أعظم أطباء العيون المسلمين، دُرِّس كتابه في أوروبا حتى القرن 18.. علي بن عيسى الكحال

اهتم أطباء العرب والمسلمين منذ بداياتهم بطب العيون الذي ازدهر زمن الدولة العباسية، وكان الكحّال أي طبيب العيون له مكانة مرموقة في المجتمع الإسلامي، وقد برز الكثير من الكحالين الذين كانت لهم إنجازات عظيمة في طب العيون أفادوا بها العالم، منهم علي بن عيسى الكحال.

عربي بوست
تم النشر: 2020/05/19 الساعة 12:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/19 الساعة 12:34 بتوقيت غرينتش
علي بن عيسى الكحال

اهتم أطباء العرب والمسلمين منذ بداياتهم بطب العيون الذي ازدهر زمن الدولة العباسية، وكان الكحّال أي طبيب العيون له مكانة مرموقة في المجتمع الإسلامي، وقد برز الكثير من الكحالين الذين كانت لهم إنجازات عظيمة في طب العيون أفادوا بها العالم، منهم علي بن عيسى الكحال.

مرجعيّة الأطباء وأشهر طبيب عيون

وُلد ابن الكحال في عاصمة الدولة العباسية بغداد، ولم يحدِّد المؤرخون تاريخ مولده، إلا أنّهم حددوا تاريخ وفاته عام 1039 في بغداد، حيث كان يعمل في البيمارسـتان العَضُدِي (نسبة لعضد الدولة بن بويه) كحّالاً وأستاذاً، فقد كان الكحال مهتماً بدراسة طب العيون منذ طفولته، حتى كبر وتتلمذ على يد أبي الفرج بن الطيّب.

وقد نال الكحال شهرة واسعة ومكانة مرموقة في عصره، قال عنه الطبيب ابن أبي أصيبعة في كتابه "عيون الأنباء : "كان مشهوراً بالحذق في صناعة الكحل، متميزاً فيها، وبكلامه يُقتدَى في أمراض العين ومداواتها".

يُعتبر كتاب "تذكرة الكحَّالين" الذي ألفه الكحال، من أشهر كتبه وأحد أشهر كتب طب العيون في الحضارة العربية الإسلامية، فقد كان مرجعاً لمن أراد دراسة هذا المجال، وهذا ما أكده جمال الدين القفطي في كتابه "إخبار العلماء بأخبار الحكماء" بقوله: "إن كتاب تذكرة الكحالين كان من المصادر الهامة في طب العيون".

أمّا المستشرق الألماني المعروف هيرشبرغ، والذي ترجم كتاب "تذكرة الكحّالين" للألمانية، فقد اعتبر أن الكتاب يمتاز بحسن التصنيف وبراعة العرض ووضوح العبارة، إضافةً إلى تفوّقه في الدقة العلمية والمنهجيّة، مع غنى التجربة الشخصية سواء في فنّ المداواة أو فـي الأعمال الجراحية، ناجمٌ عن خبرة طويلة في الممارسة العملية والتدريس، إضافة إلى موهبة نادرة اتسمت بالبلاغة وسلاسة الأسلوب.

علي بن عيسى الكحال
رسمه لاختصاصي العيون المسلم وهو يمارس عمله

ويؤكد هيرشبرغ أنّ هذا الكتاب أصبح قانوناً يسير عليه أطباء العيون العرب من بعد الكحال، باعتباره مصدراً أساسياً لهم. وقد نقل عنه جميع المؤلفين الكبار في طب العيون، وأشهرهم الغافقي، والحريري، وخليفة ابن أبي المحاسن الحلبي، ويحيى بن أبي الرجاء، وصدقة بن إبراهيم المصري الشاذلي، كما تأثّر به ابن النفيس وتقيّد بأسلوبه في التصنيف.

وتكمن أهمية هذا الكتاب فيما تضمّنه من شرحٍ وتفسيراتٍ لكلِّ ما يتعلق بعين الإنسان، إذ قسم الكحال كتابه إلى ثلاث مقالات تحدث فيها عن تشريح طبقات العين والأعصاب والعضلات وكيفية حدوث البصر، وأمراض الجفن والقرنية والحدقة، كما تحدث عن الأمراض غير الظاهرة التي تصيب العين.

