خلقُ أجيال بلا هوية وبناء حضارة على أشلاء العرب.. إلى ماذا يسعى حكام الإمارات؟

عدد القراءات
1,403
عربي بوست
تم النشر: 2020/08/29 الساعة 13:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/29 الساعة 14:03 بتوقيت غرينتش
قادة الإمارات/رويترز

"من لا يعرف ماضيه لا يستطيع أن يعيش حاضره أو مستقبله"، جاءت تلك الكلمات على لسان مؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مرشداً ذويه لطريق بناء حضارتهم.

وهذا ما يسعى فيه الآن القائمون على الإمارات المتحدة، إنشاء حضارتهم من خلال معرفة الماضي والتطلع إلى بناء المستقبل المشرق المصبوغ بالإنسانية السمحاء.

لكن عن أي ماضٍ؟ وإلى أي رؤية حضارية مستقبلية تنتمي الإمارات؟ 

تعود حضارة الإمارات إلى عصور ما قبل التاريخ، وفقاً للأرشيف الوطني للدولة، وذلك بعد التنقيبات الأثرية التي أُجريت في إمارة أبوظبي، أين تم اكتشاف مقابر "أم النار" التي تعود إلى الحقب القديمة؟ وقد أكدت الدولة أن المقابر الجماعية المكتشفة في جبل "البحيص" بالشارقة، بالإضافة إلى أدوات ورؤوس الحراب في جزيرتَي "دلما" و"مروح"، تشير إلى وجود حضاري ممتد منذ آلاف السنين. فالمستوطنات السكانية في منطقة الإمارات كانت تعود لجماعاتٍ بدويّة عاشت على الصيد وتجميع النباتات.

وللتنقيب أكثر في تاريخ تلك الأرض الغنية بالكنوز، دشنت الإمارات سلسلة وثائقية تسرد فيها تاريخها الذي يعود، كما تدعي، إلى 125 ألف سنة قبل الميلاد ليكون لها بذلك سبق الوجود قبل أقدم حضارات العالم متفوقة على جاراتها في بلاد الرافدين وبلاد نهر النيل. كان هذا موجز ضئيل لمعرفة مدى عمق حضارة دولة الإمارات التي تسعى الآن إلى استعادة أمجادها.

بعيداً عن البروباغندا الإماراتية والمزاعم بضرب حضارتها في جذور التاريخ،  فلنغُص في أعماق وما وراء مساعي الإمارات، بقيادة محمد بن زايد، لاستعادة المجد المفقود. ولنبحث عن الرؤية التنويرية التي تحاول الإمارات نشرها من المحيط للخليج.

تضخ الإمارات مليارات الدولارات دعماً لأشقائها في مصر واليمن وليبيا، وهي تمد أيديها لجميع أشقائها العرب الراغبين في المشاركة في النهضة الحضارية التي تقوم بها، إيماناً بدورها في المنطقة عبر التاريخ.

