"قرار انسحاب من الهيئة العلمية لجائزة الشيخ زايد للكتاب؛ على أثر الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل على إقامة علاقات دبلوماسية رسمية بينهما".
محمد بنيس
بهذه الكلمات وعبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أعلن الشاعر المغربي الكبير وعضو الهيئة العلمية لجائزة الشيخ زايد للكتاب انسحابه منها، بعد أسبوع من إعلان التطبيع الرسمي بين الإمارات وإسرائيل، فمن هو محمد بنيس.
حياة محمد بنيس
وُلد بمدينة "فاس" عام 1948، وبدأ رحلته مع الشعر مبكراً، حيث انتقل من قراءة قصص الأطفال إلى اكتشاف الدواوين والشعراء، فمِن أبي القاسم الشابي إلى المتنبي وجبران خليل جبران والبحتري وأبي تمام، ثم إلى الشعر المعاصر، حيث تأثر بالشاعر العراقي بدر شاكر السياب، ثم إلى الشعر الفرنسي والألماني والأندلسي والصوفي، إلى أن نشر أولى قصائده عام 1968، يقول بنيس في حوار نُشر له بمجلة "أخبار الأدب": "بدأت الدائرة تتسع وصرت أكتب.. ولم أعُد أعرف من أين بدأت وإلى أين انتهيت".
قرر دراسة الأدب فحصل على درجة الإجازة في الأدب العربي عام 1972، من جامعة سيدي محمد بن عبدالله في فاس، ثم اكتشف أن المستوى الأول من التعليم الجامعي وحده لا يكفي، وأن عليه استكمال دراساته العليا والحصول على منصب جامعي يكفل له وضعاً اجتماعياً وعائداً مادياً يمكِّنانه من التمتع بكامل حريته في الكتابة والتعبير والمغامرة، فانتقل إلى جامعة محمد الخامس، حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا عام 1978 وعلى الدكتوراه عام 1988، ثم أصبح أستاذاً للشعر العربي الحديث بها إلى أن قرر التفرغ للكتابة منذ عام 2016.
لا نتحدث عن شاعر موهوب فحسب، إنما عن شاعر لديه وجهة نظر ورؤية تتجاوز الحدود الجغرافية والقضايا القومية، ولم يكن هذا بغريب على بنيس الذي تأثر كثيراً بإزرا باوند -شاعر وناقد أمريكي من أهم رواد شعر الحداثة- لأن شعره "منفتح على الثقافة الكونية"، على حسب تعبير بنيس.
تفرَّد بشخصية شعرية مثيرة للإعجاب والتأمل عبَّر عنها في أحد اللقاءات، بقوله : "ما يعنيني هو العمل الشعري أولاً، ثم تجربتي الداخلية وما أحسه شخصياً في علاقتي مع زمني الثقافي، عربياً وعالمياً. أدركت منذ البداية أن المهم هو أن تكون للشاعر لغته الخاصة وتجربته ورؤيته، ثم الطريق بعد ذلك مفتوح".
يرى أيضاً أن قيمة الشعر لا تتمثل في تقسيمه إلى مراحل تاريخية وإنما في التجارب، وأن لا تمييز بين تاريخ وآخر، عهد قديم أو حديث، شاعر قديم أو معاصر، وأن المعيار هو القوة الشعرية وقوة التجربة، وأن التجربة الشعرية متغيرة وعلى كل شاعرٍ صياغة تجربته الشخصية الخاصة؛ لذلك يؤمن بحركة الحداثة الشعرية ولا يؤمن بالبداهة في الشعر.
مؤلفات محمد بنيس
قدَّم محمد بنيس إسهامات عملاقة ما بين الدواوين، آخرها "يقظة الصمت" الذي أصدره هذا العام، والدراسات الشعرية والمقالات والنصوص النثرية والترجمات، تمت ترجمة العديد من أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والصينية والإيطالية والإسبانية والألمانية.
كما أن العديد من المؤسسات توَّجت أعماله بعدد كبير من الجوائز العربية والعالمية مثل: جائزة فيرونيا العالمية للآداب، وتشيبو العالمية للآداب، وماكس جاكوب، وجائزة الأطلس الكبير في الرباط، والعويس الثقافية في دبي، والجائزة المغاربية للثقافة، وجائزة المنتدى الثقافي اللبناني في فرنسا للإبداع العربي، ووشَّحه رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس أبو مازن، بوسام الثقافة والإبداع والفنون، ووشَّحته الدولة الفرنسية بوسام فارس الفنون والآداب، كما أنه عضو شرفي في الجمعية العالمية للهايكو بطوكيو.
أما عن محمد بنيس فلديه رأي آخر في مسألة الجوائز، يقول: "لم أتقدم في حياتي لأي جائزة رغم أنني حصلت على العديد منها، أؤمن بأن الجائزة لا يتقدم إليها الكاتب، وإنما هي مسألة تهم المؤسسات التي تمنح الجائزة، أنا لا أحتاج شيئاً ولا أطلب أي شيء. أرى أنني اخترت الثقافة واختارني الشعر من أجل أشياء عميقة، ليس من أجل امتياز أو تصفيق أو مناصب أو أي غاية تتعدى غاية الكتابة، هذه كلها لا تعنيني على الإطلاق، ولذلك لن تجديني في أيّ منها. لهذا لا أتنازل عن اختياراتي، وأقول ما أفكر فيه بصوت عالٍ، وما أطمح إلى تحقيقه هو أن أظل وفياً لهذه الاختيارات، وألا أتعرض لما يمكن أن يجبرني على التخلي عن أي منها".
مواقف مثيرة للجدل
لم يكن الانسحاب من الهيئة العلمية لجائزة الشيخ زايد للكتاب أول مواقف بنيس المثيرة للجدل، وعلى الأغلب لن تكون آخرها، فللرجل مواقف عديدة مثيرة للجدل نابعة من اعتزازه بالقومية العربية، على سبيل المثال لبنيس مآخذ عدّة على الثقافة الفرانكفونية على سبيل المثال. ويرى أنها تمثل خطراً ليس على الثقافة العربية وحسب وإنما على الثقافة الفرنسية أيضاً. وكذلك كان يرى أن تدمير الثقافة التقدمية يمثل خطراً أكبر من خطر الاستعمار نفسه، وهو الأمر الذي لم يرُق لكثيرين.