يقول الكحال في مقدمة كتابه: "بيّنت فيه جميع ما يحتاج إليه في علاج أمراض العين؛ وذلك أنه قد تدعو الضرورة في بعض الأوقات إلى النظر في الكتب في علاج مرض من الأمراض ليستغني به عن النظر في الكتب الكبار، ويصلح أيضاً للأسفار، ويُغني عن حمل الكتب الكثيرة، وقد ذكرتُ فيه جميع الطرق الطبية المحتاج إليها في علاج أمراض العين، مع ذكر الدلائل والأسباب والمداواة لجميع أمراضها المتشابهة الأجزاء منها والآلية، وما يكون فيها من تفوُّق الاتصال".

إنجازات علي بن عيسى الكحال في طب العيون

كان علي بن عيسى أوّل من اقترح واستخدم التنويم والتخدير بالعقاقير في العمل الجراحي، خصوصاً عندما يتعلق الأمر في العين. كما أنه وضع رؤية مبدئية فسّر بها عملية الإبصار، موضحاً أن الروح الباصر يخرج من العين ليقيس المنظورات، ثم يعود إلى العين ويدخلها ليطبع صورها على الدماغ، وهي خطوة أولى مثَّلت نقطة انطلاق بدأ منها فيما بعد الحسن بن الهيثم، واضعاً يده على أسرار الحقيقة الكاملة لعملية الإبصار.

استطاع الكحال أن يُقسِّم أمراض العين إلى أمراض ظاهرة للحسّ، وأمراض خفيّة عنه، فالظاهرة هي التي يستطيع الطبيب رؤية علاماتها ويستطيع متابعة تطور أعراضها، كأمراض القرنية والقزحية والأجفان، أما الخفية فهي تلك التي تخفى على حـسّ الطبيب الفاحص. 

كما وصف الكحال التهاب الشريان الصدغي و القحفي، والعلاقة بين هذين الالتهابين واضطراب الرؤية في مرض الشقيقة "الصداع النصفي"، حيث ذكر في كتابه: "قد تعالج أوجاع الشقيقة والصداع، والذين تعرض لهم نزلات مزمنة في الأعين، أو نزلات الأصداغ، حتى ربما خيف على البصر من التلف".

ووضح الكحال العلاقة بين الشرايين الملتهبة وأعراض الرؤية، وذلك أثناء بحثه عن سِلِّ الشرايين وكيّها، كما شرح أمر الماء النازل في العين، وتحدّث عن جميع أمراض العين، كبثور القرنية وسرطاناتها وتغيُّر لونها، وأمراض الحدقة وضيقها وانخراقها، وعن أمراض الجفن كالجرب والتحُّجر، والحكَّة، وفي استرخاء الجفن، والقروح والدمعة واللحم الزائد عليها.

ومن خلال كتاب "تذكرة الكحالين"، تتضح أخلاق الطبيب الكحال المهنية والتي نقلها للكحالين من بعده، فيجب أن يتّسم الطبيب بالرأفة تجاه المريض، والحذر في وضع التشخيص، والتأنّي في العمل الجراحي، لاستيعاب جميع جوانب المرض. 

كتاب تذكرة الكحالين في أوروبا

نال كتاب "تذكرة الكحالين" اهتماماً واسعاً في أوروبا، وتُرجم إلى اللاتينية في العصور الوسطى وطبع في فيينا عام 1497، وكذلك ترجم إلى اللغة الفارسية والتركية، وكان الكحال يُعرف في أوروبا باسم "جيزوهالي".

ويخبرنا المستشرق الألماني هيرشبرغ بأنّ كتاب الكحال ظل يدرَّس في أوروبا حتى القرن الثامن عشر، فهو من أصح وأدق الكتب التي وصلت أوروبا في هذا الفن، ويقول: "إننا لا نجد في أوروبا قبل بداية القرن الثامن عشر الميلادي كتاباً يرقى إلى مستوى هذا الكتاب".

وهذا ما أكده أيضاً الفيلسوف والمؤرخ الأمريكي ويل ديورانت وزوجته أريل ديورانت، في كتابهما "موسوعة قصة الحضارة"، أن "علي بن عيسى أعظم أطباء العيون المسلمين، وقد ظلَّ كتابه تذكرة الكحالين يدرس في أوربا حتى القرن الثامن عشر".

وكما ذكرنا، فقد ترجم المستشرق الألماني هيرشبرغ كتاب "تذكرة الكحالين" إلى اللغة الألمانية في عام 1904، كما قام الأمريكي كيسي وود بترجمته إلى الإنجليزية في جامعة نورث وسترن في شيكاغو عام 1936.

علامات:
تحميل المزيد