الاسم: محمد العربي بن مهيدي، المهنة: مناضل وأسطورة الثورة الجزائرية، أما وفاته فكانت قتلاً بعد التعذيب على يد الفرنسيين، لكنها بالتأكيد لم تكن نهايته!
لم يكن اختيار مجموعة من الأردنيين استخدام اسم هذا المناضل الجزائري على دوّار باريس عبثاً أو مجرد تبديل أسماء ضمن حملة الرد على إساءة مجلة فرنسية للرسول محمد.
خلف هذا الاسم قصة رجل عاشق للفن والقراءة ولبلده الجزائر التي عانت ما عانته من الاستعمار الفرنسي، فمات شهيداً في سبيلها ولم ينبس تحت كل التعذيب بكلمة واحدة تضر برفاقه أو تهدد مستقبل الثورة التي لم تتوقف حتى انتزعت الجزائر استقلالها عام 1962.
من هو العربي بن مهيدي؟
وُلد العربي بن مهيدي في مدينة عين مليلة شرق الجزائر عام 1923.
كان عاشقاً للموسيقى- تحديداً الأندلسية- والتمثيل ومُحباً للأفلام الثورية والحربية؛ وهو الأمر الذي دفعه إلى انتقاء اسم الثائر المكسيكي زاباتا كلقب سري له قبل اندلاع الثورة؛ والذي كان العرب يتابعون أفلامه الحربية آنذاك.
مثّل بمسرحية "في سبيل التاج" التي ترجمها إلى اللغة العربية الأديب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي، واتخذت مسرحيته طابعاً جزائرياً يستهدف نشر الفكرة الوطنية وضرورة الجهاد ضد الاستعمار.
عشق أيضاً كرة القدم ولعب في ناديه المحلي، وكان أحد المدافعين الأساسيين في فريق الاتحاد الرياضي الإسلامي لبسكرة الذي أنشأته الحركة الوطنية.
لكن أحلام هذا الشاب كانت دائماً تنكسر عند قيود الاحتلال والاستعمار، وفي عام 1942 انضم إلى صفوف حزب الشعب، وزاد اهتمامه بالشؤون السياسية والوطنية.
مجازر 8 مايو/أيار المأساوية
مع نهاية الحرب العالمية الثانية في 8 مايو/أيار 1945، خرج العربي بن مهيدي مع أعضاء حزب الشعب في مظاهرات عارمة مطالِبة بالاستقلال، ليتم اعتقاله وإطلاق سراحه بعد 21 يوماً.
لكنه صُدم بالمجزرة التي ارتكبتها فرنسا في ذلك بحق الجزائريين حين قتلت بوحشيةٍ 45 ألف جزائري، فزاد حقد المهيدي على الاستعمار الفرنسي.
في هذه الأسابيع الثلاثة، تعرض مهيدي لتعذيب متواصل كان نقطةً فيصلية في حياته عززت من إرادته لمواصلة طريق الكفاح.
تقول شقيقته ظريفة بن مهيدي، في فيلم وثائقي لقناة الجزيرة، إن قوات الاستعمار اعتبرته محرك الشباب في بكسرة، فصنّفته "خطيراً جداً"، ووزعت صورته على المراكز الأمنية بذريعة أنه دائماً مسلح.
بعد ذلك انضم إلى صفوف المنظمة الخاصة ليصبح مسؤول الجناح العسكري بسطيف وفي الوقت نفسه نائباً لرئيس أركان التنظيم السري على مستوى الشرق الجزائري الذي كان يتولاه آنذاك محمد بوضياف.
كانت هذه المنظمة السرية تضم 4 شبكات، وكان مهيدي منسقاً للمنطقة الشرقية فيها، بحسب ما أفاد به وزير الداخلية السابق والمناضل دحو ولد قابلية.
وفي عام 1952، قررت قيادات حزب الشعب حل الجناح العسكري بعد تعرضهم لخيانة من قِبل أعضاء فيه، لينتقل مهيدي إلى محافظة وهران (غرب الجزائر) عام 1953.
شارك في تأسيس اللجنة الثورية للتوحيد والعمل في عام 1954، والتي تكونت من مصطفى بن بولعيد، وديدوش مراد، ومحمد بوضياف، ورابح بيطاط.
كما ساهم في تأسيس جماعة 22 التي جمعت كبار قادة الثورة بعدما أخذت على عاتقها تحديد موعد إطلاق الثورة التحريرية وتشكيل القيادة الجماعية لها.
في هذا الاجتماع، تخوف الحاضرون من عدد المناضلين الذي لم يتخطّ 1500 في سائر أنحاء الجزائر، وهنا ألقى مهيدي جملته الشهيرة: "ألقوا بالثورة إلى الشارع، سيحتضنها الشعب".
البيان رقم واحد
كان المهيدي من اللاعبين الأساسيين في عملية التحضير للثورة المسلحة، فاجتمع مع لجنة مصغرة (5+1)، قسم خلالها الجزائر إلى 5 مناطق، وحددوا ساعة الصفر منتصف الأول من نوفمبر/تشرين الثاني موعداً لانطلاق الثورة.