عند الإمارات تقتصر الحضارة على وجهها المادي الاستهلاكي المعاصر فقط، بنظرة خاطفة على دبي وأبوظبي يمكننا ملاحظة الأبراج الشاهقة والاهتمام بالتصميمات والعمارة وانتشار المباني والمنازل الضخمة والفخمة، والتي تعد من خصائص التطور الحضاري، ناهيك عن التقدم والتطور التكنولوجي الرهيب، حيث تراقب الكاميرات الموضوعة في الشوارع والحارات والأزقة كل ما يتحرك في البلاد. هذا الوجه المادي من الحضارة، يقودنا إلى ما قاله الفيلسوف والرئيس الراحل عزت بيجوفيتش حين أخذ في طرح الفرق بين "الحضارة" و"الثقافة" فوصف الأولى بأنها "التغيير المستمر للعالم"، بينما الثانية بأنها "التغيير المستمر للذات". وفقاً لبيجوفيتش فإن الحضارة هي استمرار التقدم التقني لا الروحي، أي أن الحضارة المادية التي انتقدها بيجوفيتش هي الحضارة التي تهمل الثقافة أي تهمل حاملها وهو "الإنسان". ويرى المتابع أن دولة الإمارات لا تحاول فقط تهميش الإنسان العربي تحديداً، بل تنهض بحضارتها المادية على أشلائه. فنراها تقف أمام كل الحركات التحررية والفكرية ورياح التغيير في المنطقة وتحاربها بلا هوادة. فتدعم الانقلابات العسكرية في مصر وليبيا وتركيا، بالإضافة إلى جرائمها هي وحليفتها السعودية في اليمن.
ولا تحاول الإمارات نشر رؤيتها التنويرية عن طريق القوة الباطشة والإخضاع فحسب، بل عن طريق تشكيل وتغيير وعي الإنسان العربي المسلم. وذلك عن طريق تحويل الثقافة الشخصية وسماتها الروحية إلى ما يسمى "الثقافة الجماهيرية" والتي تحد من حرية البشر وتنتج إنساناً زائف الهُوية، بلا معتقدات وثوابت، يعيش على الاستهلاك ويسهل أن تتلاعب به وسائل الإعلام فيصبح العدو المغتصب للحق صديقاً حميماً ويتحول الصديق والأخ الضحية إلى عبء يجب التخلص منه. في العالم الذي تحاول فرضه الإمارات على الإنسان العربي، يتحول الفرد إلى ما يطلق عليه (MAN Mass) أي "الإنسان الجمهور" بمعنى أدق يتحول الإنسان إلى وحدات مجهولة، فاقدة للهوية والشخصية، شخص مثله مثل أي شخص آخر وبمواصفات تسهل عمليات السيطرة والإخضاع والإقناع. في هذا الصدد، أسست الإمارات "مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة" والذي أشرف على تأسيسه حاكم دبي بنفسه، محمد بن راشد آل مكتوم، بالإضافة إلى المجلس الوطني للإعلام، كما أسست منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة. وعن طريق المؤسسات الإعلامية تتحكم الإمارات في كمٍّ هائل من الإنتاج الإعلامي العربي. ولا تتوقف سيطرتها عند وسائل الإعلام فقط بل بدأت في السيطرة على وإخضاع مراكز الفكر وشركات العلاقات العامة بالمال، فقد نشرت جريدة The Intercept تقريراً عن تعاقد سري إماراتي مع معهد دراسات الشرق الأوسط من أجل الترويج لرؤيتها وسياستها.

وفي هذا الإطار لم تلبث الصحف الإماراتية حتى باركت عملية التطبيع التي قامت بها الدولة مع الكيان المحتل. ففي صحيفة "الاتحاد" الإماراتية تحت عنوان "صافح لتربح.. أو صارع لتخسر"، تدعو دول المنطقة إلى تتبع خطاها والتوجه لمصافحة بلطجي المنطقة الجديد. وأخذت صحيفة البيان الإماراتية في عد الخبرات والدروس التي يمكن الاستفادة منها من تجربة الكيان المحتل، فأوضحت الصحيفة عن ضرورة التعمق والاستفادة من تجربة هذا الكيان وما خاضه من صعوبات خلال 70عاماً وصموده في وجه كل ذلك. ولم لا فهذا الكيان وفقاً  للصحيفة يملك شركات متخصصة في الأمن، فاقت بتطورها الشركات العالمية في هذا المجال وسبقتها بخطوات، وأكدت أيضاً ضرورة الاستفادة من خبرتها في قطاع الصناعة والنظام الزراعي والنظام الضريبي وغيره من المجالات.

وتضح أبعاد عملية التطبيع تلك أكثر وأكثر في إطار رؤية الإمارات في بناء حضارة على أساس فلسفي تزعم أنه عقلاني وتقدمي ومتسامح، لذلك أسرعت إلى وضع يدها بشكل علني مع دولة "اليوتوبيا" في المنطقة كما تعتبرها. إلا أنها تتناسى عن عمد، ولمصالح سياسية فجّة، أن تلك الدولة المحتلة، وإن كانت متقدمة في عديد المجالات، إلا أنها قائمة على أساس ديني عنصري ليس فقط مع الفلسطينيين بل مع مواطنيها أيضاً. بجانب مؤشر البطالة يشير إلى 17.6% مع انخفاض مؤشر الديمقراطية والاتهامات بالفساد التي تطال الحكومة ورئيسها، وتزايد تأثير المتعصبين اليهود على الحياة السياسية الداخلية. كل هذا دون الحديث عن الدولة الوحيدة التي ما زالت تعيش في بنية الاستعمار وجلباب الاستقواء بالخارج وسرقة الأراضي وقتل الأبرياء وتدنيس المقدسات. 

إن ما تطمح إليه الإمارات من حضارة ما هو إلا مشاريع عدمية قائمة على تفكيك الإنسان حتى يصبح معدوم الهوية والثقافة والشخصية. مشاريع قيمتها الأولى هي المصلحة، وترى الإنسان من بعد واحد ألا وهو المادة. فلسفة ترفض الإنسان والروح، وتضع المادة، أي القوة، فوق كل قيمة أو اعتبار.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد إبراهيم
كاتب مصري
باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تحميل المزيد