نزلوا إلى الشوارع ورقصوا حتى الموت.. ماذا تعرف عن الوباء الذي اجتاح ستراسبورغ وتسبب في وفاة كثير من سكانها

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/19 الساعة 10:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/14 الساعة 07:14 بتوقيت غرينتش
Pieter Bruegel/ Wikimedia Commons/ وباء الرقص حتى الموت في ستراسبورغ

غالباً ما تتسبب الكوارث الطبيعية أو الأمراض الخطيرة في موت الناس، ولكن أن يموتوا بسبب الرقص فهذه معلومة قد تبدو غريبة للبعض، وبالفعل هذا ما حصل في مدينة ستراسبورغ الفرنسية عندما أصيب الناس بمرض دفعهم إلى الرقص حتى الموت، واستمر مدة شهرين قبل أن ينتهي بشكل غامض كما بدأ.

وباء الرقص حتى الموت في ستراسبورغ

في يوليو/تموز 1518، أصيب سكان مدينة ستراسبورغ الفرنسية، التي كانت آنذاك جزءاً من الإمبراطورية الرومانية، برغبة مفاجئة في الرقص لا يمكن السيطرة عليها، وفقاً لما ذكره موقع History الأمريكي.

بدأت الهستيريا في المدينة عندما صعدت امرأة تُعرف باسم فراو تروفيا إلى الشارع، وبدأت في الالتفاف والدوران والاهتزاز بصمت.

iStock/ وباء الرقص من إحدى الكنائس في سويسرا
iStock/ وباء الرقص من إحدى الكنائس في سويسرا

بعض الناس قابلوا رقص المرأة بالضحك تارة والاستهزاء بها تارة أخرى، ولكن ما أثار رعب الناس بعدها هو أنها استمرت في الرقص مدة أسبوع كامل، كانت تنهار كل ليلة وحذاؤها مبلل بالدماء، ولكنها تستيقظ في صباح اليوم التالي لتواصل الرقص مرة أخرى.

بعد أسبوع تقريباً لم تعد تروفيا الوحيدة التي ترقص في الشارع، بل انضم إليها نحو 30 شخصاً آخرين وكأنهم منعزلون عن العالم بشكل تام.

ومع حلول أغسطس/آب، أصبحت أعداد الراقصين نحو 400 شخص توفوا جميعاً في نهاية المطاف بسبب النوبات القلبية والسكتات الدماغية والإرهاق.

تشخيص طبي خاطئ زاد من أعداد الموتى

مع استمرار الوباء في الانتشار بين الناس سعى نبلاء المدينة إلى الاستعانة بالأطباء المحليين لإيجاد حل لهذا المرض.

وتوصّل الأطباء إلى أنّ ما يحدث للناس ليس متعلقاً بالكواكب أو النجوم أو أي أشياء أخرى خارقة للطبيعة، وإنما هو حمى طبيعية أصابتهم بسبب زيادة حرارة الدم، ولهذا يقومون بالرقص بشكل دائم.

الغريب في الأمر أنّ دواء الأطباء لم يكن علاجاً مادياً، وإنما طلبوا من الحكومة أن تفتح ساحات مخصصة للرقص حتى يتخلص الناس من حرارة دمهم، وبالفعل لبّت الحكومة طلب الأطباء، وافتتحت مركزين جديدين للرقص بعد بناء منصات خشبية.

ليس ذلك وحسب، بل طلبت من موسيقيي المدينة العزف بشكل دائم للناس حتى لا يتوقف الرقص، لاعتقادها فعلاً بأن ذلك هو الحل، ولكن للأسف تسبب ذلك في موت أشخاص كثيرين جدد.

ما الذي كان يمكن أن يدفع الناس إلى الرقص حتى الموت؟ 

وفقاً للمؤرخ جون والر، فإن التفسير على الأرجح يتعلق بالقديس سانت فيتوس، وهو قديس كاثوليكي كان الأوروبيون يعتقدون خلال القرن الـ16 أن لديه مقدرة على لعن الناس وجعلهم يعانون من وباء الرقص.

