قبل أكثر من 500 عام، قرر الرحالة الإيطالي كريستوفر كولومبوس القيام برحلة استكشاف عبر المحيط الأطلسي، حيث نسبت كتب التاريخ الفضل له في اكتشاف الأمريكيتين، واستعمار الأوروبيين لها بعد ذلك، لكن قبل هذا التاريخ بـ 400 عام اكتشف آخرون هذا العالم الجديد.
وفي قصة تاريخية أخرى -لاقت رفضاً واسعاً- وقعت أحداثها في وقت ما في منتصف القرن الحادي عشر، وصل الفايكنغ الدنماركيون قبل كولومبس إلى "هذا العالم الجديد".
القصة تحكي عن فايكنغ من شليسفيغ (مدينة ألمانية) ودانيلاو (منطقة شمال وشرق إنجلترا حالياً) إلى سانتوس في البرازيل وانتقلوا داخلياً إلى باراغواي، من تلة محصنة بالقرب من الحدود البرازيلية، واحتلوا موقعاً دفاعياً لفترة تصل لقرنين من الزمان ليراقبوا جبلاً صغيراً قريباً.
ففي القرن العشرين، أشارت تقارير إلى أنه تحت الجبل الخاضع للمراقبة، اكتُشِفَت منطقة كبيرة بُنيت جدرانها وسقفها من الخرسانة لا يمكن اختراقها ويُعتقد أنها تخفي شبكة من الأنفاق، وعبر النقوش الصخرية الرونية اكتشف العلماء الكثير عن وجود الفايكنغ في أمريكا الجنوبية.
استعرض موقع Ancient Origins الأيرلندي بعض الحكايات عن الفايكنغ الذين تواجدوا في القارة الأمريكية قبل كولومبوس، لكنها تظل حكايات تحتاج إلى المزيد من البحث لتدقيق الرواية، كما يرفضها الكثيرون، إلا إنها تمنحنا منطلقاً للتفكير.
عظام كلاب دنماركية قديمة في أمريكا الجنوبية
لا يعترف المؤرخون الأكاديميون بشكل عام بوجود زوار أوروبيين إلى أمريكا الجنوبية إلا بعد وصول كريستوفر كولومبوس. لذلك، بالنسبة لهم، فإن كل الحديث عن سفر الفايكنغ إلى أي مكان جنوب نوفا سكوشيا قبل عام 1492 ميلادية ليس مجرد افتراض، بل محض خيال.
لكنّ المؤرخين المؤيدين لنظرية الفايكنغ لديهم قصص تؤكد روايتهم، مثل: كلب الرعي الدنماركي المكتشف من بنداسو (بحيرة دنماركية). كان من عادة شعوب الإنكا قبل الغزو الإسباني تحنيط أجسامهم مع كلابهم بعد الوفاة، واكتشفت كلاب من سلالة دنماركية تؤكد هذه النظرية.
إذ خضعت مجموعة متنوعة من الكلاب، المكتشفة بمقابر أنكون في تشيلي عام 1885، للتحليل من قبل اثنين من علماء الحيوان الفرنسيين في خمسينيات القرن العشرين، وأكدا أن هذا التنوع لا يمكن أن ينحدر من الكلاب البرية في أمريكا الجنوبية. وقاما بمطابقة هذه الكلاب مع الكلاب من فصيلة L.patustris Rut، التي اكتُشِفَ العديد من بقايا هياكلها العظمية، كلها في بونداسو في جزيرة ألس بمقاطعة جوتلاند الدنماركية.
هذه المصادفة التشريحية تعتبر مثالية، لكن الصعوبة تكمن في تفسير كيفية وصول هذه الكلاب الدنماركية إلى أمريكا الجنوبية قبل الغزو الإسباني. وحَّد العلماء الفرنسيون تفكيرهم معاً وقرَّروا: "لا بد أن الفايكنغ الدنماركيين قد أعطوا بعض كلاب الرعي الخاصة بهم في بونداسو إلى الفايكنغ النرويجيين الذين أخذوها فيما بعد إلى فينلاند. عندما طُرِدَ السكان النرويجيون من فينلاند من قبل السكان الأصليين، لا بد أن تلك الكلاب قد نقلت من فينلاند إلى كندا الحديثة حيث انتقلت من يد إلى أخرى جنوباً من قبل القبائل التي لم ترغب فيها، بما في ذلك انتقالها عن طريق البر والبحر ثم تسلق الجبال إلى بيرو حيث تبنتها شعوب الإنكا".
