كشفت حادثة حرق القرآن في مدينة مالمو السويدية عن ضعف العمل المؤسساتي الإسلامي وسوء تنظيم وإدارة الجالية المسلمة التي يتعدى عددها الـ800 ألف نسمة في البلاد. إذ تذكر هذه الحادثة وعواقبها بأهمية وجود استراتيجيات وأهداف واضحة لدى الجمعيات والمنظمات الإسلامية التي تُعد ويجب أن تكون مُمثلة للمسلمين ببلد تغيب فيه قضايا الجالية الإسلامي عن المشهد الرسمي. من ناحية أخرى فإن حرق القرآن والتداعيات المرتبطة بتلك الحادثة تسلط الضوء على أهمية العمل على تجريم معاداة الإسلام (الإسلاموفوبيا) قانونياً. وقد تكون تلك الحادثة فرصة لاتخاذ خطوات بهذا الاتجاه، وإن كان غياب الموقف الاسلامي الموحد يشكل تحدياً كبيراً.
فمع تزايد الكراهية والعدائية وصعود خطاب اليمين المتطرف ضد الأجانب في الغرب، قام السياسي الدنماركي راسموس بالودان عن حزبه الدنماركي سترام كورس بالتقدم بطلب للسماح بحرق القرآن في مدينة مالمو السويدية أمام المركز الإسلامي في منطقة روزنغورد ذات الغالبية المسلمة الساحقة. رفض الطلب مرتين بناءً على عمل متواصل من قبل ١٨ جمعية إسلامية وعدة شخصيات من أجل الحيلولة دون وقوع الأمر، وهذا يحسب كنجاح للمنظمات الإسلامية. إلا أن هذا الرفض للترخيص جاء غير اعتيادي في أوروبا وخاصة الدول الإسكندنافية التي سبق وسمحت بمثل تلك المظاهر تحت بند حرية التعبير عن الرأي الذي يسيء اليمين المتطرف والمعادي للإسلام استخدامه. ومن ناحية أخرى فإن ازدواجية المعايير الغربية في تعاملها حتى مع الفئات المختلفة ضمن مجتمعاتها تبدو جلية عندما يتعلق الأمر بالمسلمين. فرغم تعارض مثل تلك المظاهر مع مبدأ عدم التحريض ضد فئة معينة في المجتمع، الأمر المجرّم قانونياً، فقد أعطيت مثل هذه التراخيص مسبقاً في الدنمارك والنرويج.
ولكن لا يمكن فهم عدم إعطاء الترخيص دون فهم طبيعة مدينة مالمو التي لا يستهان بعدد الجالية المسلمة فيها. فرفض طلب الترخيص يحمل في طياته اتقاء رد الفعل وما تحمله تبعات هذا العمل على المدينة، وليس حفظاً لحقوق المسلمين واحترام مقدساتهم فحسب، وهذا ما لم تفطن له الجمعيات الإسلامية في مالمو. وعلى الرغم من منع التظاهرة، قام الحزب المتطرف وزعيمه بالتوعد بحرق القرآن في مالمو بنفس الموعد، وفعلاً حاول راسموس بالودان دخول مالمو قادماً من مدينة كوبنهاغن السويدية لكن الشرطة السويدية قامت بإصدار منع لدخوله الى الأراضي السويدية لمدة سنتين. في المقابل قام شخص من أنصاره بحرق القرآن على أطراف منطقة روزينغورد وقام بنشر الفيديو على الإنترنت في محاولة استفزازية للمسلمين. بينما قام ثلاثة أشخاص آخرين بركل القرآن فيما بينهم في إحدى ساحات مدينة مالمو قبل حادثة الحرق لكن الشرطة السويدية فضت تلك المحاولة.
هذا العمل الاستفزازي والخارج عن القانون أولاً والضارب بعرض الحائط قرارات الدولة السويدية في تحدٍ لها، لم يقابل برد فعل يقابله بالمستوى على الصعيد الرسمي السويدي. حتى إن المنظمات والجمعيات الإسلامية لم توجه التساؤلات عن غياب رد الفعل الرسمي وهنا تكمن السهوة الثانية للعمل الإسلامي المؤسساتي في خضم هذه الأحداث. إذ مثلت الحادثة فرصة سانحة للتعبير عن التمييز الذي تتعرض له الجالية والتعبير عنه من موقف صاحب الحق الذي ظلم.
