مثيرة للجدل، فازت بجائزة البوكر.. قراءة ثانية لرواية “بريد الليل”

عدد القراءات
3,291
عربي بوست
تم النشر: 2020/05/02 الساعة 15:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/02 الساعة 15:25 بتوقيت غرينتش
مثيرة للجدل، فازت بجائزة البوكر.. قراءة ثانية لرواية "بريد الليل"

الرواية التي ما زالت تحدث الجدل بذكر اسمها، الفائزة بجائزة "البوكر" لعام 2019. "بريد الليل" للروائية اللبنانية "هدی بركات"، العمل من نوعية أدب الرسائل، إذا صح هذا التصنيف فيجب عليّ القول أن تلك الرسائل إنسانية وشاعرية جداً. كُتبت علی يد رجال ونساء، مهاجرين ومغتربين في أوطانهم، كُتبت لتجمع أكبر قدر ممكن من المشاعر الإنسانية، ولعل هذا أبرز سبب يجعل للرواية رونقاً خاصاً، لأنها تترك أثراً في عمق من يقرأها، وتُشعرك بصدمات عديدة يقشعر لها بدنك.

"أشعر أحياناً بأن الله خلق بعض البشر بلا لزوم. مخلوقات لا فائدة من عيشهم المضني ولا حاجة لأحد إليهم."

المعضلة الكُبری هي حبكة العمل الروائي، التي يراها الكثيرون غائبة عن العمل الفائز بجائزة أدبية كُبری. ولكن، وفي رأيي، أظن أن ما يربط الأبطال ببعضهم هو المعاناة، الألم، الحزن، الوحدة، الاغتراب، الاختلاف، الإحباط، اليأس، عدة مشاعر تربطنا نحن أيضاً ببعضنا، حتی لو لم تتقاطع خيوط حياتنا في ما بيننا، ولكننا نظل شركاء.

"لم يعد هناك مجال للانتقام. لم يعد هناك مجال لكشف الحساب. لا داعي للعودة التي لم أفكر فيها إلا في هواجسي."

الرسائل، في مضمونها تحكي عن معاناة الناس، الفارين من الحرب، الحب، الفقر، الهاربين من جحيم لجحيم آخر. في مضمونها تضم عدة مشاعر، وكأنها خلطة سحرية، تقشعر الأبدان من جمالها، تربطنا جميعاً في سرد غير مترابط مع الشخصيات التي لم تجتمع معاً، ولكن جمعهم العمل الأدبي. وجمعنا نحن علی هذا العمل، الذي تطول فيه الجمل وتقصر، وتوضع فيه علامات الترقيم كملح الطعام، لضبط مذاقه، وجعل كل كلمة في مكانها الصحيح، الذي يدك أقوی الحصون، والذي يجعل كل كلمة مميزة يتم الشعور بحالة كاتبها وبطلها، وتجعلك تشعر بالشعور الذي كان يعتري عدة أشخاص، لم يملكوا أي شيء حيال قسوة العالم، سوی كتابة عدة كلمات كتلك يصفون فيها حقيقة شعورهم.

"أنا حزين فعلًا، إذ أكتب إليك عن ترددي؛ عن رواحي ومجيئي بين راحة التخلص منك ومأساةِ خسارتك وفشلنا معاً." 

في الوحدة لا شيء يعزي المرء، ولا شيء يمكنه أن يزحزح الصمت الثقيل، ولا الفراغ المحيط بك في جدران غرفتك الأربعة سوی الكتابة، مجرد رسالة، في الغالب لن يقرأها أحد، قد تكون تلك المنقذة من الأفكار الانتحارية، أو آخر الكلمات قبل الرحيل عن العالم الذي تركتك فيه حبيبتك، أو ترككِ فيه حبيبكِ وهو لا يهتم.

الرسائل، والذي يربط بينها وبين من كتبوها كلهم خيط واهن يكاد لا يُری، مجرد صدف جعلت تلك الرسائل تخطئ طريقها لتجعلنا نعرف ما بداخلها، هي رسائل مجردة، الغرض الأساسي منها هو الحكي علی لسان أصحابها، وحالة الأنس والدفء التي يشعر بها القارئ، ذلك الذي نلمسه في حكايات الكبار ونحن صغار، أو نقاشتنا في ليالي السمر.

الحديث عن مشاعرنا الأكثر قسوة، وعن ذاتنا الهشة، تلك التي لا يراها أحد. تبدو الرسائل اعترافات قد تقلل من فداحة خطيئتنا، نحاول فيها قول دوافعنا في الهجر أو الهرب أو ارتكاب جريمة قتل، كي لا نشعر بقبحنا الكُلي، وكي نشعر، أن هناك في الطرف الثاني من العالم ولو شخص واحد فقط يمكنه أن يهتم بأمرنا.

"الأم، آخر قلب للإنسان في الحياة"

تُبرز الرواية الروابط التي تربطنا بالآخرين، بمن حولنا، وتُبرز روابط الأبطال بأهلهم، أصدقائهم، وأهلهم، من لفظوهم، ومن باعوهم، ومن لم يهتموا لأمرهم.

"وهكذا يغوينا ما نری في الأفلام مهما كنا علميين. تترك صور الأفلام ما تتركه في الدم بعض السموم التي لا تتسرب ولا تكشفها المختبرات."

نجد في عالم "بريد الليل" للكاتبة "هدی بركات" عالماً غير ذلك الذي نعهده، سواء في الأفلام أو في أغلب الرسائل التي يتبادلها الناس، لا وجود للمثاليات، لأن في العالم الذي يهجر فيه الناس أوطانهم وأهلهم لأنهم لم يعد يجمع بينهم ولو شيء واحد مشترك، ولم يعد بينهم ولو ذرة عاطفة يمكن لأحدهم أن يبقی من أجلها، تكون الهجرة هي السبيل، وتكون الوحدة هي العقاب، والحنين جلاد قاسي لا يرحم.

"لا شيء يوقظ الكراهية مثل الفقر."

"فالعفو لا يعني النسيان أو المحو، ولكنه شفقة على ابن ضال، لا يعرف كيف ضربته الريح العاتية فصار إلى ما صار إليه".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سيد عبدالحميد
كاتب مقالات وقصص قصيرة
كاتب مقالات وقصص قصيرة
تحميل المزيد