رغم كل ما خيَّم على العالم من آثار سلبية بسبب فيروس كورونا (كوفيد-19)، بدءاً من خطفه أرواح عشرات الآلاف وإصابته مئات الآلاف حول العالم، مروراً بتوقف معظم مظاهر الحياة في عدد كبير من مدن العالم الرئيسية، وصولاً إلى الخسائر الاقتصادية الفادحة، فإنه يظل لكورونا بعض التأثيرات الإيجابية، بعد إجباره نسبة كبيرة من البشر حول العالم على البقاء في منازلهم.
انخفاض معدلات الجريمة
انخفضت معدلات الجريمة في الأشهر الثلاثة الماضية على المستوى العالمي. ففي أمريكا انخفضت المكالمات المتعلقة بالحوادث والجرائم في الأسبوعين الأخيرين من مارس/آذار في 20 ولاية، مقارنة بالأسابيع الستة السابقة، وفقاً لتحليل صحيفة USA Today.
كما سُجل انخفاض في الجريمة بحوالي 40% على مدى ثلاث سنوات في مدينة نيويورك، وذلك في واحدة من أكبر التحولات في التاريخ الأمريكي. وفي شيكاغو، وهي واحدة من أكثر المدن عنفاً في أمريكا، انخفضت عمليات الاعتقال المرتبطة بتجارة المخدرات بنسبة 42% في الأسابيع التي تلت إغلاق المدينة، وانخفضت جرائم شيكاغو بشكل عام بنسبة 10%، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفق مجلة Time الأمريكية.
كذلك ولأول مرة من 18 عاماً، مرّ أول شهر (مارس/آذار) دون وقوع حوادث إطلاق نار في مدارس الولايات المتحدة، بعد إغلاق المدارس في البلاد منذ ما يقرب من الشهر، وفق مجلة The Week الأمريكية، رغم أنه على النقيض سجلت أمريكا في هذا الشهر زيادة كبيرة في مبيعات الأسلحة، باعتباره ثاني أكثر الشهور التي بيعت فيها الأسلحة، الذي فُسّر على أنه نابع من القلق من تدهور الأحداث مع الإغلاق الكامل وتعرض المواطنين لهجوم أو سرقات، في ظل انشغال الأجهزة الأمنية.
بينما أكدت الشرطة البريطانية انخفاض الجرائم العنيفة بنسبة 40%، وانخفاض معدلات الجريمة الإجمالية بين 8 و30%، كما انخفضت جرائم الشوارع والسطو بدرجة أكثر حدة مقارنة بالعام الماضي، وفق صحيفة The Telegraph البريطانية.
كذلك أبلغت السلفادور عن انخفاض متوسط القتلى اليومي إلى قتيلين يومياً، في الشهر الماضي، في انخفاض من ذروة بلغت 600 قتيل يومياً قبل بضع سنوات، ويرجع ذلك الانخفاض للسياسات الأمنية الأكثر صرامة والهدنة بين العصابات.
في جنوب إفريقيا، أبلغت الشرطة عن انخفاض مذهل خلال الأسبوع الأول من إجراءات الإغلاق، حيث انخفضت حالات الاغتصاب من 700 إلى 101 خلال نفس الفترة من العام الماضي، وتراجعت جرائم القتل من 326 إلى 94.
تلوث الهواء أقل في مدن العالم الكبرى
أظهرت صور التقطها القمر الصناعي سنتينل-5، في 30 مارس/آذار، تراجع تلوث الهواء في المناطق الحضرية بأنحاء أوروبا، حيث تراجع متوسط مستويات ثاني أكسيد النيتروجين الضار في مدن رئيسية من بينها بروكسل وباريس ومدريد وميلانو وفرانكفورت، في الفترة ما بين الخامس والخامس والعشرين من مارس/آذار، مقارنة بنفس الفترة العام الماضي.
