الصناعة والتجارة لا تكفيان.. كيف ستصبح الصين قطباً في النظام العالمي؟

عدد القراءات
6,062
عربي بوست
تم النشر: 2020/04/14 الساعة 16:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/14 الساعة 17:00 بتوقيت غرينتش
الرئيس الصيني شي جين بينغ - رويترز

بمناسبة الحديث المتكرر عن تنامي نفوذ الصين، ووضعها كقوة دولية في المستقبل بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا. سأحاول هنا تقديم شرح بشكل ملخص لإحدى المقاربات والأطروحات التي تتناول وتتخيل شكل صعود الصين على الساحة العالمية في المستقبل؛ وهل سيستمر صعودها بشكل سلمي أم ستسلك منحى آخر؟

يتزعم جون ميرشايمر أستاذ العلاقات الدولية بجامعة شيكاغو، وهو واحد من رموز المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، وصاحب نظرية الواقعية الهجومية، يتزعم المتوقعين بسلوك الصين لمنحى آخر غير الذي تسلكه الآن.

في عام 2014، نشر ميرشايمر دراسة يتساءل فيها عن إمكانية صعود الصين كقوة مهيمنة سلمياً، بمعنى آخر هل سيستمر صعود الصين كقوة دولية بشكل سلمي من خلال اتساع رقعة التجارة والتعاون مع الآخرين فقط؟

ووضع ميرشايمر إجابة هذا التساؤل كخاتمة لنسخة معدلة من كتابه "مأساة سياسة القوى العظمى" "The Tragedy of the Great Power Politics".

قدم ميرشايمر من خلال هذا التساؤل مقاربته ووجهة نظره والتي سأحاول تلخيصها في عدة نقاط:

1. تسعى الصين أن تكون القوى المهيمنة الاولى في آسيا متخذة نفس نهج الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر حين أقرت عقيدة مونرو والتي سعت أمريكا من خلالها إلى منع القوى العظمى في أوروبا من أي استعمار جديد داخل أمريكا الشمالية والجنوبية ومنع أي تدخل في شؤون دول القارتين. لتفرض الولايات المتحدة هيمنتها على الأمريكتين وتقلل النفوذ الأوروبي فيهما. السيناريو الأكثر خطورة نتاج هذا الصعود الصيني هو ظهور نظام متعدد القطبية وغير متوازن في آسيا حيث تسيطر الصين على عدد من الدول الصغيرة في قارة آسيا.

2. سيؤدي السعي الصيني للهيمنة على قارة آسيا إلى سباق تسلح بين الدول الآسيوية نتيجة تخوفات تلك الدول من توسع القوة العسكرية الصينية. وتعرف هذه الإشكالية الناتجة من توسع إحدى الدول في قدراتها العسكرية وتأثير ذلك على جيرانها بالمعضلة الأمنية (Security Dilemma) والتي تؤدي في النهاية إلى سباق لا حد له في التسلح بين تلك الدول.

3. سيؤدي ذلك إلى خلق تحالف متوازن يواجه ويقاوم الهيمنة الصينية. ومن المحتمل أن تقود الولايات المتحدة هذا التحالف مستخدمة نفس الاستراتيجيات التي استخدمتها في الحرب الباردة أمام الاتحاد السوفيتي مثل سياسة الاحتواء (containment policy) والتي تعهدت فيها الولايات المتحدة بمنع ومقاومة انتشار الشيوعية في العالم. (الاحتواء هنا بمعنى حصاره وتقويضه). سيكون نتاج ذلك تصاعداً متبادلاً في لهجة الخطاب وفي المنافسة الأمنية بين الجانبين.  

4. وعلى عكس وضع وسط أوروبا في الحرب الباردة التي كان حجم التهديد الموجه صوبها كبيراً نظراً لموقعها الجغرافي القريب من الاتحاد السوفيتي. وبسبب التهديدات النووية المحتملة والتي جعلت كل الأطراف تدرك التكلفة الباهظة لأي حرب، وهو ما جعل أوروبا مستقرة خلال الحرب الباردة ومنع نشوب حرب بين الولايات المتحدة وبين الاتحاد السوفيتي سيكون الأمر مختلفاً في حالة العداء مع الصين حيث ستعمل الجغرافيا الشاسعة (خاصة المساحات المائية) الفاصلة بين الصين والولايات المتحدة على تقليل حواجز الصراع بين الطرفين وسيعطي ذلك شعوراً للسياسيين بأن الحروب والصراعات يمكن إدارتها بتكلفة أقل بكثير من التي كانت عليه في الحرب الباردة. وسيؤدي ذلك إلى زيادة احتمالات تأجج الصراع بين أمريكا والصين. 

