يوحي فصل الشتاء البارد، ذو الأيام القصيرة، بالحاجة الملحة والرغبة الجامحة في النوم الطويل، وبعض الحيوانات تدخل فعلاً فيما يُسمى السبات الشتوي. دراسة حديثة كشفت أن بعض البشر الأوائل نفذوا السبات الشتوي، ولكن على طريقتهم الخاصة، فهل نجح سباتهم في تخطي ظروف الشتاء القارسة والقاهرة؟
بدايةً، فإن السبات الشتوي هو حالة من الحد الأدنى من النشاط و"الاكتئاب الأيضي" في امتصاص الحرارة، إذ تنخفض درجة حرارة الجسم ويصبح التنفس بطيئاً، ويقل معدل ضربات القلب إلى جانب انخفاض معدل الأيض.
بالتالي تلجأ بعض الحيوانات إلى النوم لعدة شهور للهرب من الظروف المناخية القاسية التي قد تودي بحياتهم، بسبب البرد القارس وعدم توافر الغذاء أو حتى الماء.
من الحيوانات التي تخلد للسبات الشتوي القوارض والدببة والسلاحف والأفاعي والوطاويط والقنافذ والضفادع، وحيوانات أخرى مثل الحلزون، وجرذ الأرضت سرعان ما تظهر في الربيع التالي لتتكاثر وتستكمل حياتها حيث توقفت.
السبات الشتوي للهروب من البرد
الدراسة التي نُشرت في عدد ديسمبر/ كانون الأول 2020 من مجلة L'Anthropologie ، أشارت إلى أن نوعاً بشرياً منقرضاً في إسبانيا كان لديه على ما يبدو القدرة على السبات الشتوي.
ودقّق مؤلفو الدراسة أنطونيس بارتسيوكاس وخوان لويس أرسواغا بقايا الهياكل العظمية لأشباه البشر باستخدام التصوير المجهري والمسح المقطعي.
وعثر الباحثون على البقايا البشرية في كهف Sima de los Huesos في موقع اليونسكو للتراث Atapuerca في إسبانيا، حيث تم العثور على حفريات عمرها مئات آلاف السنين.
ووجدوا أن هذه البقايا أظهرت علامات نقص فيتامين (د)، بالإضافة إلى طفرات النمو لدى المراهقين التي يبدو أنها مرتبطة بالفصول، وكلها علامات على أن هذا الجنس البشري دخل السبات في فترات مظلمة طويلة خلال الشتاء.
وكتب بارتسيوكاس وأرسواغا: "تتفق فرضية السبات مع الأدلة الجينية، وحقيقة أن أشباه البشر Sima de los Huesos عاشوا خلال فترة جليدية".
لكن مؤلفي الدراسة لاحظوا أن سبات هذا السلف البشري لم يكن بالضرورة ناجحاً أو صحياً، حيث من غير المرجح أن يتمكن أشباه البشر من تكوين احتياطيات الدهون الضرورية التي يمكن للأنواع الأخرى، مثل الدببة، أن تخزنها. هذه القيود الفسيولوجية يمكن أن تؤدي إلى أمراض العظام والكلى خلال السبات الشتوي الطويل.
وتبقى أسئلة غير مُجابة حول البقايا التي درسها الباحثون، على الرغم من أن بعض البقايا تم تحديدها بشكل إيجابي على أنها Homo heidelbergensis من العصر الجليدي الأوسط، وهو عمر جيولوجي يمتد ما بين 770 و126 ألف سنة مضت.
من الجدير بالذكر أن الإنسان العاقل (Homo sapiens) -والذي نُعد من سلالته- تطور قرابة حوالي 300 ألف عام، ولكن في هذا البحث درس علماء الأنثروبولوجيا أدلة أحفورية منذ حوالي 500 ألف عام، ما جعلها بقايا سلف شبيه بالإنسان انقرض كلياً.
هل يمكن أن يدخل الإنسان المعاصر في السبات الشتوي؟
هذا ما تحقق به البروفيسورة كيلي درو، وهي أستاذة في معهد بيولوجيا القطب الشمالي بجامعة ألاسكا.
