اعتاد محمد طوال السنوات السابقة في رمضان على روتين واحد، قيلولة سريعة بعد السحور، ومن ثم الذهاب للعمل، وبعد عودته ينتظر المغرب لتناول الإفطار بين أبنائه وأسرته، لكنه الآن يقضي اليوم كله في المنزل، وحتى عمله أصبح عن بُعد.
محمد واحد من ملايين المسلمين الذين يعيشون في جنوب إفريقيا، الذين يشكّلون نسبة 1.9% من تعداد سكاني يصل إلى 60 مليون نسمة، أدى الاختلاف العرقي بينهم كهنود وماليزيين إندونيسيون وأفارقة، إلى تنوع طقوس ومظاهر الاحتفال بشهر رمضان.
ذاكره وهي من أصول هندية تقول لـ"عربي بوست" إنهم يبدأون الإفطار عادة بالتمر والماء والمقبلات، السمبوسة والفطائر، ثم صلاة المغرب، قبل تناول وجبة الإفطار الكبرى.
على سبيل المثال، مكرونة أو روتي -نوع خبز- أو شطيرة محمصة، عادة ما يتم استكماله بالشاي، وطبق هلام الحليب التقليدي، أو طبق السميد الحلو والبارد، المسمى "فيرني".
اعتادت ذاكره تقديم "حليم" على المائدة؛ وهو حساء هندي تقليدي، يتم إعداده وتوزيعه على الفقراء مع طرود الطعام، مضيفة أنه في رمضان هذا العام، بسبب الإغلاق، لا يبدو أن هناك العديد من نقاط توزيع الحليم بسبب منع التجمعات.
الأزمة شديدة.. لكنهم يتكافلون
يشتهر مسلمو جنوب إفريقيا بالكرم الظاهر والعطاء للمحتاجين خلال أيام شهر رمضان، جنوب إفريقيا التي تحتوي على أكثر من 700 مسجد و400 معهد تعليمي للدراسات الإسلامية، إضافة إلى كليات العلوم الإسلامية، والتي يبرز دورها خلال شهر رمضان في تقديم المعونات المادية عدا عن نشر تعاليم الدين الإسلامي للمسلمين ولغير المسلمين.
يدرك الناس في جنوب إفريقيا أن الأزمة الاقتصادية شديدة مع الإغلاق الذي تمر به البلاد، إلا أن الجيران يساعدون بعضهم البعض، في حين أن المجتمعات التي لديها موارد أكثر تساعد المناطق التي يوجد فيها نقص في الموارد والأفراد.
تقول ذاكره إن هذه الفترة التي تمر بها البشرية، خاصة خلال رمضان يجب أن تدفعنا إلى مراجعة كيف نعيش حياتنا وكيف يمكن تغيير ذلك للأفضل، وكيف يمكننا من خلال الجهد الجماعي والفردي أن نعتني بالجيران، المحتاجين، ومن لا مأوى ولا عائل لهم.
مؤكدة أن المسلمين خصوصاً بحاجة إلى تصور عالم متغير، "يمكننا تعبئته للتعامل ليس فقط مع المشاكل الحالية نتيجة لفيروس كورونا، ولكن أيضاً للتفاوتات العميقة في ماضينا".
المأكولات لم تتغير.. لكن الطقوس غابت
هذا ويشير بونتي موليتسان، وهو صحفي مسلم من أصول إفريقية، اعتنق الإسلام منذ سنوات، أنهم في عائلته يفطرون على الأطعمة الأساسية لديهم كالعصيدة وهي طعام يتم تناوله عادة كطبق حبوب الإفطار، مصنوع من نباتات النشا المطحونة في الماء أو الحليب، إضافة إلى الدجاج والخبز محلي الصنع.
ويسهم الإعلام الإسلامي بجنوب إفريقيا في نشر رسالة رمضان، فيما تبث المحطات الإذاعية الإسلامية الخاصة صلاة التراويح تقريباً في كل محافظة ذات كثافة سكانية مسلمة، متوزعة في ثلاث محافظات رئيسية هي جوهانسبرغ، كيب تاون وديربان.
