في مدينة كويمبرا الواقعة وسط البرتغال، وتحديداً في "قصر الدموع" أو كما يسمى بالبرتغالية Quinta das Lágrimas وقعت واحدة من أغرب قصص الحب في التاريخ والتي لا نبالغ إن وصفناها بـ"المخيفة".
فبعد سنوات طويلة و4 أطفال، لم ينس بيدرو الأول حبه لـ"إينيس دي كاسترو"، وصمم على تتويجها ملكة بعد عامين من وفاتها فأخرج جثتها وأجبر أفراد بلاطه على تقبيل يدها المتحللة.
قصة حب إينيس دي كاسترو والملك بيدرو الأول
كان بيدرو الأول لا يزال أميراً عندما وقع في غرام إينيس دي كاسترو، لكن هذا الأمير لم يكن حراً في تصرفاته، ولم يكن من حقه أن يختار محبوبته لأنه ببساطة وريث العرش البرتغالي من بعد والده أفونسو الرابع.
بدأت القصة عندما طلب الملك من ابنه أن يتزوج الأميرة القشتالية كونستانتا، بهدف إنشاء تحالف ما بين البرتغال وقشتالة في العام 1340.
آنذاك كان الأمير بيدرو يبلغ من العمر 19 عاماً فقط، وبدلاً من أن يهيم بعشق عروسته القشتالية توجه قلبه نحو وصيفتها إينيس دي كاسترو التي كانت تملك حسناً منقطع النظير جعل بيدرو غير قادر على رؤية سواها.
العاشقان يشربان من "ينبوع الحب"
كانت إينيس تقطن في دير سانتا كلارا الذي يبعد مسافة أقل من نصف ميل عن موضع سكن بيدرو.
وقد اعتاد الأمير وفقاً لما تقوله الحكاية، أن يرسل رسائل العشق لمحبوبته من خلال قناة مائية تسمى Fonte dos Amores أو "ينبوع الحب"، وكان العاشقان يحرصان على شرب المياه من الينبوع في التوقيت ذاته، إذ تقول الأسطورة أنه إذا شرب أحد العاشقين من رأس الينبوع بينما شرب الآخر من نهايته في ذات التوقيت فإن حبهما سيكون خالداً وأبدياً.
وقد لا يكون الينبوع الأسطوري هو السبب بالتأكيد، إلا أن عشق الأمير بيدرو لإينيس كان أبدياً بالفعل.
صراع بين البرتغال وقشتالة بسبب العاشقين
سرعان ما علمت الأميرة القشتالية بالعلاقة العاطفية التي تجمع زوجها ووصيفتها، وحاولت جاهدة تفريقهما دون جدوى، إلى أن اضطرت لتصعيد الأمر لمستوى أعلى.
وبدأت النزاعات منذ ذلك الحين بين كل من البرتغال وقشتالة بسبب طيش الأمير بيدرو وإغضابه الدائم لزوجته وانشغاله بحبه لـ"إينيس"، الأمر الذي أغضب والده الملك أفونسو وجعله ينفي إينيس ويعيدها إلى قشتالة في العام 1344.
لكن المسافات الشاسعة لم تزد الحب إلا اشتعالاً، حتى أن بيدرو كان ينتهز كل فرصة سانحة ليزور محبوبته في قشتالة، ولم تنقطع علاقتهما على الإطلاق بل زاد حبهما وشغفهما ببعض بعد أن نفيت إينيس من البرتغال.
وبعد أن توفيت الأميرة كونستانسا زوجة بيدرو في العام 1349، خلا الجو للعاشقين تماماً، وقام بيدرو بإعادة إينيس إلى البرتغال دون أن يعلم والده.
