يحتفل العالم في يوم 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة العربية وهو اليوم الذي يتزامن مع التاريخ الذي سبق للمجلس التنفيذي لليونسكو في دورته 190 التي انعقدت في مقر المنظمة بباريس، أن قرر فيه اعتماد يوم 18 ديسمبر من كل عام يوماً عالمياً لهذه اللغة.
وجاء في القرار الذي كان قد اقترحته كل من المملكتين المغربية والعربية السعودية، أن المجلس التنفيذي "يدرك ما للغة العربية من دور وإسهام في حفظ ونشر حضارة الإنسان وثقافته" وأن هذه اللغة "هي لغة اثنين وعشرين عضواً من الدول الأعضاء في اليونسكو وهي لغة رسمية في المنظمة ويتحدث بها ما يزيد على 422 مليون عربي، ويحتاج إلى استعمالها أكثر من مليار ونصف من المسلمين".
ومما يثير الانتباه في هذا القرار الأممي، أنه لا يخصص فقط يوماً عالمياً للغة العربية، ولكن يربط بين العربية كلغة وبين دورها وإسهامها في حفظ ونشر حضارة الإنسان وثقافته، وهو ربط يحمل أكثر من معنى ويطلق العديد من الإشارات الدالة والمعبرة.
ومن ذلك، إعادة الاعتبار لهذه اللغة التي استطاعت في فترة انطلاقها وتوهجها على مدى 14 قرناً، أن تمثل نموذج اللغة التي يحرِص الأدباء والعلماء على أن يتحلوا بمعرفتها، بل استعارت حروفها كثير من اللغات الأخرى لكي تكتب بها كلماتها، ومن بينها اللغة الفارسية، واللغة الأردية، ثم اللغة التركية قبل أن تتحول بعد سقوط الخلافة العثمانية إلى اعتماد الحروف اللاتينية، وتبعتها في ذلك اللغات المنتشرة في سهول آسيا في منطقة تركستان، كما حدث الشيء نفسه في اللغات الإفريقية التي كانت تكتب بالحروف العربية، وعلى رأسها اللغة السواحلية في شرق إفريقيا، والتي ظلت تكتب بحروف عربية حتى سنة 1964، حينما صدر قرار بإزالة الحروف العربية ووضع اللاتينية مكانها، وتكرر نفس الأمر في اللغات التي كانت منتشرة في غرب القارة الإفريقية.
ومن الإشارات كذلك أن هذه اللغة لغة حية ومتجددة وتمتلك كل مقومات الجمال والقابلية لاستيعاب كل المعارف والعلوم الإنسانية، والدليل على ذلك أنها تعرضت لشتى أنواع وأشكال الحروب، لكنها رغم ذلك قاومت وصمدت أمام القوى الاستعمارية التي اجتاحت النصف الجنوبي من الكرة الأرضية وعملت على إسقاط الكثير من اللغات، قدرتها منظمة اليونسكو بأكثر من 300 لغة، وقد كانت العربية من أكثر اللغات استهدافاً، لكنها لم تستطع النيل منها.
ومن الإشارات الدالة أيضاً، أن اللغة العربية تمتاز بوفرة مفرداتها، وكثرة ألفاظها ويؤكد ذلك المستشرق الألماني الشهير بروكلمان حيث يقول: "ومعجم العربية اللغوي لا يجاريه معجم في ثرائه، إنه نهر تقوم على إرفاده منابع اللهجات الخاصة، التي تنطق بها القبائل العربية (فقه اللغة السامية:31)، وقد لاحظ علماء اللغة منذ القدم أن من أبرز ميزات اللغة العربية مناسبة ألفاظها لمعانيها، فكل لفظ فيها قد تم وضعه بإزاء المعنى المنوط بالدلالة عليه في دقة تامة، وعناية فائقة.
فهذا جلال الدين السيوطي يقول: "وأما أهل اللغة العربية فقد كادوا يطبقون على ثبوت المناسبة بين الألفاظ ومعانيها"، المزهر 1/47.
لقد فاق سحر العربية وعلى مر التاريخ كل الآفاق، واستطاع هذا السحر أن يدفع ليس فقط أبناءها أو منظمة اليونسكو إلى الانبهار بها والاهتمام بها، ولكن أن يدفع حتى أبناء الحضارات الأخرى إلى إجادتها والإبداع والابتكار فيها، ووضع المؤلفات بها، وأصبحت أسماؤهم رموزاً بارِزة في بعض فروع المعرفة، مثل اسم سيبويه الذي برز في النحو، والجرجاني في البلاغة، والإمام البخاري في الحديث، والزمخشري في التفسير، وهكذا امتدت آفاق اللغة العربية وثقافتها واتسعت لتتجاوز الجنس العربي إلى ثقافة أجناس حضارات أخرى.
كل عام واللغة العربية فصيحة جميلة يتحدث بها أكثر من 422 مليون شخص حول العالم.. كل عام ولغة الضاد بخير.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.