بينت رابينا خان، وهي كاتبة بريطانية تقيم في جنوب إفريقيا، أن قيم الشهر الكريم ستكون أكثر وضوحاً، "حيث سيختبر نقص الغذاء قدرتنا على الصمود أكثر من أي وقت مضى وسيجعلنا أكثر وعياً بمن هم أقل حظاً منا، وبالتحديد الضعفاء والمحتاجين والجائعين".
وأوضحت خان أنه بالرغم من أن العزلة الاجتماعية تمنعهم من الاحتفال في مجموعات كبيرة، إلا أنه لا يزال بإمكانهم توسيع نطاق المعونات للأشخاص الذين يقيمون في العزل الصحي والمحتاجين عن طريق ترك سلال من الطعام، والمواد غير القابلة للتلف، على أبوابهم مع الاحتفاظ بالمسافة الآمنة المقررة لمنع انتشار الفيروس.
وطن دافئ
على مدار أجيال باتت كيب تاون وجنوب إفريقيا بالنسبة إلى المسلمين وطناً لا غنى عنه، ومن المعروف أن الاستعمار الهولندي جلب الكثير من أهالي إندونيسيا كعبيد، في القرنين السادس عشر والسابع عشر. وخلال فترة نظام الفصل العنصري كان الجزء الذي يعيش فيه المسلمون من الكيب معروفاً باسم "كيب مالي"، للدلالة على العرق الأصلي الذي يحذر منه أهل المنطقة، والمنتشر حالياً في إندونيسيا وماليزيا وتايلاند وسنغافورة، فيما يعدّ في جنوب إفريقيا بحسب الإحصاءات أكثر من 300 ألف نسمة.
يقول عدلي بيك، الذي ينحدر من أصول الكيب مالي، أن رمضان هذا العام ولأول مرة في تاريخ مدينة كيب تاون، يتيم من الأطفال الذين يلعبون في الشارع ويطلبون كعك رمضان من الجيران كما هي العادة والتقاليد في المدينة.
وتميزت مدينة كيب تاون لعدة سنوات بعمل موائد إفطار جماعية للمسلمين ولغير المسلمين في كل رمضان، حيث تحضر كل عائلة وجبات طعام الإفطار الخاصة بها وتشاركها مع الناس والمحتاجين في مائدة كبيرة تشكل صورة مميزة لمسلمي جنوب إفريقيا.
وتبدأ المنظمات الإسلامية بجنوب إفريقيا عملها الخيري قبل رمضان في سبيل رفع قدراتها التمويلية، ليساعدوا بها فقراء المسلمين، فيما تشهد المساجد في الشهر الكريم إقبالاً من أعداد كبيرة من المسلمين وتضاء معظمها بالكامل من الخارج بالأضواء الخضراء احتفالاً بالشهر الكريم مثل مسجد "نزاميا".
يُذكر أن الأقلية المسلمة في جنوب إفريقيا يهيمن على تركيبتها، المسلمون من الأصول الإندونيسية المالاوية، والهنود حيث يمثلون 96% من إجمالي المسلمين هناك.
ولا تزيد نسـبة المسـلمين من أصحاب البشرة السمراء على 10% من إجمالي عدد المسلمين في البلاد، رغم أنهم يمثلون 87%، وهو أمر ساهمت فيه سياسات التفرقة العنصرية التي كانت سائدة حتى عام 1994م، ويتركز العرق الإندونيسي الماليزي المسلم في منطقة "الكيب" بجنوب إفريقيا، أما العرق الهندي فيتركز في إقليم "الناتاتل".
ويأتي شهر رمضان هذا العام في ظل وجود فيروس كورونا، وما زالت جنوب إفريقيا تحمل عدد الإصابات المؤكدة الأكبر في القارة حتى الآن بحصيلة وصلت إلى 5647 إصابة.