بينما يحييه الأمريكيون بأكل الديك الرومي، يعتبره آخرون يوم حداد.. الجانب المظلم لـ “عيد الشكر”

قد يتمحور عيد الشكر حول فكرة التجمع والوجود، لكن الجانب الآخر من القصة الحقيقية مؤسف بكل المعايير

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/26 الساعة 18:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/26 الساعة 21:15 بتوقيت غرينتش
لوحة فنية لما تصوره الأمريكيون عما تبادله المستعمرون مع السكان الأصليين في بداية الأمر/ shutterstock

في رابع خميس بشهر نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، يحتفل الأمريكيون بعيد الشكر في إجازة تستمر 4 أيام، تجتمع فيها العائلات والأصدقاء حول مائدة، عمادها الديك الرومي المشوي، الذي يتم توزيعه مجاناً على العائلات ذات الدخل المحدود. 

تتضمن الوليمة ديكاً أو حتى ديكين، حسب عدد المعازيم، يتم حشوه وشويه بالفرن لمدة ساعات، كما يتم تقديم الذرة والبطاطس المهروسة التي هي من الخضراوات التي كان يزرعها الأمريكيون الأصليون إلى جانب صلصة التوت البري الحلوة وغيرها من خيرات ما كان يُعرف بـ"الأرض الجديدة".

كما تلقن المدارس الطلاب في المرحلة الابتدائية أن هذا التقليد يعود إلى هجرة الحجاج أو المهاجرين الأوائل، وهم المعارضون الدينيون الإنجليز الذين ساعدوا في إنشاء مستعمرة بليموث في ماساتشوستس الحالية عام 1621. (يمكن الاطلاع على تاريخهم عبر هذا التقرير من عربي بوست)

يعود الاحتفال الرسمي بعيد الشكر إلى عام 1863، عندما حدد الرئيس إبراهام لينكولن يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني موعداً للمناسبة القومية، وكان تحديد موعده يتم بقرار رئاسي كل عام إلى أن تم تثبيته كعيد قومي في عهد الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1942 في الخميس الرابع من كل شهر نوفمبر/تشرين الثاني.

مع مرور القرون واختلاف شكل العادات، تحول عيد الشكر إلى مناسبة تجارية أكثر منها دينية أو تاريخية بأن أضيف إلى يوم "الخميس الأحمر" و"الجمعة السوداء"، ولاحقاً "الإثنين السيبيري"، حين تُقدم المتاجر عروضات وتخفيضات كبيرة جداً على شتى أنواع المنتجات.

ولكن بعيداً عن التطور التجاري للإجازة السنوية التي ينتظرها الأمريكيون بفارغ الصبر، فإن التاريخ الذي أدى إلى الاحتفال بهذا اليوم كعيد قومي أمريكي حافل بالصراعات أكثر من الشكر والتقدير، بعدما راح ضحية "الأرض الجديدة" آلاف مؤلَّفة من السكان الأصليين والمستعمرين الجدد في القرن السابع عشر.

ما هو تاريخ عيد الشكر؟

وفق الرواية التاريخية، انطلق الأمريكيون الأصليون الودودون لتعليم المستعمرين القادمين جديداً كيفية البقاء على قيد الحياة في العالم الجديد بشتائه القارس وظروف حياته المختلفة عما اعتادوه في أوروبا، ثم اجتمع الطرفان للاحتفال بوليمة كبيرة في عام 1621 شهدت خيرات ومنتجات الأرض الجديدة.

كان من بين الحضور 90 رجلاً على الأقل من قبيلة وامبانواغ و50 أو نحو ذلك من ركاب سفينة ماي فلاور التي أقلَّت الحجاج أو المهاجرين الأوائل، وفقاً لمجلة Time.

استمرت الوليمة 3 أيام، وتضمنت قائمة الطعام لحم الغزال والطيور بأشكالها والذرة والبطاطس الحلوة وغيرها من المنتجات الموسمية. 

