شهدت ستينيات القرن الماضي دراسات عديدة عن الهوية واللغة، وهو ما يبلور الوعي الأممي التي شهده العالم في تلك المرحلة، وقد انفتحت العلوم الإنسانية ابتداءً من علم الإنسان وعلم الاجتماع وعلم النفس بدراسة مفهوم الهوية تحديداً، ويشهد عالمنا تحديات تواجه الهوية واللغة في ظل عولة عابرة للقارات توحد كل الهويات واللغات، وهو ما يستلزم الحديث عن مفهوم الهوية واللغة وتعدد تعريفاته.
يقول أمين معلوف عن كلمة الهوية "جميعنا نفتقد معرفة ما تعنيه هذه الكلمة ونستمر بالثقة بها حتى عندما تبدأ هي بقول العكس بمكر"، ويؤكد أندرسن ما ذهب إليه معلوف، حيث يوضح أنها عصية على التعريف والتحليل، كما أن الاهتمام الكبير بمفهوم الهوية أدى إلى تشكل مفاهيم عديدة مما نتج عنه أن الهوية غامضة وليس لها شكل محدد، ومما تقدم يتضح لنا أن مفهوم الهوية متغير وصعب الإمساك، ولذا نقدم مقاربة بتعريفه، فالهوية مشتقة من الضمير "هو" الذي يتحول إلى اسم بحيث يشير إلى الآخر وهو ما يقابله في اللاتينية ID والتي اشتق منها لفظ Identity. أما التعريف النظري للهوية فهي جملة علامات وخصائص من أجناس مختلفة تستقل بها الذات عن الآخر، وبغياب هذه العلامات تغيب الذات وتذوب في الآخر، ويعرفها الدكتور أشرف عبدالحي "مفاهيم وتصورات الأفراد والجماعات عن اللغة ووظائفها وهيكلها، في نظامٍ اجتماعي محدد بخلال السلوك والتفاعل"، بينما تعريفها في المعجم الوسيط هو "حقيقة الشيء أو الشخص التي تميزه عن غيره"، كما تعرف أيضاً بأنها "الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب(..)" وكذلك تعرف بأنها إدراك الفرد والجماعة لذاته/ ذاتها في حالة السبات والصراع وما بينهما من حالات اليقظة الهوياتية.
ونستنتج أن الهوية عبارة عن نسيج تكون من عدة خيوط متراكمة وقد يكون كل خيط عبارة عن نسيج أيضاً وقد يكون كل خيط هوية منفردة وقد لا تكون، ويقول معلوف بهذا الشأن: "الهوية لا تتجزأ أبداً. ولا تتوزع أنصافاً أو أثلاثاً أو مناطق منفصلة، أنا لا أمتلك هويات عدة، بل هوية واحدة مكونة من كل العناصر التي شكلتها وفق معايرة خاصة تختلف تماماً بين رجل وآخر".
وارتبط مفهوم الهوية باللغة التي تعتبر أبرز معالم الهوية وتعتبر أهم العناصر المشكلة للهوية.
اشتق لفظ اللغة من فعل لغا ومنها اللغو كثرة الكلام، وأصبح سائداً بمعنى اللسان،، واللغة هي تواصل وتجسيد لثقافة مجموعة لسانية ولفكرها، وهي وعاء للفكر والعلم وأساس بنية المجتمع،يرى نعوم تشومسكي أن اللغة نسق رمزي للتواصل، فهي وسيلة اتصال وتعبير، كما أن اللغة مثل الهوية امتلكت العديد من التعريفات، ويعود ذلك لاقتران اللغة بعدة مجالات معرفية، وهو ما يجعلها مكوناً أساسياً في الهوية، وبالنسبة للغة العربية فإن المفكر القومي ساطع الحصري يرى أن اللغة العربية هي روح الأمة ومحور قوميتها وعمودها الفقري وإن تاريخ الأمة مرتبط بلغتها.
المراجع:
Abdelhay, ashraf, Sinfree Makoni, Cristine Severo. Language Planning and Policy: Ideologies, Ethnicities, and Semiotic Spaces of Power. (london: Cambridge Scholars Publishing,2020).
أندرسون، باندكيت. الجماعات المتخيلة. ترجمة ثائر ديب (بيروت، قدمس للنشر والتوزيع، ط1، 2009م).
أنيس، إبراهيم وآخرون، المعجم الوسيط (القاهرة: مجمع اللغة العربية ومكتبة الشروق الدولية، 2004).
تشومسكي، نعوم. اللغة ومشكلات المعرفة. ترجمة حمزة المزيني (الدار البيضاء: دار توبقال، 1990م).
الحصري، ساطع. أبحاث مختارة في القومية العربية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1985).
حنفي، حسن. الهوية والاغتراب في الوعي العربي، الهوية واللغة في الوطن العربي (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، 2014م).
حيرون، أمجد. انشقاق الهوية ولغة التعليم في المغرب الأقصى من منظور تاريخي، الهوية واللغة في الوطن العربي (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، 2014م).
سلميان، ياسر. اللغة والهوية والترميز المراوغ. مجلة الأبحاث. ع67. 2019.
عبدالعال، راوي وآخرون، الهوية كعامل متغير، قياس الهوية دليل للمتخصصين في العلوم الاجتماعية (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ط1، 2014م).
لبصير، نور الدين. تجاذبات اللغة والهوية بين الأصالة والاغتراب. مجلة جسور المعرفة،. ع4. 2015.
محمد، زغو. أثر العولمة على الهوية الثقافية للأفراد والشعوب. مجلة الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية. ع4. 2010.
معلوف، أمين. الهويات القاتلة. ترجمة نبيل محسن (دمشق: ورد للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1999م).
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.