ما يسقط من الروح يتعذر جمعه.. عن دورة الحياة الكئيبة أتحدث

عربي بوست
تم النشر: 2020/05/12 الساعة 11:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/12 الساعة 11:47 بتوقيت غرينتش
ما يسقط من الروح يتعذر جمعه.. عن دورة الحياة الكئيبة أتحدث

هناك أعمال أدبية نصادفها ونسمع عنها، وتكون تلك أعمالاً مختارة كما ينبغي لتليق بذائقتنا الأدبية وقناعاتنا وآرائنا حول الحياة. تبدو رواية "حارة سر الدين الفلواتي" مثالاً حياً علی ما بدأت به المقال. أعرف الكاتب "هشام عيد" وقرأت له أغلب أعماله، ولكن عملاً كهذا يُعد الأكثر قتامة، والأكثر نضجاً، والأكثر قدرة علی وصف الحياة علی أنها دورة كئيبة.

العمل يدور عن عالمنا القبيح، بفقره، وبؤس أغلب أفراده وعدم خضوعهم تحت أي مبدأ أو دين، هم يفعلون العيب والحرام ولا يرون الله ولا يعرفونه، كفراً به من قسوة ما عرفوه ورأوه، لعدم إيمانهم بوجوده من الأساس أمام وجود الجوع والفقر والبرد والعوز، وبيع الجسد مقابل المال، أو تحرشات الخال بأبناء أخته للحصول علی نشوة لا یُبذل فيها أي مجهود. حينما تساوي حزمة الجرجير استباحة جسد طفلة صغيرة، ويكون الطعام ثمنه ليلة جنسية مع بنت لم تتخط العشرين، ويكون اختلاط الأنساب في أعقد حالاته بين الأخ وأخته والجار وجاره المقابل، ويكون جر الشكل متعة البعض فقط من أجل ممارسة السلطة وإيذاء الآخرين، ويكون العالم غارقاً في الأوساخ. 

"ما يسقط من الروح يتعذر جمعه ويترك رغم ذلك الكثير من الندب. إيناس شلول أديبة أردنية."

الحياة حرب، نجد أنفسنا في خضمها بعد أول دقائق لنا علی الأرض، نظل نبحث عن طعامنا وأمننا، عن الشعور بالدفء والراحة، عن إيجاد معنی، ولكن، بمجرد أن تزيد أعمارنا، تزيد الحياة بطشها، ونفقد الرغبة في الحصول علی ما كان مهماً بالأمس، وتتحول الحياة أمامنا إلی خصم عنيد، يجب أن نفوز أمامه بكل الطرق القذرة وغير المشروعة، فقط كي لا يداهمنا الجوع، أو يهزمنا القهر.

"التفسير الحقيقي لما يحدث ليس له وجود، لكن أكيد الرحمة تصلح أشياءً كثيرة."

في الفقر، الأكثر انتشاراً بيننا، لا نعرف حكايات من ينامون دون طعام أو مأوی، ولا نعرف حكايات الغرف التي تضم عشرة أشخاص في مساحة لا تكفي شخصين، وخلف كل طفل عار يجري في الشارع، أو في إشارات المرور يبيع مناديل، قصص وحكايات متشابكة بصورة معقدة، لدرجة قد تجعلنا نرفض تصديق أن هناك بعض الناس يتوقف إطعامهم علی قدرتهم علی جر الشكل ورمي البلاء، ورمي الناس بالباطل والشهادة الزور، هم لا يعرفون الله لأنهم يرون الجوع والفقر والعوز والاحتياج، ورأوا الشيطان بأم أعينهم في أناس محددة تتواجد أمامهم كل يوم، هم لم يروا من الله شيئاً كي يؤمنوا به.

"كعادتها، تنظر إلی الظروف كلها، الموت والحياة والصحة والمرض، كأحوال تمر بالبشر لا يمكن أن يغيرها حزن أو سرور."

الحياة معضلة فلسفية في الأصل، كل شخص منا يبحث عن معناها، وسبب وجودها ووجوده فيها، البعض لا يری سوی السنين التي يعيشها هنا، يعارك فيها الحياة فتسقطه في الوحل، وهو لا يهتم إلا بالظفر أياً كانت الطريقة، لا يهتم إلا بالحصول علی النشوة أياً كانت طريقتها دون النظر لمصطلحات الحرام والعيب واللعنة التي تصاحب الفاسقين، بعض البشر يرون فيما بعد الموت امتداداً للحياة، هذه طريقة تمكنهم من عيش الحياة وقبولها، لأنهم يعرفون أن الله ينظر لهم ويرضی لصبرهم علی بلائهم، البعض يعبد المال -عبد الجنيه- لا يری غيره إلهاً، يری أن الحياة الحقة في امتلاكه كي لا يعيش محروماً من لذة الشبع أو لذة الحصول علی امرأة كصيد ثمين بماله.

في الحياة تتقاطع الطرق بيننا وبين من هم أفضل وأسوأ منا، مع من يعبدون السلطة وكلابها، ومن يبيعون أهلهم ولحمهم مقابل الجنيه، ومن يطمعون في الحصول علی أجساد جيرانهم وأخواتهم وأبناء أخواتهم لترضية الغريزة، الحياة معركة ما إن نتلوث بوساختها حتی نبدأ أول اختبار، ومن ثم نوضع علی أول وأصعب اختبار، هل نكمل الحياة نتعارك معها في الوحل، أم نزهد فيها كناسك متعبد يرغب في رضاء الله.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سيد عبدالحميد
كاتب مقالات وقصص قصيرة
كاتب مقالات وقصص قصيرة
تحميل المزيد