إذا كنتم تعتقدون أن انتشار فيروس كورونا في كل أنحاء العالم، قد يسبب تأجيلاً في الانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة والتي من المقرر إجراؤها في 3 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020، فلنلقِ نظرة على التاريخ ونتذكر الانتخابات الأمريكية التي حدثت في ظل الحرب الأهلية الأميركية في عام 1864، والتي توصف بأنها واحدة من أخطر الانتخابات في تاريخ الولايات المتحدة، وربما كانت أمريكا اليوم مقسّمة إلى قسمين شمالي وجنوبي لولا فوز إبراهام لينكولن فيها.
تعالوا نروِ لكم القصة، كما وردت في موقع History البريطاني.
الحرب الأهلية الأميركية
إذا كنت مطلعاً على تاريخ أمريكا، ستجد أن الولايات المتحدة لم تؤجل انتخاباً قط حتى في حالات الحروب والأزمات، وستجد أيضاً أنه من المرجح دائماً فوز الرؤساء الحاليين في انتخابات الفترة الثانية، إذ تبقى احتمالات خصومهم ضعيفة بالغالب.
فقد فاز فرانكلين ديلانو روزفلت بولاية رئاسية رابعة في حدث غير مسبوق، وذلك خلال الحرب العالمية الثانية.
وأرجأ ريتشارد نيكسون محادثات السلام مع فيتنام لأنه اعتقد أن استمرار حرب فيتنام سيعزز من فرص إعادة انتخابه في عام 1972 (وبالفعل فاز بولاية رئاسية ثانية).
وإذا عدنا بالزمن إلى الوراء، وتحديداً إلى عام 1864، سنجد أن هذه القاعدة انطبقت أيضاً على الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن الذي فاز بانتخابات الولايات الثانية فوزاً ساحقاً في غضون الحرب الأهلية الأمريكية.
في البداية دعنا نعطِك نبذة عن الحرب الأهلية الأمريكية
في الفترة ما بين عامي 1861 إلى 1865، وقعت حرب أهلية ما بين (الاتحاد) و(الانفصاليين) في الولايات المتحدة.
حيث أعلنت 11 من الولايات الجنوبية المأهولة بطبقة الرقيق انفصالها عن الولايات المتحدة، وتشكيل حكومة عرفت آنذاك بالحكومة الكونفيدرالية، فيما بات يشار إلى بقية الولايات باسم "الاتحاد".
لتشتعل حرب دامت قرابة 4 سنوات وانتهت بتوحد الولايات تحت حكومة واحدة ثانية.
عندما بدأت الحرب الأهلية في عام 1861 كان إبراهام لينكولن هو رئيس الولايات المتحدة، أو فلنقل "الاتحاد"، ومع حلول عام 1864 كان لينكولن يستعد لإجراء انتخابات رئاسية جديدة ويرغب في الترشح لولاية ثانية، لكن الحرب كانت تشكّل عائقاً أمامه، إذ لم تكن هناك بوادر حل تلوح في الأفق.
وكان كثير من المصوتين (أي من لهم حق التصويت آنذاك، وهم الرجال البيض الذين يبلغون من العمر 21 عاماً أو أكثر) قد بدؤوا يشكّون في جدوى هذه الحرب.
السباق الرئاسي لإبراهام لينكولن خلال الحرب
اتفق لينكولن مع مستشاريه على أن فرص إعادة انتخابه تبدو ضئيلة في ظل الحرب، لكنه اختلف مع من اقترحوا تأجيل الانتخابات، لأنه بذلك سيعرقل سير العملية الديمقراطية في البلاد من وجهة نظره، وقرر إجراء هذه الانتخابات حتى لو كانت ستعني خسارة له.
عندما خاض لينكولن الانتخابات الرئاسية أول مرة في عام 1860، كان معقل حزبه الجمهوري يقع في الشمال، وكان الحزب الديمقراطي قد أسس شعبية له في الجنوب.
وعندما انفصلت الـ 11 ولاية الجنوبية للانضمام إلى الكونفيدرالية، بات الحزب الجمهوري هو الحزب السياسي المهيمن في الاتحاد.
ومع ذلك، قرر الحزب الجمهوري الانضمام إلى بعض الديمقراطيين لتشكيل حزب الاتحاد الوطني، وذلك من أجل انتخابات عام 1864.