كان هذا التفسير غير المنطقي هو النظرية العلمية الوحيدة المتاحة، التي تتناسب مع التاريخ المقبول لاكتشاف الأمريكتين. ولكن إذا كانت هذه الرواية خاطئة، فقد يكون التفسير الأكثر شيوعاً هو أن الفايكنغ الدنماركيين أحضروا الكلاب معهم عندما أبحروا إلى أمريكا الجنوبية من أوروبا في القرن الحادي عشر.
محمية الفايكنغ في باراغواي
في عام 1085، كان لملك إنجلترا كنوت الثاني 1700 سفينة يستخدمها في "التوسع الغربي". وللإبحار لمسافات أكبر، كان هناك نوع خاص من الشراع الصوفي الذي طُوِّرَ من أجل تسريع السفن والإبحار بسرعة أكبر ضد الرياح، وذلك حسبما أثبتت التجارب التي أجراها متحف سفن الفايكنغ في روسكيلد بالدنمارك. الأمر الغريب بالنسبة للأوروبيين من القرن الحادي عشر إلى الآن أن الدنماركيين (الفايكنغ في شليسفيغ) في هذه القصة كانوا يعرفون بالضبط إلى أين يتجهون.
لقد جاؤوا إلى الشاطئ في سانتوس، البرازيل، ووجدوا المسار الذي جرى إعداده مسبقاً لفترة طويلة، وشقوا طريقهم سيراً على الأقدام إلى المرتفعات الواقعة في أمامباي، على بعد 25 كيلومتراً جنوب شرق مدينة بيدرو خوان كاباليرو الحديثة في باراغواي.
سيرو كورا، عبارة عن حلقة من ثلاثة جبال صغيرة يبلغ عرضها خمسة كيلومترات. على بعد ثلاثة كيلومترات شمال هذه الحلقة يقع جبل Itaguambype، الذي يعني "القلعة". قبل وقت طويل من وصول الفايكنغ المفترض، جرى تجويف الجبل لجعله على هيئة قلعة، ومن هنا جاء اسمه.
كان عالم الأنثروبولوجيا الذي بحث في المنطقة في سبعينيات القرن العشرين، جاك دي ماهيو، عالم أنثروبولوجيا فرنسياً أرجنتينياً وقائداً للمجموعة الإسبانية النازية الجديدة CEDADE، حيث اقترح العديد من نظريات الاتصال بتلك الأرض قبل قدوم كولومبوس، وادعى أن بعض مجموعات السكان الأصليين في أمريكا الجنوبية ينحدرون من الفايكنغ. من خلال ملاحظاته، قرر أنه خلال بعض الفترات الزمنية غير المحددة في الماضي، كان الغرض من هذا البناء هو توفير نوع من مراكز المراقبة العسكرية الكبيرة الكافية لتوفير الحماية لمستوطنة أو ملاذ.
يقع الجبل المنخفض Itaguambype على محور بين الشمال والجنوب. يبلغ طوله كيلومترين وارتفاعه مئة متر. هذه القلعة السابقة عبارة عن قسم مستقطع في الطرف الجنوبي، بطول 300 متر مع فتحة بعرض 20 متراً للوصول. وجوانب القلعة من الصخور الطبيعية، فيوجد على ربع الطريق صعوداً من الأرض فوقها كتل من الأحجار غير المتساوية الحجم المصممة خصيصاً لتتناسب معاً بسلاسة تامة بالطريقة المماثلة للجدران المضادة للزلازل في بيرو وبوليفيا.
على طول القمة، يمتد مسار مسطح بعرض 3 أمتار، في الطرف الجنوبي يوجد منصة مع أنقاض برج مراقبة مستدير بارتفاع 5 أمتار فوق القمة للحصول على بانوراما للمنطقة بأكملها ولكن بشكل خاص سيرو كورا. ربما جرى التخلي عن القلعة إما في حوالي عام 1250، عندما نجح تمرد محلي في طرد الفايكنغ، وإما في وقت سابق بمجرد أن وفت القلعة بغرضها الحقيقي.
كذلك مما يضيف من أهمية المنطقة وجود المعبد النرويجي في تاكواتي والذي نُقِّبَ عنه في سبعينيات القرن العشرين، وحقيقة أن إجمالي النقوش الرونية المنحوتة في باراغواي يصل إلى الآلاف ويتجاوز تلك الموجودة في جميع الدول الإسكندنافية: تُرجمت 71 من تلك النقوش من لهجة فوثارك في أمريكا الجنوبية. وعُثِرَ على نقش روني مكون من 5 أحرف داخل جبل Itaguambype ولكن كان من الصعب ترجمتها.
