يعتبر طقس هارا كيري، أو كما يسمى أيضاً بالسيبوكو واحداً من أهم طقوس مقاتلي الساموراي في اليابان، وهو عمل يقدم خلاله المقاتل على قتل نفسه عن طريق نزع أحشائه، قبل أن يقوم أحد المقربين له، يُسمى "الكايشاكونين"، بضرب عنق مقاتل الساموراي.
ويعتبر بطل الساموراي الشهير ميناموتو تاميتومو، والشاعر ميناموتو نو يوريماسا من أهم الشخصيات التي التاريخية التي اتبعت أسلوب الهارا كيري لإنهاء حياتهم.
فما هو سبب إقدام الساموراي على الهارا كيري، وما هي الطقوس المرافقة لها؟
الساموراي وطقس هارا كيري
بالنسبة للساموراي فإن الروح البشرية توجد في معدة الشخص، لذلك فإن شق الأحشاء كان يعدُّ أحد أشجع طرق الموت، لذلك كان هذا الفعل مقتصراً على مقاتلي الساموراي الشجعان.
وفق موقع Ancient Origins فقد كان يسمح في اليابان سابقاً لمن يود الانتحار من العامة بشنق أو إغراق نفسه، كما يُسمح لنساء الساموراي بشق حناجرهم، لكن ذكر الساموراي لم يكن يسمح له سوى بالانتحار عن طريق الهارا كيري، أي شق معدته.
والسبب الذي كان يدفع مقاتلي الساموراي لارتكاب الهارا كيري هو الحفاظ على شرفه لنفسه أو لعائلته الممتدة، لذلك يحظى مقاتل الساموراي الذي يرتكب الهارا كيري بالتبجيل كثيراً بعد وفاته، أما الساموراي المهزوم أو الموسوم بالعار الذي يختار الاستسلام بدلاً من الانتحار فيلعنه المجتمع.
طقوس الهارا كيري
بحلول فترة إيدو (هي فترة ممتدة من 1603-1868 وتعتبر آخر فترات تاريخ اليابان القديم، والتي مهدت لعهد مييجي، أي بداية التاريخ الحديث لليابان) أصبح الهارا كيري طقساً متطوراً بالكامل، أي أنّ كل مقاتل كان ينوي الانتحار بالهارا كيري كانت تقام له طقوس احتفالية.
تبدأ هذه الطقوس بوضع وسادة بيضاء يجلس على جانبها الشهود على صف واحد.
وفي الوسط يجلس مقاتل الساموراي مرتدياً رداءه الأبيض الذي يدعى "كيمونو" فوق تلك الوسادة البيضاء بطريقة رسمية راكعاً إلى الخلف، في حين يجلس على يساره مساعده الكايشاكونين.
وتتمثل مهمة الكايشاكونين في الحيلولة دون تعرض الساموراي للمعاناة لفترة طويلة عن طريق قطع رأسه فور شق بطنه.
خلافاً للاعتقاد الشائع، لا ينطوي طقس الهارا كيري الذي ينفذه الساموراي من الناحية الفنية على الانتحار، لكنه يحقق إصابة قاتلة، تاركاً الكايشاكونين يضرب ضربة الموت.
ويجب على الكايشاكونين ضرب الساموراي بقوة كافية لفصل العمود الفقري، ولكن بدقة كافية ليظل الرأس متصلاً، إذ إن فصل الرأس تماماً يلحق الخزي بكل من الساموراي الذي يرتكب الهارا كيري والكايشاكونين، لذلك كان دور المساعد يُمنح فقط للرجال الذين يمتلكون سيطرة فائقة على سيوفهم.
هذا ويضع أحد الخدم طاولة خشبية أمام الساموراي، عليها كأس ساكي (أرز مخمر)، وحزمة واشي (ورق مصنوع يدوياً من لحاء شجرة التوت) وأدوات كتابة، إضافة إلى الكوزوكا (شفرة إزالة الأحشاء)، وإن كان يُسمح للساموراي باستخدام سيفه الخاص لو فضّل ذلك.
يملأ أحد الحضور كأس الساكي بعد ذلك من اليسار، ليقوم الساموراي بشرب الكأس من رشفتين فقط، لأن رشفة واحدة تنم عن الشراهة وثلاث رشفات أو أكثر تنم عن التردد.
كتابة قصيدة الموت
قبل ارتكاب الهارا كيري، يكتب الساموراي قصيدة الموت، وهي من الطقوس المهمة جداً، إذ يعتقد أن الشخص الذي يواجه الموت الوشيك لديه نظرة خاصة حول طبيعة الموت وقيمة الحياة.