لكن السلام الذي تلا الوليمة في مستعمرة بليموث لم يدم طويلاً، بل إن القصة الحقيقية وراء هذه العطلة السنوية قاتمة للغاية، حتى إن بعض الأمريكيين يطالبون بإعادة التفكير في كيفية الاحتفال بالعطلة، أو ما إذا كان ينبغي لهم الاحتفال أصلاً!

عيد الشكر
انطلق الأمريكيون الأصليون الودودون لتعليم المستعمرين القادمين جديداً كيفية البقاء على قيد الحياة في العالم الجديد/shutterstock

اختلاف على أول احتفال بعيد الشكر

يختلف المؤرخون الأمريكيون حول تاريخ أول احتفال بعيد الشكر، إذ ذكرت مجلة National Geographic أن المستوطنين أو المستعمرين بمستعمرة Berkeley Hundred في فيرجينيا قرروا الاحتفال بوصولهم بعيد الشكر سنوياً في عام 1619. 

كما ذكرت صحيفة The Washingtonian، أن الوجبة تمحورت حول بعض المحار ولحم الخنزير.

وفقاً لخدمة الحدائق الوطنية، كان الطرفان احتفلا معاً قبل ذلك بعقود، إذ كان المستوطنون الإسبان وأفراد قبيلة سيلوي يتشاركون الخبز ولحم الخنزير المملَّح وحبوب الحمص، بل أقاموا قداساً عام 1565 في فلوريدا.

لذا فإن تاريخ أول عيد شكر أمر مختلف عليه، وإن كان رواية احتفال الحجاج في مستعمر بلايموث هي الأكثر شيوعاً.

وبينما ينحصر عيد الشكر حالياً بتجمُّع العائلات حول مائدة يتوسطها ديك رومي شهي ليمضوا معاً عطلة نهاية أسبوع طويلة، كان هذا العيد في القرون الماضية مناسبة للاحتفال الديني أكثر من كونه وليمة.

ويحدد آخرون أن عام 1637 هو الأصل الحقيقي لعيد الشكر؛ نظراً إلى حقيقة أن حاكم مستعمرة ماساتشوستس، جون وينثروب، أعلن يوماً للاحتفال بالجنود الاستعماريين الذين ذبحوا مئات من رجال ونساء وأطفال قبيلة بيكوت فيما يُعرف الآن بمدينة صوفي بولاية كونيتيكت!

السلام بين مستعمرة بليموث والسكان الأصليين ينتهي دموياً

أثبت ماساويت ساشيم، أو الزعيم الأعلى من قبيلة وامبانواغ، أنه كان حليفاً حاسماً للمستوطنين الإنجليز في السنوات التي تلت إنشاء بليموث. 

إذ أقام اتفاقية تجارية حصرية مع الوافدين الجدد وتحالف معهم ضد الفرنسيين والقبائل المحلية الأخرى.

لكن هذا التحالف سرعان ما بدأ ينهار.

تدفق الآلاف من المستعمرين الإنجليز على المنطقة طوال القرن السابع عشر، وفقاً لكتاب Historic Contact.

وبعدها، بدأت السلطات في بليموث تعزز سيطرتها على معظم جوانب حياة قبيلة وامبانواغ الحليفة، وشرعوا في اقتطاع مزيد من الأراضي.

قدّر معهد جيلدر ليرمان للتاريخ الأمريكي، أن المرض الذي حضر مع المستعمرين أدى بالفعل إلى خفض عدد السكان الأمريكيين الأصليين في نيو إنغلاند بنسبة تصل إلى 90% من عام 1616 إلى عام 1619 فيما عرف آنذاك بـ"الحمى الهندية".

ومع حلول الوقت الذي ورث فيه ميتاكوميت ابن ماساويت- المعروف بالإنجليزية باسم "الملك فيليب"- القيادة، كانت العلاقات قد توترت وخلت مرحلة اللاعودة. 