بعد 700 عام.. رحلة البحث عن كنز التي قضت على ملك عظيم
فريتز بيرغر هو مهندس ميكانيكي من مواليد ما كان آنذاك يعرف باسم سوديتنلاند على الحدود الألمانية. خدم جيش باراغواي خلال حرب تشاكو بين باراغواي والبرازيل في 1932-1935، وتحديداً في إحدى ورش عملهم لتجديد أسلحة العدو التي جرى الاستيلاء عليها. ومن عام 1935 حتى عام 1940، ذكر أنه نقب دون جدوى عن رواسب النفط في ولاية بارانا البرازيلية، لكن على الأرجح في هذه الفترة قام بجمع المعلومات التي أدت إلى البحث الذي أعقب ذلك.
في فبراير/شباط 1940، عبر بيرغر إلى باراغواي عند نقطة الحدود بيدرو خوان كاباليرو واتصل بجيش باراغواي. نتيجة لما قاله لهم، اتفقوا على تكوين شركة معه تعرف باسم Agrupación Geológica y Archaeológica (AGA). نص بند في الاتفاق على أن يكون الكنز المكتشف ملكاً لباراغواي. كان الموقّع في باراغواي الرائد سامانيغو، ولاحقاً وزير الدفاع في باراغواي.
في قلب هذا العقد كانت توجد أسطورة ملك أمامباي الأبيض. يتعلق التقليد بما يلي:
"في تلك الأيام ساد في هذه المنطقة ملك قوي وحكيم يدعى إبير. كان أبيض اللون وله لحية شقراء طويلة. عاش في مجتمع يقع على قمة الجبل مع رجال من عرقه ومحاربين هنود موالين له. كان يمتلك أسلحةً مخيفة ويحوز ثروات هائلة من الذهب والفضة. ولكن في أحد الأيام هاجمته قبائل وحشية واختفى إلى الأبد. هذا ما قاله لي والدي، حيث سمع ذلك من والده".
يجب أن يلاحظ القارئ هنا أن الملك إبير لم يتم تحديد هويتة قط، وأن أتباعه "اختفوا" وليس هناك ما يشير إلى أنهم ذُبحوا.
كان لدى بيرغر مراسلة في ميونيخ يراسلها من حين لآخر ليصف التطورات في باراغواي، ربما لتمريرها إلى الحكومة الألمانية، وجرى نقل نسخ من هذه الرسائل إلى عالم الأنثروبولوجيا "دي ماهيو" في وقت لاحق لإدراجها في كتابه. في مايو/أيار 1940، كتب بيرغر إلى ميونيخ ليشير إلى أنه علم بوجود أنفاق في منطقة سيرو كورا "بطول 130 كيلومتراً". بحلول أكتوبر/تشرين الأول 1941، كان قد رسم خطة للمنشآت والمخططات الموجودة تحت الأرض لأربعة أنفاق، بما في ذلك القياسات الدقيقة ولكن كانت هناك معلومات غير كافية لتحديد مواقع المداخل المختلفة.
الجبل الأصلع الغامض واللوح الذي لا يمكن اختراقه
في يوم آخر في عام 1940، استناداً إلى معلومات غامضة ربما جلبها معه من البرازيل، لاحظ بيرغر بالصدفة وجود صخرة كبيرة على ارتفاع 40 متراً في اتجاه عشرة كيلومترات جنوب-جنوب شرق سيرو كورا. كانت الصخرة مكونة من جزأين ومغطاة بنباتات كثيفة في منتصف الطريق نحو الأعلى. لهذا السبب أطلق عليه السكان الأصليون -سيرو كورا- الجبل الأصلع".
هذه الأسباب السرية لبيرغر وراء رغبته في الحفر هناك أقنعت الرائد سامنياغو بإقامة معسكر عسكري دائم ذي منازل خشبية على بعد عشرين متراً من الجبل الأصلع، كما أعاد تسمية سلسلة التلال باسم "سيرو إيبر". وبمجرد أن بدأ خبراء التنقيب في التنقيب، أصابتهم الدهشة عندما عثروا على "قطعة من الذهب على شكل مثلث، والتي بدت وكأنها الزاوية المكسورة من طاولة" و"عصا للمشي برأس ذهبي".
بعد ذلك، بدأ موسم الأمطار، مما أعاق التقدم بسبب الفيضانات: جرى تعليق الحفر حتى لا تتسبب جميع المتفجرات المتاحة في إتلاف لوح كبير من الخرسانة المسلحة الموجود على مستوى الطابق الجبلي بنحو 18 متراً لأسفل. عند هذه النقطة، يتركنا عالم الأنثروبولوجيا "دي ماهيو" نخمن ما حدث بعد ذلك في العام من "نهاية عام 1941" حتى "نهاية عام 1942″، وخلال هذه الفترة أصبح الرايخ الثالث الألماني متدخلاً في الأمر ويبدو أنه وافق على إرسال نوع خاص من أدوات الحفر الهوائية إلى باراغواي.