أطلقت المجموعة وقتها بيان رقم واحد، أو "بيان فاتح نوفمبر"، الذي اعتبر دستور الثورة الجزائرية ومرجعها محدداً المطالب، كتبه الصحفي محمد العيشاوي في بيت المناضلين رابح إيدير وأعمر بن رمضاني في قرية إيغيل إيمولا.
نصّ البيان على المطالب التالية:
- الإعلان عن قيام الثورة ضدّ الاستعمار وميلاد (جبهة التحرير الوطني) لقيادتها.
- شرح الأسباب التي دفعت إلى القيام بهذه الثورة، خاصةً منها الأزمة التي عرفها حزب الشعب وانقسامه بين المصاليين والمركزيين.
- هدف الثورة هو استرجاع السيادة الوطنية المتمثلة في استقلال الجزائر.
- الهدف الأوَّلي هو توحيد الشعب الجزائري وراء جبهة التحرير الوطني ثم التعريف بالقضية الجزائرية في الخارج.
- استعمال جميع الوسائل السياسية والعسكرية للوصول إلى هذا الهدف.
مؤتمر الصومام
عمل مهيدي شخصياً على إعداد وتنفيذ مؤتمر الصومام التاريخي في أغسطس/آب عام 1956، والذي جمع قادة الثورة الجزائرية، وخُصص لتقييم المرحلة الأولى من النضال وتغيير استراتيجيات الدفاع عبر تدويل القضية الجزائرية في المحافل الدولية واستقطاب الدعم العالمي.
في ذلك المؤتمر، كُلف المهيدي قيادة العمليات الفدائية بجيش التحرير الجزائري، فبدأ بتنظيم خلايا عدة، مُنفذاً عمليات حيَّرت وأربكت الاحتلال الفرنسي.
وكان من أهم نتائج المؤتمر توحيد النظام العسكري والسياسي، إذ تم تعيين رتب عسكرية والعلامات التي ترمز لها، ووضع خريطة جديدة للجزائر وفقاً لظروف الحرب آنذاك.
وإلى جانب النضال المسلح، نظم عصياناً مدنياً وإضراباً شاملاً لـ8 أيام في يناير/كانون الثاني عام 1957، في سائر أنحاء الجزائر.
لكنه كسائر الأبطال، حلّت النهاية على يد المستعمر، ففي 23 فبراير/شباط من العام 1957، اعتقلته قوات الاستعمار الفرنسي، وتعرض لشتى أنواع التعذيب؛ للبوح بأسرار الثورة الجزائرية لكنه بقي صامتاً.
كان في كل مرة يتعرض فيها للتعذيب يرد على جلاديه: "أمرت فكري بألا أقول لكم شيئاً".
وقال الجنرال الفرنسي مارسيل بيجار لاحقاً، إن من وسائل التعذيب التي استُخدمت عليه كانت سلخ جلد وجهه بالكامل، إلى جانب حرق فمه وتكسير أسنانه ونزع أظافره.
رغم كل التعذيب، رفض المهيدي بأن ينطق بكلمة واحدة
وبعدما يئس الجنرال من سحب أي اعتراف منه أو أن يشي برفاقه، رفع له التحية وقال: "لو كان لي ثلة من أمثال العربي بن مهيدي لَغزوت العالم"، فأمر بإعدامه شنقاً في 4 مارس/آذار عام 1957، وكان عمره 34 عاماً فقط.
وحينها ظهر الشهيد العربي بن مهيدي مبتسماً لحظات قبل إعدامه، ولكن قبل أن يموت قال: "لكم الماضي ولنا المستقبل".
عائلة مهيدي تلتقي قاتله
وكشفت شقيقة مهيدي عام 2018، أن لقاءها قاتل أخيها الجنرال بيجار في ديسمبر/كانون اﻷول 2001، بفرنسا تم بعدما أجبرها الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وهو الأمر الذي عرّضها لانتقادات جمة.
وعند سؤال الجنرال بيجار ظريفة عن سبب حديث العائلة عن الشهيد العربي بن مهيدي، في حين لا تتكلم كثيراً عن شقيقه الشهيد الطاهر بن مهيدي، فأجابته بالقول: "الطاهر استشهد في ميدان المعركة بسلاحه بيده والعربي أنتم من قتله".
وعن حقيقة انتحاره أو قتله، فأجابها الجنرال بيجار بالقول: "أنت لا تعرفين أخاك جيداً، هل تظنين أن شجاعاً مثل العربي بن مهيدي ينتحر".
ورغم إخفاء الفرنسيين طريقة وفاته نحو نصف قرن، أقر الجنرال الفرنسي بول أوساريس لصحيفة لوموند الفرنسية في عام 2001، بأنه هو من قتل العربي بن مهيدي شنقاً بيديه، بعدما التقطت له الصورة وهو يدخل مبتسماً إلى مركز تنفيذ الحكم؛ ابتسامة لن ينساها الجزائريون أبداً.