بطل من الجزائر.. زيان عاشور القائد الذي قاتل الفرنسيين مع 35 مقاوماً فقط

استغلت فرنسا قتلها زيان عاشور لتستعرض جثته على أولاد القرى المجاورة؛ لتدمير معنوياتهم، خاصة في مسقط رأسه، وتغنَّت الصحافة الفرنسية بما اعتبرته انتصاراً ساحقاً. فما الذي أنجزه في حياته ليفعلوا كل هذا به؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/05 الساعة 20:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/06 الساعة 15:25 بتوقيت غرينتش
صورة لزيان أمام المقهى الذي كان يديره/ مؤسسة مصالي الحاج

في 7 نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1956، ودَّعت الجزائر المناضل زيان عاشور، قائد جيش التحرير الوطني في منطقة الصحراء، بعدما قُتل على يد الاستعمار الفرنسي بالقرب من جبل ثامر إثر معركة، لتنتهي بذلك قصة بطل وتبدأ ملحمة تحرير وطن.

من هو زيان عاشور؟ وكيف ساهمت بطولاته في تحرير وطنه الجزائر؟

بدايات زيان عاشور

في ولاية بسكرة، وتحديداً منطقة البيض، وُلد زيان عام 1919، حيث تلقى تعليمه وصولاً إلى المرحلة الثانوية، ليستكمل بعدها دراسة العلوم الشرعية.

ولكن في عام 1939، تم تجنيده عنوةً من قِبل الجيش الفرنسي وتخرج منه عام 1944.

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، انخرط في صفوف حزب الشعب، وكلف بأمور الدعاية والترويج والإعلان في منطقة أولاد جلال.

ومن أجل تأدية مهامه على أكمل وجه، فتح دكاناً ثم مقهى بأولاد جلال، وكان هذا المقهى مكان شبهة من قِبل الإدارة الفرنسية التي أغلقته عدة مرات.

اعتُقل زيان عاشور أول مرة عقب حوادث 8 مايو/أيار 1945 الأليمة، وأطلق سراحه إثر العفو العام في مارس/آذار 1946. ثم اعتُقل ثانية عام 1948؛ لمشاركته الفعلية في دعم حزب حركة الانتصار في الانتخابات، ثم أطلق سراحه بعد عدة شهور.

زيان عاشور
زيان عاشور

مناضل حتى في فرنسا

وبعدما حاول الحاكم العسكري إغراءه بمنصب ليقنعه بالتوقف عن العمل مع الحركة الوطنية، غادر زيان إلى فرنسا وتحديداً مدينة ليون، حيث واصل نشاطه النضالي بين أوساط المهاجرين.

في عام 1952، عاد زيان أدراجه، ومن جديد تعرَّض للاعتقال، بسبب نشاطاته السياسية التي لم يتوقف عنها قط.

في العام 1953، رُزق زيان بولد سمَّاه جمال عبدالناصر؛ تيمناً بنجاح الثورة المصرية عام 1952.

مجدداً اعتقلته السلطات الفرنسية عام 1954، وما إن خرج من السجن أي قبيل اندلاع الثورة، عيَّنه مصطفى بن بولعيد مسؤولاً على المنطقة الصحراوية، فشرع في تجنيد الشباب وتدريبهم وتنظيم اللجان الشعبية، وخلايا المسبلين في المدن والقرى استعداداً لاندلاع الثورة.

السجن يفتح الأبواب للمقاومة الصحراوية

ولكن في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1954، اعتقله الاستعمار الفرنسي مجدداً في سجن الكدية، حيث كان يوجد عدد من الكوادر الوطنية مثل مصطفى بن بولعيد، الذي ساعده على التخطيط لما بعد خروجه من المعتقل.

في عام 1955، ومباشرة بعد خروجه من السجن، اجتمع زيان بمناضلي الجبهة في بوسعادة، فيقرر انطلاق الثورة في الناحية، متخذاً جملة من القرارات، من أهمها :

1.  الإسراع بتكوين نواة جيش التحرير الوطني بالجهة اعتماداً على أبنائها.