في هذا الوقت، تحديداً في نوفمبر/تشرين الثاني 1942، أبلغ عملاء أمريكيون ملحقهم البحري في مونتيفيديو عن وصول غواصة ألمانية إلى القاعدة البحرية الأرجنتينية في باهيا بلانكا، وتزامن ذلك مع الزيارة غير المبررة هناك من قبل الرائد بابلو ستاجني، قائد القوات الجوية لباراغواي، المعروف للأمريكيين باسم العميل الألماني "هيرمان".
بعد هذه "المصادفة"، وفقاً لبيرغر، في ديسمبر/كانون الأول 1942، استؤنف العمل في الجبل الأصلع. نقب مهندسو التنقيب في باراغواي في سفح الجبل بشكل غير مباشر للتواصل مع المحور الرأسي. عند 23 متراً، واجهوا مرة أخرى لوحاً ضخماً من الخرسانة، والتي لا يمكن حتى خدشها بواسطة أدوات الحفر المتاحة أو المتفجرات، وتوصف الآن بأنها "مادة اصطناعية بالتأكيد أصعب من الخرسانة المسلحة وغير معروفة للعلم".
لكن بعد محاولات فاشلة أخرى في عام 1944 لنفس السبب، جرى التخلي عن التنقيب. توفي فريتز بيرغر في البرازيل عام 1949. ولا يمكن الوصول إلى هذا الجزء من أمامباي اليوم؛ لأنه تحول إلى منطقة عسكرية.
استنتاج يربط الخيوط لتكوين النظرية
لربط هذه النظرية، باستخدام الأسطورة والأدلة الرونية المحتملة والمشاركة النازية، قبل القرن الحادي عشر بوقت طويل، يتضح أن الملك الأبيض الغني والقوي إيبر وأتباعه، غير المعروفين لمؤرخي العالم، قد سكنوا قمة قلعة جبل Itaguambype. عندما هاجمته قوة متفوقة للغاية من السكان الأصليين، نزل إيبر وحاشيته إلى بر الأمان تحت الجبل الأصلع. ربما جرى إرسال الفايكنغ إلى أمامباي لاحقاً لحماية والإشراف على تركيب السقف الخرساني والجوانب الخرسانية التي لا يمكن اختراقها عبر البوابة أسفل الجبل الأصلع.
المثير للاهتمام في هذه القصة هو أن جميع الممثلين الرئيسيين يخفون شيئاً ما. يلتزم جميع المؤرخين الأكاديميين والعلماء، وبعضهم عن علم، بالرواية التي مفادها أنه لم يصل أي أوروبي إلى أمريكا الجنوبية قبل كولومبوس عام 1492. لذلك، "لم يصل الفايكنغ إلى هناك". لم يكشف فريتز بيرغر أبداً عن مصدر معلوماته حول الجبل الأصلع وشبكة الأنفاق الممتدة عبر البلاد من تحتها، ولكن عندما عبر إلى باراغواي من البرازيل كان يعرف على وجه اليقين إلى أين هو ذاهب وكذلك فعل جيش باراغواي.
قد يكون المؤلف، عالم الأنثروبولوجيا/عالم الآثار جاك دي ماهيو، وهو منبثق من الأخوة العلمية لكونه ضابطاً في الفرقة العسكرية "فان إس إس" الفرنسية، قد كشف الكثير عن "التاريخ المخفي"، في حين أنهم كانوا يفضلون عدم قيامه بذكر هذه الأحداث. بعد عقود من الحرب، لا يزال حلف يمين الذي قسمه لفان إس إس ملزماً له، ولا تزال هناك أسرار ألمانية رسمية فيما يتعلق بالالتزام بالصمت. لذلك، في كتابه، حذف أي ذكر لعام 1942 وتفاصيل المكان الذي جاء منه المثقاب الهوائي.
كان الرايخ الثالث في منتصف حرب كبرى، وكان بالفعل يواجه خطر الخسارة. وكانت نتائجها تعتمد على معركة المحيط الأطلسي، ومع ذلك، كان بإمكانهم توفير نقل الغواصة الألمانية إلى الأرجنتين وعليها المثقاب الهوائي لإجراء حفر أثري في باراغواي. ربما لم يكن اهتمامهم منصباً على الأكواخ الصغيرة للملك إيبر، لكن كان اهتمامهم منصباً على شيئين:
(1) كانوا بحاجة إلى عينة صغيرة من السقف والجدران الخرسانية التي لا يمكن اختراقها في الملجأ السري تحت الأرض للتحليل العلمي للحصول على تركيبة تلك الجدران.
(2) كانوا بحاجة إلى معرفة أين يؤدي النفق أسفل الجبل الأصلع؟