تدرس درو السناجب الأرضية في القطب الشمالي، وهي مخلوقات صغيرة مكتنزة تختفي في الجحور لمدة 8 أشهر من السنة.
أوضحت درو لمجلة The Atlantic الأمريكية أن جوهر السبات هو تنظيم درجة حرارة الجسم.
يؤدي انخفاض درجة حرارة الجسم الأساسية أثناء السبات إلى انخفاض التمثيل الغذائي، حيث لا تتطلب الحيوانات أي طعام تقريباً.
تتجه معظم السعرات الحرارية التي نحرقها "نحن الحيوانات ذوات الدم الحار" إلى الحفاظ على درجات حرارة أجسامنا- معدل الأيض الأساسي لدينا. والسناجب التي تراقبها درو، على سبيل المثال، تتجعد إلى كرات صغيرة وتهبط حرارة جسمها من 37 درجة مئوية إلى درجتين تحت الصفر، ما يخفض معدل الأيض الأساسي بنحو 99%.
والسؤال، هل يستطيع الإنسان أن يطبق نفس الطريقة؟
لكن البشر لديهم نقطة ثابتة: 37 مئوية، وبصرف النظر عن التقلبات اليومية الضئيلة مثل انخفاض الليل الذي يتزامن مع النوم، فإن درجات الحرارة لا تتغير إلا كمؤشر على الخطر- الحمى أو انخفاض درجة حرارة الجسم.
ويمكن أن تعني درجات قليلة فقط الفرق بين الصحة والموت الوشيك.
ولكن رغم أن البشر لا يدخلون عادة في سبات بإرادتهم -وعادة ما تمنعه أجسادنا عن طريق الارتعاش- توضح درو أنه لا يوجد "جزيء سبات" واحد أو عضو يفتقر إليه البشر.
في الواقع، يمكن للأطباء استخدام السبات في الظروف القصوى.
يستخدم الجراحون، على سبيل المثال، انخفاض حرارة الجسم أثناء الإجراءات التي يجب فيها إيقاف القلب لفترة طويلة، ما يسمح للدماغ والأعضاء الأخرى بالحياة لمدة أطول رغم حرمانها من الوقود.
يستخدم التبريد أيضاً في حالات الطوارئ بعد السكتة القلبية، ويُعتقد أن تغطية المرضى المخدرين بالبطانيات التي توزع الماء البارد لها تأثير مماثل لوضع كيس ثلج على الكاحل الملتوي، ما يقلل من عملية الالتهاب لتقليل الضرر الدائم للقلب والجهاز العصبي المركزي.
يثير هذا السؤال ما إذا كانت هناك طرق أخرى يمكن بها تغيير عمل وظائف الأعضاء، علاجياً أو غير ذلك.
إذا أمكن إبقاء الشخص المصاب بجروح قاتلة على قيد الحياة، فهل يمكن استخدام درجة الحرارة لإبطاء عمليات التمثيل الغذائي؟ ما المدة التي يمكن أن يبقى فيها الشخص "في حالة سبات" بصحة جيدة؟
تعالج وكالة ناسا هذا السؤال بجدية.
ومنذ عام 2014، تمول الوكالة بحثاً عن السبات طويل الأمد كوسيلة لتسهيل السفر إلى الفضاء على المدى الطويل.
الذهاب إلى المريخ، على سبيل المثال، مقيد بالاحتياجات العنيدة لرواد الفضاء للقيام بأشياء مثل الأكل والتنقل. ولكن إذا كان من الممكن إبطاء عمليات التمثيل الغذائي الخاصة بهم إلى ما يقرب من الصفر، فيمكنهم نظرياً السفر لمسافات أطول.
يقول مهندس الطيران الذي عمل مع الوكالة لتطوير بروتوكول السبات البشري جون برادفورد: "الفائدة الواضحة هي الحاجة إلى كمية أقل من الطعام".
سيبقى أحد أفراد الطاقم واعياً بينما يبقى الآخرون في حالة سبات لمدة أسبوعين في حجرات صغيرة، ما يقلل من مقدار المساحة في السفينة التي تحتاج إلى تغليفها بدروع واقية من الإشعاع، وهي ثقيلة للغاية وغير فعالة في استهلاك الوقود.