5. يعرب ميرشايمر عن قلق بالغ من تحول القومية الصينية إلى القومية المفرطة منذ عام 1989، وما أعقبه من تحول من عقلية المنتصر إلى عقلية الضحية المظلوم عبر التاريخ.. ستحل القومية المفرطة محل الأيدولوجية وتتخطى الشعور بالوطنية ليحل محلها كراهية "الآخر" وهو أمر شائع في آسيا. 

6. الفلسفة التي تقوم عليها الاستراتيجية الصينية هي أقرب للنظرية الواقعية الهجومية من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة. وذلك لأن نادراً ما كانت القيم الكونفوشية الإنسانية تمارس خلال الصراعات القديمة والدموية في الصين (الكونفوشية مذهب صيني قائم على القيم الأخلاقية). 

7. رد ميرشايمر على من يجادل بأن التبادل الاقتصادي يمكن أن يكون كابحاً للنزاعات والحروب حيث إن الحرب العالمية الأولى اندلعت بين دول كان حجم التبادل الاقتصادي بينها كبيراً، ومع ذلك لم يمنع هذا التعاون أن تنشب حرب طاحنة خلفت وراءها ملايين الضحايا. 

8. لا يمكن التكهن بشكل الصعود الصيني في الوقت الحالي ومن الصعب الجزم أن ذلك الصعود سيكون سلمياً. وذلك لأن قدرات الصين العسكرية حالياً محدودة ولا تمكنها من التصرف بشكل عدواني سواء في محيطها أو مع الولايات المتحدة. لكن في المستقبل ستزداد تلك القدرات بشكل كبير ووقتها سنستطيع تحديد سلوكيات الصين ومدى التزامها بسياستها السلمية الحالية.

التاريخ يصدّق ميرشايمر

ينطلق ميرشايمر في طرحه من قناعته بالنظرية الواقعية في العلاقات الدولية، بمعنى آخر قناعته بأن جميع الدول تسعى إلى تعظيم قوتها وأمنها وأن ذلك سيؤدي إلى صراعات عسكرية حتمية. وبالتالي وجهة نظر ميرشايمر في الصعود الصيني تقابلها وجهة نظر أخرى من النظرية الليبرالية في العلاقات الدولية تجادل بأن التعاون الاقتصادي الواسع للصين يحفزها للاستمرار في الصعود السلمي.

بعض مما طرحه ميرشايمر يمكن مشاهدته في الوقت الحالي خاصة ما يتعلق بحرب التجارة بين أمريكا والصين وما تبعها من علاقات متوترة بين الطرفين وأيضاً الصراع الدائر في منطقة بحر الصين الجنوبي. 

قناعتي أقرب إلى وجهة نظر ميرشايمر، وذلك لعدة أسباب أهمها أن الصين تمثل النموذج الاستبدادي الأسوأ مقارنة بكل الانظمة الاستبدادية الموجودة حالياً. وتكفي فقط الإشارة إلى امتلاكها نظاماً لمراقبة مواطنيها بطريقة تفوق ما كتب في روايات وأدبيات الأنظمة الاستبدادية. والأمر الآخر أن الصين نموذج يبتعد كثيراً عن الأخلاق والقيم الإنسانية، وليس ذلك بسبب الممارسات الحالية التي ظهرت مع جائحة كورونا، ولكن التاريخ الدموي للصين أكبر شاهد ودليل، وهذا يعني ببساطة أن نوايا الصين من الصعب جداً توقعها بناء على تصرفاتها الحالية التي قد تبدو مسالمة، دون النظر إلى تاريخها وأفكارها ونظرتها للآخرين.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

خالد فؤاد
باحث سياسي
باحث متخصص في شؤون الطاقة والعلاقات الدولية
تحميل المزيد