2.  تجميع الأسلحة وإبقاؤها في يد مجاهدي الجهة، إلا ما زاد على الاحتياجات الضرورية.

 بلغ عدد المقاتلين تحت عهدته أكثر من ألف في معاقل الثورة بالجبال، وكان ينتقل من موقع لآخر لتدريب المقاتلين والمقاومين إلى أن تم تعيينه رسمياً قائداً عاماً لوحدات الجيش آنذاك.

أشهر المعارك

عُرف زيان بحكمته وحنكته التي مكَّنت من قيادة الثورة وإنجاح مسيرته، كما كان سياسياً محنكاً، ورجل دين، وله صداقات وتجربة في القيادة اكتسبها من نضاله وتجربته في الخدمة العسكرية وهجرته لفرنسا.

استطاع أن يوحد المقاومين وأن يقودهم للنجاح وأن يحل الخلافات الداخلية التي قد تنشأ بينهم، كما كان يؤكد في خطبه دائماً، أن الثورة ليست مرتبطة بالأحزاب، وأن "الجهاد مقدس للشعب الجزائري".

 قاد زيان عديداً من المعارك الفاصلة والحاسمة، منها:

·   معركة جبل مناعة سنة 1956.

·   معركة جبل قعيقع التي دامت يومين كاملين سنة 1956.

·   هجوم على مركز العدو بعين الريش في مايو/أيار 1956.

·   هجوم على مركز للعدو بعمورة في نفس الشهر والسنة.

ولكن، لم يطل نضال الشيخ زيان طويلاً، حيث كانت نهايته على يد الاحتلال الفرنسي، كما كان يتوقع على الأرجح.

عُرف سي زيان بانضباطه، وكان يتصل بقيادة الثورة أينما كانت، خاصة في الأوراس، فبعد أسابيع قليلة من صعوده الجبل أرسل دورية للاتصال بمصطفى بن بولعيد، وهذا ما يؤكده المقربون منه، ومنهم الطيب فرحات، الذي قال لمجلة "دراسات" الجزائرية: "حرص سي زيان على وضع عمله في الإطار النظامي الوطني، فلم تمر أسابيع حتى كانت دورية اتصال من عنده في طريقها نحو سي مصطفى بن بولعيد الذي يعرفه قبل الثورة شخصياً ونظامياً".

تشير هذه الشهادة إلى تفانيه لخيار المقاومة المسلحة، بعدما حامت حوله شبهات حول دعمه الحركة المصالية نسبةً إلى مصالي الحاج، الذي أسس عام 1954 حزب الحركة الوطنية الجزائرية الذي كان الحزب الوحيد الذي لم ينخرط في الثورة المسلحة وكان معارضاً لها.

وكادت هذه الشبهات والتهم تودي بحياته، بعدما صدر قرار بإعدامه، لكنه تمكن بحنكته السياسية من إثبات وفائه للثورة.

وفاته

في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1956، دارت معركة إثر اكتشاف القوات الفرنسية فرقة مقاتلين بوادي خلفون، وترجح مصادر وجود خيانة كشفت مكانهم.

اندلع اشتباك بين الطرفين وحاصرت قوات الاستعمار المكان واستقدمت قوات برية وجوية.

كان عدد المقاتلين لا يتعدى 35، ورغم ذلك قرروا القتال.

بعد ساعات من المقاومة، نفدت الذخيرة، فقُتل سي زيان مع 7 من رفاقه وتم أسر الباقين.

استغلت فرنسا قتلها زيان لتستعرض جثته على أولاد القرى المجاورة؛ لتدمير معنوياتهم، خاصة في مسقط رأسه، وتغنَّت الصحافة الفرنسية بما اعتبرته انتصاراً ساحقاً.

وبعدما مثّلت قوات الاستعمار الفرنسية بجثة زيان، تم دفنه سراً في مقبرة عمومية، لكن من دفنه أخبر الثوار بمكانه، بحسب ما نشرته صحيفة الحوار الجزائرية.

وبعدما نالت الجزائر استقلالها، تم نقل جثته إلى مقبرة الشهداء في منطقة الجلفة، حيث يرقد بطلاً من أبطال الثورة.

تحميل المزيد