بعدها، اندلعت الحرب بقيادة ميتكوميت عندما أُعدم العديد من رجال قبيلته بتهمة قتل مترجم وشخص تحول للمسيحية.

رد محاربو وامبانواغ بسلسلة من الغارات، وأعلن اتحاد مستعمرات نيو إنغلاند الحرب، ثم اتسعت رقعة الحرب لتشمل المستعمرات المجاورة والقبائل التي هبت للنجدة.

نهاية مريرة

تطورت الاشتباكات واتسعت رقعتها إلى أن شهدت تهجير القبائل من قراها وتدمير مؤنها الشتوية.

بعد ذلك قطع المستعمرون الإنجليز رأس ابن الرجل الذي أقام واحتفل مع مستعمرة بليموث بعيد الشكر، حسب ما نشره موقع It Happened in Rhode Island.

ثم قُتل من تبقى من حلفائه أو بيعوا كعبيد، وعلقوا رأس "الملك فيليب" على شوكة وعرضوها في بليموث لمدة 25 عاماً.

وفي مقال نُشر في The Historical Journal of Massachusetts، قال الأستاذ بجامعة ولاية مونتكلير روبرت إي كراي جونيور، إن عدد القتلى في الحرب وصل إلى نحو 30% من السكان الإنجليز ونصف الأمريكيين الأصليين في نيو إنغلاند.

وكانت هذه الحرب إحدى الفصول الدامية التي سيخوضها المستعمرون ضد السكان الأصليين، والتي غالباً ما يتم التغاضي عن ذكرها في مستعمرات نيو إنغلاند ونيويورك وفيرجينيا الساحلية، بينما يتم التركيز على تعزيز صورة الحصاد المشترك لخيرات الأرض الجديدة والاحتفال معاً على مائدة.

عيد الاستيلاء لا الشكر

وحالياً، يطالب أساتذة ودكاترة ومؤرخون السكان الأصليين بإعادة التفكير في طريقة الاحتفال بعيد الشكر، مقترحين أن يسمى "عيد الاستيلاء" أو "ذكرى مجزرة ماساتشوستس".

بل إن جمعية "الهنود الأمريكيون المتحدون في نيو إنغلاند" تعتبر هذا اليوم حداداً منذ عام 1970، حسب صحيفة New York Post.

وفي يوم الحداد، يجتمع الأمريكيون الأصليون في بليموث، ماساتشوستس، حيث تقام الصلوات والخطب مصحوبة بقرع الطبول قبل أن يسير المشاركون عبر منطقة بليموث التاريخية.

قد يتمحور عيد الشكر حول فكرة التجمع والوجود، لكن الجانب الآخر من القصة الحقيقية مؤسف بكل المعايير.

سر الديك الرومي

في حين أن الديك الرومي هو يوم الطائر المفضل لعشاء عيد الشكر بجميع أنحاء الولايات المتحدة، لم يكن هذا هو الحال دائماً؛ وفقاً لموقع History.com قتل الأمريكيون الأصليون 5 غزلان كهدية للمستعمرين في أول عيد شكر على الإطلاق في عام 1621، ما يعني أن لحم الغزال كان على الأرجح اللحم الأكثر شعبية.

لماذا يعفو الرئيس الأمريكي عن الديك سنوياً؟

بدأ هذا التقليد بعدما طلب ابن الرئيس أبراهام لينكولن (تاد) من أبيه أن يعفو عن الديك الرومي الذي تم إحضاره ليتم طهيه في عيد الميلاد.

استجاب لينكولن لرغبة ابنه، وتحولت من بعدها هذه العادة إلى تقليد رئاسي.

وبينما يعفو الرئيس الأمريكي عن ديك واحد، تشهد معظم المنازل الأمريكية موائد عشاء حول الديوك التي لم تكن محظوظة كديك البيت الأبيض!

تحميل المزيد