أصبح إمبراطور روما. في البداية، كان إمبراطوراً محبوباً ومُرحبّاً به. فقد منح مكافآت لأفراد الجيش، وألغى الضرائب غير العادلة، وأطلق سراح أولئك الذين سُجنوا ظلماً. واستضاف سباقات المركبات الفخمة وعروض المصارعة والمسرحيات لإسعاد المواطنين الرومان.
وبعد أشهر قليلة من صعود كاليغولا عرش الإمبراطور، أصيب بمرض خطير، ورُغم تعافيه من مرضه، فإن حالته العقلية بدأت بالانهيار.
من أكثر أفعال كاليغولا فظاعة إعلان نفسه إلهاً حياً، كما أنه أمر ببناء جسر بين قصره ومعبد جوبيتر حتى يتمكن من لقاء الإله.
وبدأ في الظهور بملابس عامة كما الآلهة وأنصاف الآلهة مثل هرقل وميركوري وفينوس وأبولو.
أزال كاليغولا رؤوس تماثيل الآلهة المختلفة واستبدلها برؤوسه في العديد من المعابد.
وعندما ضاق الناس ذرعاً من كاليغولا وجنونه، هاجمته مجموعة من الحراس وتعرض للطعن أكثر من 30 مرة وأُردي قتيلاً في 24 يناير عام 41 بعد الميلاد.
الملك شارل السادس – القرن الرابع عشر، فرنسا
كان تشارلز السادس ملك فرنسا لمدة 42 عاماً، من عام 1380 حتى وفاته عام 1422.
بدأ عهده بشكل جيد. بعد أن تولى السلطة في سن 21، تحسن الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد وأصبح محبوباً من قبل الناس، ولكن بحلول منتصف العشرينيات من عمره، بدأ تشارلز يعاني من نوبات ذهان.
إحدى أشهر نوباته حدثت في سن 32 عاماً، حيث أصابته الحمى وقتل أربعة من فرسانه في حالة جنون، قبل مهاجمة شقيقه لويس أورليانز. منذ ذلك الحين، عانى تشارلز من نوبات جنون متكررة ساءت بشكل تدريجي، حتى أصبح الملك يعرف باسم "تشارلز المجنون".
ادّعى أنه القدّيس جورج ولم يعد يتعرف على زوجته وأطفاله. وعُرِف بأنه كان يركض بعنف في ممرات القصر، وفي عام 1405، رفض الاستحمام أو تغيير ملابسه لمدة خمسة أشهر.
ومن بين أوهامه الأكثر غرابة أنه كان يعتقد أنه مصنوع من الزجاج ويقال إن قضباناً حديدية كانت مُخيّطة في ملابسه لتحول دون تحطمه. اليوم تعرف هذه الحالة باسم "وهم الزجاج".
ورُغم حالته العقلية الهشّة، استمر تشارلز السادس في حكم فرنسا حتى وفاته، ولكن ليس قبل أن يكون لحالته العقلية تأثير مدمر على مملكته، التي شُلّت بسبب الحرب الأهلية، والصراعات على السلطة، والصراعات التي لا تنتهي مع إنجلترا ضمن حرب المئة عام.
الملك هنري السادس – القرن الخامس عشر، إنجلترا
توّج هنري السادس، المولود عام 1421، ملكاً لإنجلترا قبل عيد ميلاده الأول وتولى العرش حتى عام 1461.
حكم خلال عهد مضطرب من حرب المئة عام، حيث اعترض عمه تشارلز السابع على صعوده عرش فرنسا. ولم يكن عهد هنري سهلاً أبداً، خاصة بالنسبة لشخص يوصف بأنه خجول وسلبي وكارِه للحرب والعنف.
بسماعه هزيمة إنجلترا خلال معركة في بوردو عام 1453، تاركة كاليه لتكون آخر أراضي إنجلترا المتبقية في فرنسا، عانى هنري السادس من انهيار عقلي كامل، ما أدخله في حالة شلل تقريباً لأكثر من عام. فجلس في غرفته، راقداً مثل دمية من القماش في كرسيه.
في سيرته الذاتية غير المنشورة للملك، يكتب كيه. آر. جيه تاترسال:
"دخل الملك في حالة من الجمود: سُبات عميق. في البداية، حاولت أسرته إبقاء الأمر في طيِّ الكتمان قدر الإمكان أملاً في زوال تلك الحالة قريباً- أياً ما كانت- وعودة هنري إلى طبيعته. ولكن سرعان ما أصبح واضحاً أنه لن يتجاوز الأمر بهذه السهولة، وبالتالي لا يمكن أن يظل سراً لفترة طويلة. في الوقت الحالي، مكث في نُزل الصيد في كلارندون، حيث من الواضح أنه لم يكن في وضع يسمح له بالسفر. في وستمنستر، واصل المجلس الحكومة باسم الملك وكأن شيئاً لم يحدث، لكنهم لن يكونوا قادرين على الاستمرار إذا لم تتحسن حالة الملك قريباً".
لقد تعافى هنري بالفعل، وإن كان ذلك مؤقتاً، وورد أنه اندهش لسماع أن زوجته الحامل قد أنجبت ابناً. ساءت حالته مرة أخرى في عام 1456، ودخل في حالة من الخمول.
أُطيح في نهاية المطاف بالملك هنري السادس من قبل قوات أسرة يورك في عام 1461 وتم نفيه. سُجن في برج لندن عام 1471. وفي اليوم الذي عاد فيه إدوارد الرابع ملك يورك إلى لندن منتصراً، عُثر على هنري السادس مقتولاً.