لكن ما حدث على الأرض هو تجمع لبعض الشبان المتعالية أصواتهم والمعبرين عن غضبهم لما حدث في المنطقة، ولتتحول ردة الفعل هذه لاحقاً إلى مواجهات مع الشرطة السويدية وأعمال عنف قام بها ما يقارب 300 شاب وهو العدد الذي لا يقارن بأعداد مسلمي مالمو. هذا التصرف الذي لا يصب في مصلحة أحد سوى اليمين المتطرف لذلك نأت المنظمات الإسلامية بنفسها عنه، لكن هذا النأي سرعان ما تحول الى نوع من أنواع التنديد والهجوم على المتظاهرين الغاضبين، تعداه ذلك الى محاولة للتماشي مع الخطاب الإعلامي السويدي. حتى لم يعد يذكر ولو على لسان الجمعيات الإسلامية حادثة حرق المصحف غير المشروعة أساساً. وقد صرح الإمام سمير مورتش من مالمو للتلفزيون الرابع السويدي أن المتظاهرين لم يستمعوا للأئمة وأن أغلبهم لا يتحدث اللغة السويدية أصلاً. وبهذا الفعل يتحول العمل المؤسساتي الإسلامي من متحدث وممثل للجالية المسلمة إلى وصي عليها من قبل الحكومة السويدية. وبهذا غطت أحداث التظاهرات وأعمال الشغب على حادثة حرق المصحف. تغيير الأجندة السياسية والإعلامية بتحويل أصابع الاتهام إلى المتظاهرين في محاولة للتماشي مع الخطاب السويدي لا يصب إلا في مصلحة اليمين المتطرف وتعزيز الصورة النمطية عن المسلمين المهاجرين.
حرق المصحف الشريف لم يستفز المجتمع الإسلامي فقط، بل شتته وأخرج عيوب العمل المؤسساتي المتمثلة في غياب الموقف الموحد، ضعف التنسيق، غياب الاستراتيجية الواضحة والهدف الواضح، كما التماهي مع الخطاب السويدي الاعتيادي ومحاولة إرضاء الأصوات التقليدية، مع غياب الأجندة السياسية والإعلامية الخاصة بالمؤسسات الإسلامية في التعامل مع أحداث كهذه. علماً أنه كان من الممكن الاستفادة واستغلال الموقف للعمل على ما هو أبعد في محاولة لطرح تجريم معاداة الإسلام في المجتمع بناءً على النقاط التالية:
- حرق المصحف الشريف يضعف ثقة المجتمع الإسلامي بمؤسسات الدولة وقدرتها على تأمين الحماية لها، مع التركيز على أن خللاً كهذا يدفع الأقليات بعيداً عن الدولة لتصبح لقمة سائغة بيد أي طرف ثالث.
- التركيز على أن جزءاً من المشكلة كامن في فشل الشرطة في منع حدوث الأمر رغم توعد راسموس بذلك، وعدم قدرتها أيضاً على التعامل مع عواقبه بسرعة واحتوائه.
- تخطيط راسموس ونيته القيام بأعمال مماثلة في مناطق أخرى من السويد لا يمكن إيقافه فقط بمنع الترخيص بل بحل جذري.
- إن أي عمل مؤسساتي غير موحد ولا يطالب بتجريم عدائية الإسلام قانونياً لن يكون إلا بمثابة مسكن موضعي. لابد من عمل جامع على جميع الأصعدة يحرض الدولة على التماشي مع متطلباته.
قدرة انتقال هذه الأعمال التحريضية من الدنمارك إلى السويد تشير بوضوح إلى ضرورة العمل على استراتيجية أوسع تجرم هذا الفعل وما يقود إليه قانونياً ويضع مثل هذه الأعمال تحت يافطة "معاداة الإسلام". في المقابل فإن ردة الفعل المؤقتة والتسكين الموضعي يعودان بالضرر على الجاليات المسلمة على المدى البعيد. لذلك يجب على الجمعيات والمنظمات الإسلامية وضع استراتيجيات واضحة وأهداف لرسم الأجندة السياسية والإعلامية بعيداً عن ردة الفعل الآنية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.