بعد عامين من احتلال إسرائيل للقدس الشرقية، وتحديداً في 21 أغسطس/آب 1969، أقدم متطرف مسيحي أسترالي يدعى مايكل دينس روهان على محاولة إحراق المسجد الأقصى في القدس.
واليوم بعد مرور 51 عاماً على هذه الحادثة، سنتعرف على تفاصيل هذه الحادثة، وما الذي دفع روهن إلى ذلك، وكيف برأه الاحتلال وأعاده لبلده.
محاولة إحراق المسجد الأقصى في القدس.. القصة من البداية
في يوليو/تموز 1969، وصل مايكل روهان إلى مدينة القدس قادماً من مدينته سيدني الأسترالية، فاستأجر غرفة صغيرة في فندق يدعى ريفولي الذي يبعد مسافة 2.6 كم ما يقارب 30 دقيقة من المشي أو 15 دقيقة في السيارة.
بقي خلال أسابيع عدّة يقضي مُعظم أوقاته وهو يتجول ويتفقد المسجد الأقصى وساحاته، وذلك للبحث عن مخارج للهرب من أجل التخطيط لعمليته.
قبل أيام قليلة من إحراق المسجد الأقصى، وبعيد انتهاء صلاة العشاء فيه وخروج الناس، قام روهان بمحاولة فاشلة عندما تسلق إحدى الأشجار ودخل إلى المصلى القبلي، حيث أشعل فتيلاً فوق بعض من البنزين وفرّ هارباً من المكان عن طريق تسلق سور القدس من جهة باب الأسباط.
في اليوم التالي ذهب المتطرف الأسترالي إلى ذات المكان لتفقد ما حصل، لكنه تفاجأ بعد رؤية بقايا الفتيل وبضعة بقع من البنزين الذي يشتعل على الأرض.
انتظر المتطرف روهان عدّة أيام ليعاود كرته، واختار صبيحة يوم الخميس 21 أغسطس/آب 1969، فاستيقظ باكراً ووصل إلى المصلى القبلي الساعة السابعة صباحاً.
عند وصوله، اتجه مباشرة نحو عتبة منبر صلاح الدين، وأخرج من حقيبته وشاحاً كان قد ملأه بالبنزين مسبقاً، فوضعه أما المنبر، كما قام برش بعض من البنزين في محيط المصلى وأشعل النار بها.
ما لبث أن خرج من باب المصلى مشياً حتى بدأ صراخ الناس الذين انتبهوا إلى الحريق وانبروا لإطفائه.
استمر الحريق 5 ساعات بحسب ما ذكرته وكالة رويترز، بسبب قيام قوات الاحتلال بقطع المياه عن كامل المنطقة المحيطة بالمسجد، وأيضاً قطعها الطرق عن سيارات إطفاء القدس.
ولكن المسلمين والمسيحيين في القدس تمكنوا من إخماد الحريق بالاعتماد على آبار المياه في المنطقة، وأيضاً عبر مساعدة بعض سيارات الإطفاء التي قدمت من الخليل ورام الله للمساعدة.
ما الذي دفع روهان إلى إحراق المسجد الأقصى؟
قبل أن يأتي إلى القدس كان روهان متأثراً بما يسمى "كنيسة الرب العالمية"، وهي طائفة مسيحية مثيرة للجدل لاقت في ستينيات القرن الماضي رواجاً كبيراً، أسسها هربرت جورج أرمسترونغ ومهمتها تفسير الكتاب المقدس خاصة النبوءات التي تتحدث عن نهاية الزمان.
لكن بعد وفاة مؤسسها أرمسترونغ عدلت إدارة الكنيسة تلك التعاليم لتكون متوافقة مع الطائفة الإنجيليّة.
في أحد الأيام قرأ روهان مقالة صدرت في عام 1967 لمؤسس تلك الطائفة أرمسترونغ تتحدث عن أن هيكلاً يهودياً سيبنى في مدينة القدس مكان المسجد الأقصى، وأن القرابين ستذبح في الهيكل هذه المرة خلال الأربع سنوات والنصف القادمة.
ووفق اعترافاته فيما بعد، فإنه بعد قراءة تلك المقالة شعر بأنه مبعوث من الله وبأنه تصرف وفقاً لأوامر إلهية بما ينسجم مع سفر ذكريا، فحاول تدمير المسجد الأقصى حتى يتمكن اليهود من إعادة بناء الهيكل وبالتالي يسرع ذلك مجيء المسيح المخلص الذي سيحكم العالم مدة 1000 عام.
محاكمة مايكل روهان
بعد ساعات من الحريق، تمكنت الشرطة الإسرائيلية من إلقاء القبض على مايكل روهان، لكنها في البداية ادعت أن الحريق الذي استهدف المسجد الأقصى كان سببه ماس كهربائي، لكن بعد إثبات المهندسين أن لا تماسّ كهربائياً حصل وإنما هو حريق متعمد تم عن طرق فاعل مجهول، اضطرت قوات الاحتلال إلى الاعتراف.
وأثناء محاكمته كانت أقواله متطابقة مع أقوال الشهود في حين كان فريق الدفاع عنه يصرّ على أنه مريض نفسي يعاني جنون العظمة أو كما يسمى "الانفصام الارتيابي" وأنه كان عند تنفيذ جريمته تحت تأثير أوهام وتخيلات.
في النهاية حكمت المحكمة بعدم أهلية روهان العقلية وقامت بإيداعه مصحاً نفسياً حتى عام 1974 عندما ضغطت عائلته من أجل استرداده فتم إعادته إلى أستراليا، حيث توفي فيها في عام 1995.
رغم اعتراف روهان بأن كنيسة الرب العالمية كانت وراء دفعه على إحراق المسجد الأقصى إلا أن الصحافة العربية أشارت إلى أن روهان يهودي وأن إسرائيل هي من دفعه للقيام بذلك كونها لم تتوقف عن محاولاتها لطمس معالم الهوية الإسلامية للقدس منذ 1948.
الحريق خلف وراءه خسائر مهمة
خلف الحريق وراءه خسائر كبيرة، أهمها احتراق منبر صلاح الدين الأيوبي الذي صنعه نور الدين الزنكي في حلب على أمل أن يضعه في المسجد الأقصى، وبعد وفاته أحضره صلاح الدين إلى المسجد بعد تحرير بيت المقدس في عام 1187.كما تضررت واجهات المسجد الأقصى وأثاثه النادر وما يحتويه من مصاحف إضافة إلى مسجد عمر ومحراب زكريا ومقام الأربعين و3 أروقة ممتدة من الجنوب إلى الشمال مع الأعمدة والأقواس والزخرفة وجزء من السقف الذي سقط على الأرض خلال الحريق.