خوانا الأولى ملكة قشتالة – القرن الخامس عشر، إسبانيا
أما حكاية خوانا الأولى ملكة قشتالة فهي مأساوية تتخللها فترات من الجنون، إضافة إلى أعوام عِدة من السجن.
تزوجت جوانا ابنة الملكة إيزابيلا الأولى ملكة قشتالة والملك فرديناند الثاني ملك أراغون، وهي في السادسة عشرة من عمرها من فيليب الوسيم، أرشيدوق آل هابسبورغ.
وبالرغم من أن خوانا بالمرتبة الرابعة في ترتيب العرش، فإن سلسلة من الوفيات في عائلتها جعلتها وريثة مُفترضة لتاج قشتالة وأراغون، وعندما توفيت والدتها الملكة إيزابيلا في عام 1504، أصبحت خوانا ملكة قشتالة. ومع ذلك، كان لها تأثير ضئيل على السياسة الوطنية خلال حكمها حيث أُعلِن أنها مجنونة وسُجنت بأمر من والدها، الذي حكم بوصفه وصياً حتى وفاته في عام 1516.
ويُقال إن الاضطراب العقلي لخوانا بدأ بعد وفاة زوجها الحبيب المُفاجئ في عام 1506. تشير السجلات التاريخية إلى أن "خوانا لا لوكا" (تعني بالإسبانية "خوانا المجنونة") سافرت عبر غرناطة لمدة ثمانية أشهر مع نعش زوجها وانتشرت شائعات حول تقبيلها ومُداعبتها الجثة.
يقترح بعض المؤرخين أنها ربما تكون عانت من الكآبة أو الذّهان أو الفصام.
ومع ذلك، فإن الادعاءات المتعلقة بمرض خوانا العقلي كما أُشيعت خلال حياتها لا تزال مثيرة للجدل. وسواء كانت مجنونة حقًا أو مجرد ضحية لصراعات على السلطة ناجمة عن رغبة والدها في الحفاظ على سيطرته على المملكة، فقد لا تُعرف الحقيقة أبداً.
المؤسف بالنسبة لخوانا أن عذابها لم ينتهِ بوفاة والدها في عام 1516. بعد وفاته، تشاركت خوانا وابنها المراهق تشارلز مُلك أراغون. ومع ذلك، وفي إطار هيمنة تشارلز على العرش، حبس والدته لبقية حياتها في القصر الملكي المُدمّر الآن في تورديسيلاس، بقشتالة.
كتب تشارلز إلى القائمين على رعايتها: "يبدو لي أن أفضل وأنسب شيء تفعله هو التأكد من عدم التحدث مع جلالة الملكة، لأن ذلك قد لا يُحمد عقباه".
وتوفيت خوانا عام 1555، عن عمر يناهز 75 عاماً، في مكان احتجازها.
الإمبراطور جياجينغ – القرن السادس عشر، الصين
في عام 1521 بعد الميلاد، خلّف تشو هوكونغ، ابن عمه، تشنغده الإمبراطور، ليكون الإمبراطور الثاني عشر لأسرة مينغ، واعتمد الاسم الملكي جياجينغ، ومعناه "الهدوء الرائع"، لكنه كان أبعد ما يكون عن الهدوء.
فما لبث جياجينغ أن أصبح مهووساً بالحصول على إكسير الخلود الأسطوري.
اعتقد الإمبراطور المجنون أن جمع دم الحيض من إناث العذارى واستخدامه لصنع مادة تسمى "الرصاص الأحمر"، من شأنه أن يمنحه قوى تمكنه من العيش إلى الأبد.
كان يتم الإبقاء على العديد من الفتيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 13 و14 عاماً لإنتاج هذا الخليط، وتمت تغذيتهن فقط بأوراق التوت ومياه الأمطار، حيث اعتقد الإمبراطور أن هذا سيُبقي خليطه نقياً. تعرضت الشابات للضرب والتجويع، وعندما كُن يمرضن كان يتم رميهن بعيداً. كما تعرّضت جارياته للضرب المُبرح بعنف لإجبارهن على الخضوع وتلبية كل نزواته الجنسية.
ومع ذلك، فإن 16 من جواريه اللائي تعرضن لسوء المعاملة اتحدن معاً في عام 1542 وخططن لقتل هذا الحاكم السادي.
في إحدى الأمسيات، تسللت الجواري إلى غرفة سريره وأمسكن بالإمبراطور بينما حاولت إحداهُن خنقه بشريط من شعرها. عندما فشل ذلك، ربطن حبلاً من الحرير حول عنقه، لكن للأسف كانت العُقدة من النوع الخطأ ولم يتمكنّ من تضييق الخناق على رقبته لإنهاء المهمة.
انتاب الذُعر إحدى المتآمرات وأبلغت الإمبراطورة بمحاولة الاغتيال. ونظراً لأن الإمبراطور كان فاقداً للوعي حتى ظهر اليوم التالي، تولت الإمبراطورة زمام الأمور، وأعدمت نساء القصر "بالتقطيع البطيء"، المعروف أيضاً باسم "الموت بألف جرح".
توفي الإمبراطور جياجينغ في عام 1567 عن عمر يناهز 59 عاماً. وتم التكهن على نطاق واسع بأنه توفي بسبب الزئبق السام الموجود في "إكسير الخلود" الذي كان يتناوله طوال حياته.