وبالرغم من المخاوف المتعلقة بإمكانية انتخاب لينكولن، دعمه حزب الاتحاد الوطني ليكون مرشحه في الانتخابات الرئاسية.
ومن الجدير بالذكر أن لينكولن تخلى عن نائبه الجمهوري واختار خوض الانتخابات مع نائب ديمقراطي جديد، كان يؤيد الرق في الماضي؛ وذلك في محاولة من لينكولن لموازنة القائمة.
في غضون ذلك، رشح الحزب الديمقراطي المنقسم جورج ماكليلان، الذي كان جنرالاً ذا شعبية وخدم في جيش الاتحاد.
كانت شروط توقيع هدنة مع الانفصاليين ضمن برنامج لينكولن الانتخابي تشمل انضمام الجنوب إلى الشمال مرة أخرى وإلغاء الرق تماماً في الولايات المتحدة.
بينما لم يذكر البرنامج الانتخابي لماكليلان شيئاً عن إلغاء الرق ، وكان شرطه الوحيد للهدنة هو انضمام ولايات الكونفيدرالية إلى الاتحاد مرة أخرى.
أطلق خصوم لينكولن حملة عنصرية
لم يكن استمرار الرق -وكذلك مصير الأمريكيين ذوي البشرة السوداء- أولوية بالنسبة لماكليلان ولا الحزب الديمقراطي.
وفي محاولة لكسب دعم وتأييد الناخبين البيض، شن هذا الحزب حملة ضد لينكولن تعتبر الأكثر عنصرية في تاريخ أمريكا.
فعلى سبيل المثال، استغل أحد رسامي الكاريكاتير السياسيين التابعين للحزب الديمقراطي مخاوف الأمريكيين البيض بشأن اختلاط الأعراق، وقام برسم صورة خيالية لـ"حفلة تبرز تمازج الأجناس في مقرات حملة لينكولن الرئاسية".
أشار منشور آخر لحملة الديمقراطيين إلى لينكولن باسم "إبراهام إفريقيانوس الأول" وأعلن أن الوصية الأولى للحزب الجمهوري كانت "لا يكن لك آلهة أخرى إلا الزنجي"، في تحريف تناصي لإحدى الوصايا العشر في الكتاب المقدس.
التصويت وسط الحرب
من أجل إجراء الانتخابات في عام 1864، احتاج الاتحاد طريقة كي يصوت الجنود المتمركزين بعيداً عن ديارهم.
ومن أجل هذا الهدف، مررت أغلب الولايات الشمالية قوانين جديدة تسمح للجنود بالتصويت غيابياً من معسكراتهم.
ولكن نظراً إلى أن الجنود كانوا على الأرجح يصوتون أمام قادتهم العسكريين، كان هناك بعض المحاولات الحزبية لقمع أصواتهم.
ففي الولايات التي سيطر فيها الديمقراطيون على الهيئة التشريعية للولاية، مثل إنديانا، لم يسمحوا للجنود بالتصويت في معسكرات الجيش.
لكن وزارة الحرب شجعت بدرجة ما القادة على السماح للجنود بالعودة إلى ديارهم لأسبوع أو ما شابه من أجل أن يتمكنوا من التصويت.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، فاز لينكولن بأغلبية ساحقة. إذ حصل على 54% من أصوات المدنيين، و 78% من أصوات العسكريين، وحصل على على 212 صوتاً انتخابياً في 22 ولاية.
وفي المقابل، حصل ماكليلان على 21 صوتاً انتخابياً في ثلاث ولايات فقط: ديلاوير، وكنتاكي، ونيوجيرسي التي ينحدر منها.
كان الفوز يعني استمرار لينكولن في قيادة الحرب، بهدف إعادة توحيد البلاد وإلغاء الرق.
وفي نهاية المطاف، لم يكن ما ساعد لينكولن في التغلب على ماكليلان هي رغبته في إنهاء الرق في الولايات المتحدة.
ولكن منحه تقدمه العسكري في الولايات الجنوبية ثقة الناخبين، إذ حقق في غضون شهرين قبل الانتخابات انتصارات عسكرية كبيرة بالاستيلاء على أتلانتا والانتصار في معركة رئيسية في وادي شيناندواه.
رفعت هذه الانتصارات العسكرية من الروح المعنوية لدى كل من المصوتين المدنيين والعسكريين، ودعمت لينكولن للفوز بالانتخابات.