يصر موقع يوتيوب على عرض كمية كبيرة من الأشياء غير المفيدة عندما أقوم بفتحه، بعناوين برّاقة، وأشياء غير مفيدة لكنها تحصل على الكثير من المشاهدات؛ ما يصل إلى الملايين في بعض الأحيان، سواء كانت تلك الفيديوهات لصانعي محتوى على يوتيوب youtubers يعرضون ما لا يسمن ولا يغني من جوع، أو قنوات يوتيوب تُعرض مقاطع مما تعرضه القنوات التلفزيونية من مسلسلات بعناوين مشوّقة.
لكن وفي خضم كل هذا الغثاء تبرز بعض القنوات كالورود وسط الشوك، قنوات ممتعة ومفيدة في آنٍ واحد، بأشكال وأساليب متعددة، ومن تلك الأشكال ما يسمى "البوكتيوبينق"، ويقوم بتقديمه من يسمّون "البوكتيوبرز".
والبوكتيوب هو مصطلح يطلق على مَن يشارك عبر يوتيوب اهتمامه بمجال الكتب، عن طريق الحديث عن كتب قرأها، وكتّاب، ومترجمين ودور نشر، وعادات قراءة، وكيفية الحصول على الكتب، ومختارات من معارض الكتاب وهكذا.. وقد انتشر البوكتيوبنق عام ٢٠٠٩ في بعض الدول الغربية، ثم تابع الانتشار إلى باقي دول العالم، وكان لنا منها نصيب في العالم العربي، فقد ظهرت بعض قنوات البوكتيوب ذات المحتوى الرائع والمفيد.
ومن تلك القنوات المتميّزة بشدّة قناة "دودة كتب" التي تقدّمها ندى الشبراوي، وهي فتاة مصرية من مواليد ١٩٩٥ خريجة كلية الحقوق قسم اللغة الإنجليزية. بدأت ندى قناتها قبل ثلاث سنوات، ووصل عدد المشتركين في القناة إلى أكثر من ٩٠ ألف مشترك، تطرح ندى محتواها بطريقة عفوية وسلسة جداً، وبنفس الوقت ممتعة وهادفة لمن يهوى الكتب وعالم القراءة. ففي الوقت الذي تنتشر فيه الكثير من الكتب ويصعب الاختيار منها، تسلّط ندى الضوء عبر قناتها على الكتب التي تقرأها، وبطريقة بسيطة وشيّقة تعطي المتابع لمحة عن الكتاب دون تلخيصه أو عرض محتواه -"لكيلا تحرقه" على حد تعبيرها- وتخصص بعض الحلقات القليلة للحديث عن بعض الكتّاب، مثل: هاروكي موراكامي ورضوى عاشور.
تعمل القناة على كسر الصورة التقليدية للشخص المثقف الذي يجلس خلف الطاولة لابساً نظارة عريضة، شخص منطوٍ وغامض وكئيب، ولا يتمنى الآخرون أن يكونوا مثله، وتستبدلها بصورة المثقّف القارئ المرح الذي يحب الخروج والأنشطة المختلفة، والقراءة جزء مهم من حياته، فهي ترى أن القراءة ستجعل من المتابع شخصاً أفضل في حياته أياً كان اهتمامه وأسلوبه في الحياة.
لا تتخصص القناة بنوع أدبي معيّن بل تأخذ متابعيها إلى عوالم مختلفة وأساليب جديدة في عالم الأدب، انتقالاً من الأدب التشيلي إلى الأدب الياباني، من الغرب الأقصى إلى الشرق الأدنى. وليست الكتب الأدبية النوع الوحيد الذي لقي له مساحة في قناة دودة كُتب بل تتطرق في بعض الأحيان إلى كتب غير أدبية أيضاً.
تعرض ندى الكتب مفرّقة في بعض الأحيان وضمن تصنيفات معينة تطرحها هي أحياناً أخرى، من تلك التصنيفات: (روايات أنقذتني من على شفا الهاوية، كتب رشحتها كتب، روايات غريبة جداً، كتب ع الماشي، روايات فاجأتني بحلاوتها، روايات قصيرة تخلص في قعدة، روايات حاصلة على جائزة المان بوكر..)
لم تنسَ "دودة كتب" عرض تجاربها في عالم الكتب، لذلك خصصت بعض الحلقات للحديث عن تجاربها ونصائحها في عالم الكتب والقراءة، مثل عرض تجربتها مع استخدام جهاز "الكندل"، وتجربتها مع الكتب الصوتية، ومن عناوين الحلقات المليئة بالنصائح التي توجهها إلى المتابعين: (نصائح معرض الكتاب، طريقة اختيار كتب السفر، إزاي أستفيد من الكتاب؟ روايات إنجليزي سهلة، طريقة تنظيمها للقراءة والمذاكرة، أرتب وقتي إزاي ما بين المذاكرة والكتب..).
لولا "دودة كتب" لَمَا تشجَّعت لاستخدام تطبيق "ستوري تل"، والذي لم أتعرّف عليه إلا بعد أن تحدّثتْ عنه ندى الشبراوي وبوكتيوبرز آخرون، وقد أفادني ذلك التطبيق بشكل كبير، وأعتبره ثورة تغيير في حياتي، خاصة أنني أقضي الكثير من الوقت في أعمال المنزل، ولا أملك الوقت الكافي لقراءة كل الكتب التي أريد قراءتها، فاستطعت استثمار وقتي من خلال سماع الكتب أثناء قيامي بالأعمال الأخرى، ومن تلك الكتب التي استمعت إليها عبر ستوري تل: روايات 1984، ومزرعة الحيوان لجورج أورويل، ورواية بريد الليل لهدى بدركات، ورواية خان الخليلي لنجيب محفوظ.
ولولا قناة دودة كتب لما علمت أنَّ هناك أدباً تشيلياً عظيماً يستحق أن ننظر إليه، وقد تحدّثت ندى الشبراوي أكثر من مرة عن الروائية التشيلية إيزابيل أليندي، والتي لم أسمع عنها إلا من خلال القناة، فقرأت لها الجزء الأول من مذكراتها الشخصية (باولا)، ومازلت أبحث عن أعمالها الأخرى، كما أنّي لم أعلم أنّ هناك روائية عمانية كتبت رواية نالت جائزة المان بوكر سوى من خلال القناة، وكانت تلك الروائية هي جوخة الحارثي، وفازت روايتها (سيدات القمر) بالجائزة، وبعد أن علمت عن الرواية من خلال القناة حصلتُ عليها وقرأتها، وإلى الآن أعتبرها أفضل رواية قرأتها على الإطلاق.
قالت ندى في إحدى حلقاتها متحدّثة عن تجربتها في يوتيوب: "اليوتيوب كان وسيلة هايلة لأن أنا أقدر أدردش عن أكثر حاجة بحبها: الكتب"، وذكرت في نفس الحلقة أنها تفضّل لقب صانع محتوى على لقب (يوتيوبر). قناة دودة كُتب قناة رائعة جداً وتستحق المتابعة خاصة لمحبي الكتب، وحتى إن لم تكن من محبي الكتب فقد تجذبك هذه القناة إلى القراءة، لذلك أنصح الجميع بمتابعتها لأخذ الفائدة مع التسلية في آن واحد، ولاختصار مشوار البحث عن الجميل من الكتب وما تتوقع أن تستمتع وتستفيد من قراءته.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.