خلال هذين الأسبوعين فقط، اختفى ربع الانبعاثات الحرارية فوق الصين مع توقف حركة السيارات والشاحنات ومحطات توليد الطاقة والمصانع، وعلق فاي ليو، باحث في جودة الهواء في محطة ناسا للفضاء بالقول: "هذه أول مرة أرى فيها هذا الانخفاض الدرامي فوق منطقة بهذا الحجم الشاسع بسبب حدث محدد"، الأمر نفسه ينطبق على كاليفورنيا -المعروفة بنسب تلوث هواء عالية للغاية- حيث انخفض تلوث الهواء بصورة ملحوظة.
هذه التوقعات تمثل بارقة أمل في وسط الأزمة، فقد حذّر علماء المناخ حكومات العالم من أن الانبعاثات العالمية يجب أن تبدأ في الانخفاض بحلول عام 2020، لتجنُّب أسوأ آثار لتغيّر المناخ على الكرة الأرضية، ورغم ذلك يستمر الخبراء في التحذيرات من أنه بدون تغيير حقيقي، فإن انخفاض الانبعاثات الناجم عن فيروس كورونا يمكن أن يكون قصير الأجل، ولن يكون له تأثير يذكر على تركيزات ثاني أكسيد الكربون التي تراكمت في الغلاف الجوي على مدى عقود.
انبعاثات الكربون الأقل منذ الحرب العالمية الثانية
مطلع أبريل/نيسان 2020، توقع رئيس شبكة من العلماء تُقدم بيانات عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أن تنخفض هذه الانبعاثات بأكبر قدر منذ الحرب العالمية الثانية هذا العام، بعدما أدى تفشي فيروس كورونا إلى توقف النشاط الاقتصادي تقريباً.
إذ قال روب جاكسون، الذي يرأس مشروع الكربون العالمي الذي يقدم تقديرات سنوية لحجم الانبعاثات تحظى بمتابعة واسعة النطاق، إن إنتاج الكربون قد ينخفض بأكثر من 5% على أساس سنوي، وهو أول انخفاض منذ أن تراجع بنسبة 1.4% بعد الأزمة المالية في عام 2008.
أضاف أستاذ علوم نظم الأرض بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا لرويترز: "لن أندهش من رؤية انخفاض بنسبة 5% أو أكثر في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون هذا العام، وهو شيء لم نشهده منذ نهاية الحرب العالمية الثانية"، ثم أكد أن الانبعاثات لم تنخفض بهذا الشكل خلال الخمسين عاماً الماضية، وتابع: "لا أعتقد أن سقوط الاتحاد السوفييتي، ولا أزمات النفط أو المدخرات أو القروض المختلفة خلال الخمسين سنة الماضية قد أثرت على الانبعاثات كما تؤثر هذه الأزمة".
المياه أكثر صفاء والحياة البرية تعود من جديد
أما مياه قنوات البندقية فأصبحت مثيرة للدهشة، حيث يمكن رؤية القاع الرملي من خلال المياه النقية، بالإضافة لأسراب من الأسماك الصغيرة والسلطعون والحياة النباتية متعددة الألوان أيضاً، كما عادت طيور البجع والغاق إلى الغوص بحثاً عن الأسماك التي يمكنها رؤيتها الآن، وهو أحد أبرز التأثيرت الإيجابية التي أشارت إليها النسخة الإنجليزية لموقع France24 الفرنسي.
كما صنع البط عشاً له في محطة بيزالي روما للقوارب، حتى إن أحدهم وضع لافتة تقول: "احذر دهس بيض البط"، وهو أمر نادراً ما كان يحدث مع كثرة السياح والبشر الذين يزدحمون بالمنطقة، وتحول ملحوظ في المدينة التي شهدت حتى وقت قريب احتجاجات على السياحة المفرطة تحت شعار No Grande Navi (لا مزيد من السفن السياحية).
عودة الحياة الطبيعية جاء بفضل توقف الأمواج التي تسببها القوارب الآلية التي تنقل السياح، إذ أرجع دافيد تاغليبِترا، الباحث البيئي في معهد علوم البحار، نظافة المياه الواضحة إلى غياب وسائل النقل الآلية، التي عادة ما تؤدي إلى تحريك قاع القناة الموحل، في حديث لمحطة تلفزيون محلية نقلته صحيفة The Guardian البريطانية.