خلال الحكم الاستعماري في إفريقيا، نُهبت آلاف القطع الأثرية، لكن الدول الإفريقية تريد استعادتها، وبالفعل وافقت بعض المتاحف الكبرى في جميع أنحاء أوروبا على إعارة بعض كنوز إفريقيا المنهوبة مثل بينين البرونزي الشهير إلى نيجيريا، فيما أطلقت فرنسا الآن دعوة إلى إعادة آلاف من قطع الفن الإفريقي إلى موطنها الأصلي.
لكن في خضم الأزمة الاقتصادية العالمية التي أثارها انتشار فيروس كورونا، الذي دمر الاقتصاد، ظهرت سوق جديدة للتحف والفنون الإفريقية.
وأعلنت دار كريستيز البريطانية للمزادات، عن مزاد بعنوان "فنون إفريقيا وأوقيانوسيا وأمريكا الشمالية" في باريس، والذي يتضمن الفن الإفريقي مثل رأس أكان الفخار المكتشف حديثاً (غانا)، وبينين البرونزي، وشخصية أورهوبو (نيجيريا).
تقدَّر قيمة القطع الأثرية من جميع أنحاء إفريقيا، وضمن ذلك نيجيريا وغانا والغابون وجمهورية الكونغو الديمقراطية، بما بين 30.000 و900.000 يورو، حسب ما نشرته شبكة BBC البريطانية.
كنوز إفريقيا المنهوبة
فما هي كنوز إفريقيا المنهوبة التي وتّرت العلاقات بين القارتين لعقود؟
منحوتات بينين
منحوتات بينين البرونزية، المصنوعة في الحقيقة من النحاس الأصفر، عبارة عن مجموعة من المنحوتات واللوحات المصنوعة بدقة لتزيين القصر الملكي للأوبا أوفونراموين نوجبيسي، في مملكة بنين، والتي دُمجت في نيجيريا الخاضعة للحكم البريطاني.
وقد نُحتت من العاج والنحاس والسيراميك والخشب، وشُكِّلت العديد من القطع لمذابح أسلاف الملوك والملكات الأمهات السابقات.
لكن في عام 1897، شنَّ البريطانيون حملة عقابية على بنين، رداً على هجوم على بعثة دبلوماسية بريطانية.
وبعيداً عن المنحوتات واللوحات البرونزية، أُخِذَ عددٌ لا يحصى من المقتنيات الملكية وانتشرت في جميع أنحاء العالم.
يقول المتحف البريطاني في لندن، إن العديد من القطع الموجودة بمجموعته من بنين سُلِّمت إليه في عام 1898، من قِبل وزارة الخارجية واللوردات المفوضين من الأدميرالية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، وافقت أشهر المتاحف بأوروبا على إعارة القطع الأثرية المهمة إلى نيجيريا من أجل المتحف الملكي الجديد، المُزمَع افتتاحه في عام 2021.
أسدا تسافو الآكلان للبشر
كان هذان أسدين سيئَي السمعة من منطقة تسافو في كينيا بشرق إفريقيا. وقد قتلا وأكلا عمال السكك الحديدية في كينيا-أوغندا البريطانية في نهاية القرن التاسع عشر. فقد كان العمَّال يمدون خط السكة الحديدية بين مومباسا وبحيرة فيكتوريا على مدى 9 أشهر في عام 1898.
في النهاية، قُتل الوحشان القاتلان برصاص المهندس البريطاني المقدم جون باترسون، المسؤول عن مشروع السكك الحديدية.
وفي عام 1925، اشترى متحف فيلد للتاريخ الطبيعي بمدينة شيكاغو الأمريكية الأسدين المحشوين من باترسون، وأُدرجا ضمن مجموعات المتحف الدائمة.
وأفاد باترسون بأن نهم الأسدين أودى بحياة 135 من عمال السكك الحديدية والأفارقة السود، لكن المتحف الميداني يقول إن الأبحاث التي أجراها علماؤه لاحقاً، خفضت هذا التقدير بشدة إلى 35 فقط.
ويريد متحف كينيا الوطني استعادة الأسدين.
حجر رشيد
يعود أصل حجر رشيد، الذي يبلغ ارتفاعه 1.12 متر (3 أقدام و6 بوصات) والموجود في المتحف البريطاني، إلى مصر. وهو عبارة عن لوحة مصنوعة من الجرانوديوريت، وهي صخرة خشنة التبلور.
وحجر رشيد جزء مكسور من لوح أكبر، وعليه نص محفور ساعد الباحثين على تعلم قراءة الهيروغليفية المصرية، وهو شكل من أشكال الكتابة التي تستخدم الصور كعلاماتٍ.
يحتوي على ثلاثة أعمدة من النقش نفسه بثلاث لغات: اليونانية، والهيروغليفية، والمصرية الديموطيقية، من نص مرسوم كتبه الكهنة عام 196 قبل الميلاد، في عهد الفرعون بطليموس الخامس.
من غير الواضح كيف اكتُشِفَ الحجر في يوليو/تموز 1799، ولكن ثمة اعتقاد عام بأن الجنود الذين كانوا يقاتلون مع القائد العسكري الفرنسي نابليون بونابرت عثروا عليه أثناء عملهم على بناء توسعة لحصن بالقرب من مدينة رشيد بدلتا النيل.
وعندما هُزم نابليون، استولى البريطانيون على الحجر بموجب شروط معاهدة الإسكندرية 1801.
