بالرغم من تهديدات مروان بن الحكم، ظل يتغزل بمحبوبته حتى مماته.. قصة جميل بثينة

لعلكم لم تسمعوا من قبل عن جميل بن عبدالله بن معمر العذري القضاعي، لكنكم سمعتم بلا شك بـ"جميل بثينة"، فقد هام جميل بحبيبته بثينة وكرّس أشعاره لها حتى بات لا يعرف إلا باقتران اسمه باسمها.

عربي بوست
تم النشر: 2020/04/14 الساعة 20:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/15 الساعة 12:41 بتوقيت غرينتش
istock\ جميل بثينة

لعلكم لم تسمعوا من قبل عن جميل بن عبدالله بن معمر العذري القضاعي، لكنكم سمعتم بلا شك بـ"جميل بثينة"، فقد هام جميل بحبيبته بثينة وكرّس أشعاره لها حتى بات لا يُعرف إلا باقتران اسمه باسمها.

كان جميل من بني عذرة، وهم قوم معروفون بأنهم "إذا عشقوا ماتوا"، وعاش في بدايات القرن الثامن الميلادي، وتحديداً في ظل العصر الأموي، ولم يشتهر جميل بحبه لبثينة وشعره الرقيق فحسب، بل عُرف أيضاً بجمال وجهه وحسن خلقه ورهافة حسه.

تعالوا نرو لكم قصة هذا العاشق وما فعله به الهوى:

قصة جميل بثينة

بدأت القصة في وادي القرى في شبه الجزيرة العربية، وتحديداً في قبيلة عذرة التي اشتهرت بجمال فتياتها ورهافة حس أبنائها، حتى قيل لأعرابي من العذريين: "ما بال قلوبكم كأنها قلوب طير تنماث -أي تذوب- كما ينماث الملح في الماء، ألا تجلدون؟ فقال: "إنا لننظر إلى محاجر أعين لا تنظرون إليها".

ولعل عيون بثينة العذرية كانت السبب في هلاك جميل، أليس هو القائل:

لاحتْ، لعينكِ من بثينةَ نارُ فدموعُ عينِكَ دِرّة ٌ وغِزارُ

والحبُّ، أولُ ما يكون لجاجة ً تأتي بهِ وتسوقهُ الأقدارُ

حتى إذا اقتحَمَ الفتى لجَجَ الهَوى ، جاءتْ أُمورٌ لا تُطاقُ، كِبارُ

كانت بثينة بنت حيان بن ثعلبة رفيقة طفولة جميل وحبه الأول والأخير، فقد افتتن بها منذ كان غلاماً صغيراً فأحبها وأحبته، ولما كبر خطبها من والدها، لكنه رفض وزوجها لرجل آخر.

زواج بثينة لم يكن نهاية قصة حبهما، بل ربما كان البداية، فمنذ أن سمع جميل خبر زواجها فقد صوابه وازداد هيامه وتعلقه بها، وراح ينشد الأشعار في حبه لبثينة حتى بات الحبيبان حديث القاصي والداني، وتناقل الناس أخبارهما وحفظوا أشعار جميل عن ظهر قلب.

istock\ جميل بثينة
istock\ جميل بثينة

مروان بن الحكم يتوعد جميل بقطع لسانه

لم يكتفِ جميل بنظم الأشعار في بثينة، وقد كان ذلك أمراً من المحظورات عند العرب، بل كان يواعدها ويلقاها سراً حتى علم زوجها بالأمر، فشكاها إلى أهلها.

توعد أهل بثينة جميلاً، ومنعوها من لقائه، فما كان منه إلا أن هجاهم، فوجدوا أن الحل الأمثل هو شكاية جميل إلى مروان بن الحكم، وقد كان آنذاك عامل المدينة، فتوعد مروان جميلاً بقطع لسانه إن هو عاد إلى نظم الأشعار في بثينة.

غادر جميل قبيلته بعد ذلك خوفاً من بطش أهل بثينة، لكنه ظل يتردد إلى عذرة بين الحين والآخر، ويلقاها سراً بالرغم من بعد المسافات بينهما.

وبينما كان جميل طريداً، يتنقل من بلد إلى آخر، حلّ ضيفاً عند أعرابي من أشراف عذرة يقطن في بلدة بعيدة، وقد كان له سبع بنات كأنهن بدور في السماء من حسنهن وجمالهن.

وقد كان الأعرابي على دراية بقصة جميل وولعه ببثينة، فأشفق على حاله، وقرر أن يزوجه واحدة من بناته.

فقال الرجل لبناته: البسن أفضل ثيابكن وتحلَّين بأحسن حليكنّ، وتشرفن له عسى أن تقع عيناه على بعضكن، فلما فعلن أشاح جميل بوجهه عنهن وقد عرف ما أردن، وأنشد قائلاً:

حلفت لكيما تعلموني صادقاً .. وللصدق خير في الأمور وأنجح

لتكليم يوم من بثينة واحد .. ورؤيتها عندي ألذ وأملح

من الدهر لو أخلو بكن وإنما .. أعالج قلباً طامحاً حيث يطمح

اللقاء الأخير

في نهاية المطاف، قرر جميل الرحيل إلى مصر، لكن لا بد من وداع المحبوبة أولاً.

توجّه العاشق إلى الهضاب القريبة من عذرة، ومكث هناك ثلاثة أيام بلياليها يتحين الفرصة المناسبة للقاء بثينة، وقد أنهكه الجوع والعطش في هذه الأثناء.

ولما خرج رجال القبيلة في سفر، مخلّفين وراءهم النساء والغلمان، انتهز جميل الفرصة وتوجه إلى دار بثينة، حيث كانت جالسة مع صاحبتها فسلم عليهما وحدثهما لساعة من الزمن ثم ودعهما وانطلق، ولم يكن يعلم أي من المحبوبيْن أنه سيكون اللقاء الأخير.

في مصر كانت النهاية

لم تطل إقامة جميل في مصر، فقد توفي ودفن هناك بعد فترة بسيطة من وصوله.

ويروي سهل بن سعد الساعدي أنه زار جميلاً وهو على فراش الموت، وقد بدا وكأنه لا يكترث به ولا يخشى مفارقة الحياة، وقد قال له: ما تقولُ في رجلٍ لم يزنِ قطُّ، ولم يشرب خمراً قطُّ، ولم يقتُل نفساً حراماً قطُّ، ويشهدُ أن لا إله إلا الله؟ فقال الساعدي: أظنُّه والله قد نجا، فمن هذا الرجل؟ قال: أنا. فردّ الساعدي: واللهِ ما سلمتَ (يقصد من الزنا) وأنت منذ عشرين سنة تتغزل ببثينة، فردّ جميل: إنّي لفي آخرِ يوم من أيّام الدُّنيا، وأوّل يوم من أيام الآخرة، فلا نالتني شفاعةُ محمد صلى الله عليه وسلم إن كنتُ وضعت يدي عليها لريبة قطُّ.

وهكذا مات جميل بعد سنوات قضاها مخلصاً لحب بثينة، لكن قصة حبهما لا زالت حية إلى اليوم. 

علامات:
تحميل المزيد