لذلك يجب أن تتسم القصيدة باللباقة والخلو من المبالغة، وتتناول عادةً موضوع العاطفة العابرة. وفي حالة ذكرت القصيدة الموت الوشيك من الساموراي، تُعد حينئذ ذات تكوين سيئ وفظ.
وكذلك الأمر كان هذا مهماً أيضاً للساموراي لأن القصيدة تكون بمثابة لمحة مكتوبة عن نبل شخصيته، وكيف تمنى أن يُذكر بعد وفاته.
إكمال طقس موت الهارا كيري
عندما يشعر الساموراي أنه جاهز يفك ثنيات الكيمونو، ويكشف معدته.
ثم يرفع السكين بيد واحدة ويزيل الغمد باليد الأخرى، واضعاً إياه على أحد الجوانب.
وبعد تحضير نفسه ذهنياً، يُدخل السكين في الجانب الأيسر من معدته، ثم يسحبها إلى اليمين، ثم يدير النصل داخل الجرح ويرفعه إلى أعلى.
ولكن معظم مقاتلي الساموراي لم يستطيعوا فعل الحركة الأخيرة، وهي إدارة النصل ورفعه إلى الأعلى، لأن الكايشاكونين الرقبة مع أول علامة على الألم.
في أثناء هذه العملية يجب أن يحافظ الساموراي على رباطة جأشه حتى على شفا الموت، ويظهر القوة والتحكم التام في عقله وجسمه في آخر لحظاته.
فأي سمعة اكتسبها الساموراي من قبل تصبح بلا معنى لو مات بطريقة غير لائقة.
مع ذلك، رغم أن الحالة الهادئة والرصينة هي المثالية لأن يرتكب الساموراي هذا الفعل، يروي كتاب Hagakure من القرن الثامن عشر، وأعمال في فترة الإيدو قصصاً لساموراي يفقدون رباطة جأشهم قبل ارتكاب السيبوكو مباشرةً، وفي بعض الحالات كان لا بد من قطع رأسهم قسراً.
أنواع الهارا كيري وأسبابها المختلفة
بالطبع، كانت هناك ظروف لم يتوفر وقت كافٍ فيها ليجري الساموراي طقس الهارا كيري بأكمله، لذلك سُمح بأفعال مثل قطع الحنجرة، ورمي نفسه من فوق حصان يجري وسيف في فمه، أو رمي نفسه من المنحدرات، فقد كانت هناك بضعة أسباب لينتحر الساموراي.
مثلاً في حرب جينبي وهي حرب سمّيت باسم حرب الساموراي الكبيرة كونها استمرت قرابة 5 أعوام 1180-1185 بين قبيلتين من أجل السيطرة على اليابان كان هناك قائد ساموراي يدعى تايرا توموموري قرر إنهاء حياته بسبب خسارة إحدى المعارك.
استدعى تايرا توموموري أخاه غير الشقيق، الذي كان يساعده لارتداء درع واقٍ ثانٍ وارتدى آخر بنفسه، ثم أمسكا بأيدي بعضهما البعض وقفزا في البحر.
وعند رؤية ذلك، ارتدى ما لا يقل عن 20 ساموراي درعاً ثقيلاً، وحملوا أشياء ثقيلة على ظهورهم للتأكد من أنهم سيغرقون، وأمسك بعضهم البعض باليد وقفزوا، مصممين على عدم البقاء بعد رحيل سيدهم، وقد سُمي هذا الانتحار باسم "جونشي".
بينما هناك انتحار آخر يسمى فونشي، وهو عمل انتحاري للتعبير عن السخط من موقف ما، وهو ما فعله الروائي ميشيما يوكيو، عندما شقّ بطنه احتجاجاً على ما اعتقد أنه فقدان للقيم التقليدية في بلاده.
مع ذلك، نظراً لإبطال الهارا كيري عام 1873، كان ينظر إلى انتحاره في الغالب على أنه لا يصلح لهذا العصر، وهو درب من العار الوطني.
أما الكانشي فهو عمل انتحاري بدافع الاحتجاج، فقد ينتحر الساموراي ليطرح قضيته أو يوضح وجهة نظره لسيده، بعد إثبات أن جميع أشكال الإقناع الأخرى غير فعالة.
وأخيراً، سوكوتسو تشي هو فعل انتحاري كأنه وسيلة ليكفر بها الساموراي المسيء عن إثمه. ويتمثل الإثم مثلاً في ضرب الخادم المساعد بالسيف أثناء الغضب، الفعل الذي كان يُعاقب عليه بالإعدام، وكثيراً ما يُعطى خيار الانتحار. ينتحر الساموراي أيضاً بسبب فشله في واجبه في حماية سيده من التعرض للقتل في المعركة أو على يد قاتل ما.