ونُقل بعد ذلك إلى إنجلترا، ووصل إلى مدينة بورتسموث في فبراير/شباط 1802. ثم قدمه جورج الثالث إلى المتحف البريطاني بعد بضعة أشهر.
ملكة بانغوا
يُعَدُّ تمثال ملكة بانغوا، البالغ طوله 32 بوصة (81 سم)، منحوتةً خشبية من الكاميرون، ويمثِّل قوة وصحة شعب بانغوا.
وهو أحد أشهر القطع الفنية لكنوز إفريقيا المنهوبة في العالم، وله قدسية كبيرة بالنسبة للكاميرونيين.
وصُنعت المنحوتات لزوجات أو أميرات ملكيات، ويشار إليها باسم ملكات بانغوا في أرض بانغوا بمنطقة ليبيالم حالياً، الواقعة في جنوب غربي الكاميرون.
وقد قُدِّمت ملكة بانغوا إلى جوستاف كونراو، العميل الاستعماري الألماني، أو نهبها في عام 1899 تقريباً قبل استعمار الإقليم.
وانتهى بها المطاف في متحف الإثنولوجيا ببرلين، ثم اشتراها أحد هواة جمع الأعمال الفنية في عام 1926.
ووفقاً لصحيفة New York Times الأمريكية، اشترى جامع الأعمال الفنية الأمريكية هاري فرانكلين المنحوتة في عام 1966 مقابل 29 ألف دولار، وبعد وفاته بيعت في مزاد سوذبيز مقابل 3.4 مليون دولار.
كما ضمَّن مان راي، المصور السريالي، ملكة بانغوا في صورة لعارضة عارية عام 1937، فيما تقول صحيفة New York Times، إنها أصبحت إحدى أشهر صوره.
والآن، تمتلك مؤسسة Dapper Foundation في باريس تمثال ملكة بانغوا، وكان معروضاً في متحف Dapper حتى عام 2017، عندما أُغلق المتحف الذي ركز على الفن الإفريقي، بسبب قلة الحضور وتكاليف الصيانة المرتفعة.
وظل القادة التقليديون في بانغوا يتواصلون مع المؤسسة، مطالبين بإعادتها إلى الكاميرون.
وقد أوصى الكاتب والاقتصادي السنغالي فلوين سار والمؤرخ الفرنسي بينيديكت سافوي، مؤلفا التقرير الذي أُعد بتكليفٍ من الرئيس ماكرون، بتغيير القانون الفرنسي؛ للسماح بعودة الفنون الإفريقية.
كنوز مقدالة
تضم كنوز مقدالة تاجاً ذهبياً من القرن الثامن عشر وفستان زفاف ملكياً، غنمه الجيش البريطاني عام 1868م من إثيوبيا (الحبشة سابقاً).
يقول المؤرخون إنه لِنقل الغنائم من مقدالة، عاصمة القلعة الشمالية للإمبراطور تيودوروس الثاني، لزم 15 فيلاً و200 بغل.
وكان البريطانيون قد داهموا مقدالة؛ احتجاجاً على اعتقال قنصلهم عندما تدهورت العلاقات بين القوتين.
ويعد التاج، الذي حاز الإعجاب بسبب زركشاته الفضية والنحاسية والصور الدينية المنقوشة عليه، وفستان الزفاف الملكي رمزين مهمين للكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية.
ويعتقد العلماء أن الإمبراطورة مينتيواب وابنها الملك إياسو كلفا بصنع التاج في أربعينيات القرن الثامن عشر، وقُدِّم هدية إلى كنيسة في مدينة جوندار، إلى جانب كأسٍ من الذهب الخالص.
وكان الفستان والمجوهرات مملوكَين للملكة وويزارو تيرونيش، أرملة الإمبراطور تيودوروس الثاني.
وفي عام 2007، قدمت إثيوبيا دعوى لاستعادة هذه التحف كجزء من كنوز إفريقيا المنهوبة. وفي أبريل/نيسان من العام 2018، عرض متحف فيكتوريا وألبرت إعادة الكنوز إلى إثيوبيا على سبيل الإعارة.
طائر زيمبابوي
منحوتة نسر السمك من الحجر الأملس هي الشعار الوطني الرئيسي لزيمبابوي. وقد نُهبت ثمانية من طيور زيمبابوي من أنقاض مدينة عتيقة.
لكن استُعيدت ثمانية فقط من هذه الطيور، التي كانت تقف على أسوار المدينة القديمة التي بناها أسلاف شعب الشونا بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر.
وتوجد سبعة من المنحوتات في زيمبابوي منذ عام 2003، عندما أعادت ألمانيا الجزء السفلي من إحداها.
وكانت قد وقعت في يد مبشر ألماني باعها للمتحف الإثنولوجي في برلين عام 1907.
ثم بعد غزو القوات السوفييتية لألمانيا في نهاية الحرب العالمية الثانية، نُقلت كنوز إفريقيا المنهوبة من برلين إلى لينينغراد وبقيت هناك حتى نهاية الحرب الباردة ثم أُعيدت إلى ألمانيا.
ويبقى النسر الثامن في غرفة النوم القديمة لسيسيل رودس، الإمبريالي البريطاني من القرن التاسع عشر، الذي أصبح الآن منزله في مدينة كيب تاون بجنوب إفريقيا متحفاً.
وكان قد أخذ عدداً من الطيور من زيمبابوي العظمى إلى جنوب إفريقيا في عام 1906، أعادت جنوب إفريقيا أربعة منها في عام 1981، بعد عام من حصول زيمبابوي على استقلالها.