4 أطفال لم يكونوا كافيين لإطفاء غضب الملك
استقر بيدرو مع محبوبته في مدينة كويمبرا، وباتوا أكثر قرباً من أي وقت مضى، وأنجبا 4 أطفال، بعد ذلك أراد بيدرو الزواج من إينيس لجعلها ملكة البرتغال المستقبلية، ولإعطاء أطفاله الشرعية إلا أن الملك أفونسو عارض ذلك بشدة.
كانت مخاوف الملك أفونسو تتمثل بوصول أبناء إينيس إلى عرش البرتغال بعد بيدرو بدلاً من أطفال الأميرة القشتالية كونستانسا الشرعيين.
ونظراً لتمسك بيدرو الشديد بمحبوبته بالرغم من مرور كل هذه السنوات، وحتى بعد إنجاب 4 أطفال لم يجد الملك بداً من قتل إينيس للتخلص من تأثيرها على بيدرو إلى الأبد.
مقتل إينيس
وفي العام 1355 أرسل الملك ثلاثة من حراسه إلى كويمبرا لإنهاء حياة إينيس مستغلاً غياب بيدرو عن المدينة.
ويقال إن اغتيالها تم في "قصر الدموع" حيث ذرفت إينيس دموعها الأخيرة قبل أن تفارق الحياة على يد حراس الملك، ومن هنا حصل هذا المكان على اسمه.
وتقول الأسطورة، إن الحجر الأحمر الموجود إلى اليوم في تلك المنطقة قد تلطخ بدماء إينيس واستمد لونه القرمزي الداكن منها.
وتقول الأسطورة أيضاً إن روح إينيس لا تزال تطوف في المكان، وأن دماءها لا تزال تلطخ العديد من الحجارة المغمورة في "ينبوع الحب".
لكن القصة لم تنته هنا، فقد توجت إينيس ملكة على البرتغال
لم تكن نتيجة مقتل إينيس مطابقة لما توقعه الملك أفونسو، فبدلاً من أن يستسلم بيدرو وينسى محبوبته، قام بثورة ضد والده مشعلاً حرباً أهلية في البلاد استمرت قرابة عامين، إلى أن رتبت والدة بيدرو هدنة بين الأب وابنه.
لكن مع ذلك، لم ينس بيدرو الألم الذي خلفه فراق إينيس، وما إن أصبح ملكاً على البرتغال في العام 1357 حتى قام بما لم يفعله عاشق من قبله.
فقد أخرج بيدرو جثمان محبوبته من قبرها، ووضعه على العرش ليتوجها ملكة على البرتغال، مجبراً أفراد بلاطه على تقبيل يدها المتحللة وإعلان الولاء لها كملكة شرعية على البلاد.
وبعد أن جرى تتويجها كملكة وفقاً للأعراف والتقاليد، بنى لها قبراً ملكياً وأعاد جثمانها إليه كما بنى لنفسه قبراً بجانبها ليضمن أن يكونا معاً بعد الموت حسب اعتقاده، وبعد ذلك بدأ بتعقب قتلة محبوبته.
وتقول الحكاية إن بيدرو أمسك بالحراس الثلاثة الذين أرسلهم والده لقتل إينيس وقتلهم منتزعاً قلوبهم بيديه العاريتين، لتكون تلك نهاية أكثر قصص الحب غرابة في التاريخ.
قصة بيدرو وإينيس في الأدب والفنون
يقال إن قصة الحب العاصفة التي جمعت ملك البرتغال بيدرو الأول بوصيفة زوجته إينيس قد كانت مصدر إلهام للشاعر الإنجليزي وليام شكسبير.
وقد ذكرت القصة في الكثير من الأشعار والروايات والأعمال الدرامية والرسومات حتى، وفي إيطاليا وحدها تم تأليف قرابة 120 أغنية أوبرا حول قصة بيدرو وإينيس الملحمية.
واليوم تحول "قصر الدموع" الذي جمع العاشقين يوماً ما إلى فندق فخم يقدم للسياح مياهاً من "ينبوع الحب" الذي شرب منه بيدرو ومحبوبته فيما مضى.