قبل اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية بعقد من الزمان تقريباً، صدرت رواية "كوخ العم توم" وتحديداً في العام 1852، للكاتبة هارييت ستو. وخلال عام واحد من صدورها بيعت منها 300 ألف نسخة بأمريكا ومليون ونصف المليون في بريطانيا، لتصبح الرواية الأكثر مبيعاً في القرن التاسع عشر.
لكن تأثير هذه الرواية يذهب إلى ما أبعد من أرباح وانتشار، إذ اعتُبرت الرواية الوقودَ الذي أشعل الدعوة إلى تحرير العبيد في أمريكا واندلاع الحرب الأهلية باعتراف الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن بنفسه، الذي قال عندما التقاها لاحقاً: "إذن، أنتِ المرأة الصغيرة التي كتبت الكتاب الذي بدأ هذه الحرب الكبرى".
اكتسبت ستو شهرة واسعة، ففي العام التالي لصدور الرواية زارت بريطانيا، حيث كان في استقبالها حشود ضخمة بالشوارع، قدّمت لها عريضة تزن نحو 13 كلغ تحتوي على توقيع نساء بريطانيات يطالبن بإلغاء العبودية.
بل إن الملكة فيكتوريا آنذاك دعتها إلى بلاطها، قبل أن تقوم بجولة أوروبية تميزت بنفس الحفاوة والتقدير والاستقبال.
من هي هارييت ستو؟
روائية أمريكية من مواليد العام 1811 في ولاية كونيتيكت، امرأة بيضاء البشرة وُلدت لعائلة متدينة مسيحية تخدم الكنيسة، متكونة من 13 شقيقاً وشقيقة.
عمِلت مدرسة في مدرسة هارتفورد للفتيات، وكانت تكتب المقالات التي تعالج القضايا المعاصرة وتحديداً العبودية.
كتبت ستو 30 كتاباً في حياتها، وضمن ذلك روايات و3 مذكرات سفر ومجموعة من المقالات والرسائل. كانت كتاباتها مؤثرة وتعكس مواقفها العامة ومناقشاتها حول شؤون زمانها.
بعد وفاتها تم تحويل منزلها في كونيتيكت إلى متحف، إلى جانب منزل جارها المؤلف الأمريكي الشهير مارك تواين.
أحداث رواية "كوخ العم توم"
تبدأ الرواية بمزرعة في ولاية كنتاكي، حيث يواجه مزارع يدعى آرثر خسارة مزرعته بسبب الديون.
على الرغم من أنه وزوجته إميلي شيلبي يعتقدان أن لهما علاقة خيرية مع عبيدهما، قرر شيلبي بيع اثنين منهم: العم توم، رجل في منتصف العمر متزوج وله أطفال، وهاري، ابن خادمة إميلي المدعوة شيلبي إليزا.
تنفر إميلي شيلبي من هذه الفكرة، لأنها وعدت خادمتها بأن طفلها لن يُباع أبداً. حتى ابن إميلي، جورج شيلبي، ينزعج من مقترح والده بيع توم، لأنه يرى الرجل كصديقه وموجِّهه الروحاني والديني.
عندما تستمع الخادمة إليزا خلسة إلى السيد والسيدة شيلبي يناقشان خطط بيع توم وهاري، تقرر الهرب مع ابنها.
تقول الرواية إن إليزا اتخذت هذا القرار، لأنها تخشى أن تفقد طفلها الوحيد الباقي على قيد الحياة (إذ كانت قد أجهضت بالفعل طفلين)؛ فتغادر إليزا في تلك الليلة، تاركةً رسالة اعتذار لمالكتها إميلي.
ماذا حلَّ بتوم؟
يتم بيع توم ويتوجه بزورق نهري إلى أسفل نهر المسيسيبي. في أثناء وجوده على الزورق، يصادق فتاة بيضاء تدعى إيفا.
يشتري والد إيفا، توم من تاجر الرقيق ويأخذه مع العائلة إلى منزلهم في نيو أورليانز.
يبدأ توم وإيفا في التقرب من بعضهما البعض، بسبب الإيمان المسيحي العميق اللذين يشتركان فيهما.
ثم يلتقي عبدةً اسمها كايسي ويكتشف أنها قتلت ابنتها بيدها؛ خوفاً من أن يتم بيعها بعدما بيع كل أطفالها.
لاحقاً تفر كايسي ويرفض توم أن يشي بها، فيتعرض لأشد أنواع التعذيب حتى يصل إلى حافة الموت.
وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة يقول لمعذبه إنه سامحه بفضل معتقداته الدينية. عندها يتأثر الجلاد ويعلن لاحقاً اعتناقه المسيحية.
يصل ابن مالك توم الأول (جورج شيلبي) إلى المزرعة حيث يعمل لتحريره مع سائر العبيد، لكنه يكتشف أن الوقت تأخر وأن مُلهمه فارق الحياة.
وماذا عن إليزا؟
تلتقي بالمصادفة زوجها الذي كان فر في السابق، ويقرران التوجه شمالاً إلى كندا، ولكن يتعقبهما تاجر رقيق.
تتطور الأحداث فيبيع التاجر العائلة، وتتمكن بعد معاناة، من الفرار إلى كندا مجدداً، لكن رحلتها تنتهي بها إلى فرنسا ثم إلى ليبيريا، وهي الدولة الإفريقية التي تأسست كأمة حرة للعبيد الأمريكيين الهاربين.
أبعاد شخصية العم توم
شخصية العم توم، الذي عانى طويلاً والذي تدور حوله قصص الشخصيات الأخرى، تصور واقع العبودية بينما تؤكد أيضاً أن الحب المسيحي يمكن أن يتغلب على شيء مدمر مثل استعباد البشر.
جعلت هذه الرواية من مؤلفتها أيقونة ضد الرق والعبودية، وحاضرة في المحافل الدولية المناهضة للعنصرية في زمن كان يشهد تحولاً اجتماعياً وسياسياً نحو نبذ فكرة استعباد البشر وتحديداً ذوي الأصول الإفريقية.
استمرت الحرب الأهلية الأمريكية 4 سنوات، وذلك بعدما وصل إبراهام لينكولن إلى سدة الرئاسة.
كان قد وعد ضمن حملته الانتخابية بإلغاء العبودية، فما كان من بعض الولايات الجنوبية إلا أن أعلنت التمرد، والسبب أن اقتصادها يعتمد على الزراعة والحقول، وبالتالي بحاجة للعمال، خصوصاً العبيد.
ستو تحث لينكولن على التغيير
ستو لم تكتفِ بالسطور في روايتها، بل انتقدت لينكولن؛ لتأخره في تنفيذ وعده، وهاجمت الحكومة البريطانية التي كانت تتعامل مع موردي قطن يشغّلون عبيداً بالسخرة.
جذب تصوير ستو العاطفي لتأثير الرق، لا سيما على العائلات والأطفال، انتباه الأمة. احتضنت الولايات الشمالية الرواية، وأثارت العداء في الجنوب.
نظم المتحمسون عروضاً مسرحية على أساس القصة، حيث حققت شخصيتا توم وإيفا مكانة مميزة.
وإن تدل هذه الرواية على شيء، فعلى تأثير الأدب في التغيرات المجتمعية والسياسية أحياناً.
تستطيع الكلمات أن تغير الواقع عبر إلقاء الضوء على ما يُراد إخفاؤه، وهذه الرواية غيرت مصير عِرق بأكمله، وأشعلت الحرب في سبيل الحرية.