وأضاف المؤرخ الأمريكي أنّ وباء الرقص هو شكل من أشكال الاضطراب النفسي الجماعي، كون ستراسبورغ في تلك الفترة كانت تعاني من فقر مدقع تسبب في سلسلة أمراض مثل الطاعون والجدري والزهري.

إضافة إلى ضغوطات الحياة والمجاعات التي مزقت حياة الناس بشكل كبير، وقد يكون لهذا سبب رئيسي في إصابة الناس بهستيريا ناتجة عن الإجهاد، جعلتهم يربطون فقرهم وعذابهم اليومي بخرافة القديس فيتوس ووباء الرقص.

في حين تحدثت نظرية أخرى أنّ الراقصين في المدينة كانوا ينتمون إلى طائفة دينية هرطقية، طلبت منهم الرقص حتى الموت، إذ قال بعض المتفرجين حينها إن الراقصين كانوا يصيحون بأسماء شياطين، وينفرون بشكل غريب من اللون الأحمر.

إذ قال عالم الاجتماع الأمريكي روبرت بارثولوميو إنّ هناك فئة من الناس في تلك الفترة الزمنية كانوا يؤمنون بأن الرقص يجذب الحظ الإلهي.

في حين رأت نظرية أخرى أنّ السبب هو تناول الناس الخبز المصنوع من دقيق الجاودار الملوث بمرض الشقران الفطري، المعروف بأعراضه المتضمنة التشنجات والهلوسة.

في حين تحدّث بعض الكُتاب المعاصرين لتلك الفترة والحاليين عن أنّ الأشخاص الذين كانوا يرقصون كانوا يقومون بذلك بشكل لا إرادي، إذ كانوا طوال الوقت يتلوون من الألم ويصرخون طالبين إنقاذهم.

Youtube/ وباء الرقص الذي اجتاح أوروبا
Youtube/ وباء الرقص الذي اجتاح أوروبا

ستراسبورغ ليست الأولى

قد يبدو طاعون الرقص في مدينة ستراسبورغ وكأنه أسطورة، لكنه موثق جيداً في السجلات التاريخية للقرن السادس عشر، كما أنها ليست الحادثة الوحيدة المعروفة من نوعها، فقد حدثت حالات مماثلة في أوقات لاحقة في كل من سويسرا وألمانيا وهولندا، لكنها لم تكن مميتة إلى الحد الذي وصلت إليه ستراسبورغ.

وتتحدث الروايات التي يتم تناقلها أنّ وباء الرقص اجتاح بلدة ماستريخت الهولندية، ودفع نحو 200 شخص إلى الرقص فوق نهر موسيل حتى انهار الجسر وأغرقهم جميعاً.

كما اجتاح أيضاً مدينة إرفورت الألمانية في العام ،1247 وتسبب في وفاة الكثيرين.

في حين يسرد العشرات من مؤلفي العصور الوسطى قصة وباء رقص اجتاح ألمانيا الغربية وشرقي فرنسا، بدءاً من العام 1374، وتسبب في رقص الناس لأيام وأسابيع وهم يصرخون من الرؤى الغريبة، ويناشدون الرهبان إنقاذ أرواحهم.

في حين تحكي إحدى الروايات -غير مؤكدة- أنه في عشية عيد الميلاد عام 1021 تجمع 18 شخصاً خارج كنيسة في بلدة Kölbigk الألمانية، وبدأوا في الرقص، الأمر الذي أزعج كاهن الكنيسة فطلب منهم التوقف لكنهم لم يصغوا إليه.

بل أخدوا بأيدي بعضهم وبدأوا يصفقون ويقفزون ويغنون، فغضب الكاهن وقام بشلّهم مدة عام كامل عقوبة لطيشهم، ويقال إنّ بعضهم لم يستعد حركة أطرافه حتى عيد الميلاد التالي، والبعض منهم دخل في نوم عميق لم يستيقظ منه أبداً.

علامات:
تحميل المزيد