من مشروع ضابط سابق إلى إحدى كبرى وأخطر شركات الأمن الخاصة، تستمر شركة بلاك ووتر السابقة أو أكاديمي Academi الحالية في العمل خلف الكواليس وخلف القوانين الدولية، لتنفيذ مصالح إدارات حكومية وأجهزة استخباراتية تستأجر خدمات رجالها المرتزقة.
من أمريكا إلى الشرق الأوسط مباشرةً
في عام 1997، أسس كل من آل كلاك وإريك برنس شركة بلاك ووتر يو إس إيه. بدأت الشركة أعمالها كشركة أمن خاصة تقدم الدعم التدريبي لهيئات إنفاذ القانون، ووزارة العدل، والمنظمات العسكرية، ثم حصلت الشركة على عقدها الأول من حكومة الولايات المتحدة في عام 2000 بعد تفجير المدمرة الأمريكية USS Cole.
في عام 1998، اشترت شركة الأمن الخاصة منشأة تدريب مطلة على مستنقع مظلم في ولاية كارولينا الشمالية واعتمدت رسمياً اسمها، الذي كان مستوحى من المياه الغامضة المظلمة المحيطة بمنشأة التدريب، أي "بلاك ووتر".
احتوت المنشأة، التي تبلغ مساحتها 6 آلاف فدان، على مساحات لإطلاق النار الداخلي والخارجي، وبحيرة اصطناعية، ومساحات للتدريبات الأخرى.
من هو إريك برنس؟
برنس من مواليد 6 يونيو/حزيران 1969، وهو ضابط سابق في البحرية الأمريكية وابن رجل أعمال ثري، وشقيق وزيرة التعليم بالولايات المتحدة بيتسي ديفوس، التي عُينت ضمن إدارة الرئيس دونالد ترامب.
العقود الحكومية.. البداية في العراق
خلال حرب العراق، كانت "بلاك ووتر" واحدة من عديد من شركات الأمن الخاصة التي تُستخدم لحراسة المسؤولين والمنشآت العسكرية؛ وتدريب الجيش العراقي وقوات الشرطة، وتقديم أي دعم آخر للقوات المسلحة.
وكان أول وجود لها بالعراق في صيف عام 2003، عندما حصلت على عقد بقيمة 21 مليون دولار؛ لتوفير كتيبة من حراس الأمن الشخصي وطائرتي هليكوبتر لرئيس قوة الاحتلال الأمريكي في العراق، بول بريمر.
وفي عام 2004، كانت واحدة من ثلاث شركات قدِمت إلى العراق وأفغانستان والبوسنة وإسرائيل؛ لتقديم خدمات الحماية. وقد حصلت الشركة على 488 مليون دولار بموجب هذا العقد.
استمرت في العمل لحساب الحكومة بالولايات المتحدة أيضاً، وتحديداً في أعقاب إعصار كاترينا.
في الواقع، كانت قد أرسلت فريق إنقاذ وطائرة هليكوبتر؛ للمساعدة في جهود الإغاثة مجاناً. و
خلال هذا الوقت، نقلت أيضاً الموظفين الذين كانوا بالفعل يعملون بموجب عقد اتحادي إلى المنطقة؛ لحماية المباني الحكومية، وهو ما كلف الحكومة 240 ألف دولار يومياً.
ثم في ربيع عام 2006، كانت "بلاك ووتر" واحدة من ثلاث شركات حصلت على عقد لتوفير الأمن الدبلوماسي في العراق، وفق ما نشر موقع Silent Professionals.
وكان من بين وظائفها حماية السفارة الأمريكية هناك. وفي هذا الوقت، ولأنها كانت شركة ذات ملكية خاصة، عُرف قليل فقط عن الشؤون الداخلية للشركة.
التوسع والبحث عن المرتزقة
اشترت الشركة منشأة تدريب أخرى في خريف عام 2006 في ماونت كارول، إلينوي، غربي شيكاغو.
وأطلق عليها "مركز تدريب التأثير"، وهي لا تزال في الخدمة وتعمل مع وكالات إنفاذ القانون بجميع أنحاء منطقة الغرب الأوسط بالولايات المتحدة.
وحاولوا أيضاً بناء منشأة بالقرب من سان دييغو، لكن قوبلت بكثير من المقاومة من المواطنين المحليين والحكومة.
وكان تورُّط شركة بلاك ووتر في حرب العراق من بين مخاوف المواطنين الرئيسية. وفي نهاية المطاف سحبت الشركة الطلب الخاص بهذه المنشأة في عام 2008.
مخالفات أخلاقية وقانونية
إن مشكلات "بلاك ووتر" القانونية ليست سراً. ففي هذه الأوقات وردت هذه المشكلات على نطاق واسع بالتقارير الصحفية.
في 16 سبتمبر/أيلول 2007، أطلق مجموعة من المتعاقدين مع شركة بلاك ووتر، مكلفين حراسة موظفي وزارة الخارجية، النار على سيارة صغيرة يقودها زوجان مع طفلهما.
ادعى الموظفون أنهم تعرضوا للهجوم أولاً، في حين قال شهود آخرون إن المتعاقدين فتحوا النار، لأن السيارة لم تفسح الطريق لمرور الموكب.
كما تورطت الشرطة العراقية وقوات أخرى تابعة لـ "بلاك ووتر" في القتال. وإجمالاً، أفادت الأنباء بمقتل 20 مدنياً عراقياً. ولم تتفق التحقيقات وروايات الحكومتين الأمريكية والعراقية قط على ما حدث.
أثار هذا الحادث اهتماماً وطنياً بعدد القوات الخاصة المستخدمة في العراق، وأثار قضايا تتعلق بالشرعية والمساءلة والرقابة.
وقد أثيرت أسئلة حول ما إذا كان هؤلاء المقاولون (المتعاقدون) أو المرتزقة، قد ساعدوا أو أضروا بمكانة البلاد ومهمتها في العراق، وما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة الاعتماد على الشركات الخاصة لخوض الحرب وكسبها.
وفي عام 2007، وجد إحصاء أن عدد المتعاقدين الخاصين في العراق يماثل عدد أفراد الجيش، ويُعتقد أن هذا الرقم أقل من الواقع.
المشكلة الرئيسية هي أن الشركات الأمنية التي تم التعاقد معها من القطاع الخاص، لها أهداف مختلفة عن الجيش. ويُكلَّف الأمنُ الخاص حراسة الأشخاص أو الأماكن، وليس اتباع خطة الحكومة الرامية إلى كسب الحرب.
فالمشاكل والأسئلة التي أثيرت فيما يتعلق باستخدام القوات الخاصة في العراق والتكلفة المعنوية والمالية على حد سواء لممارسة الأعمال بهذه الطريقة- لا تقتصر على "بلاك ووتر".
فهناك عديد من الشركات التي كانت موجودة إلى جانبها مباشرةً، لكن الحادث الذي أظهر كل هذه الأسئلة على السطح كان يتعلق بشركة بلاك ووتر.
لكن "بلاك ووتر" لديها حصتها العادلة من الحوادث. ففي عشية عيد الميلاد عام 2006، دخل موظف مخمور لدى "بلاك ووتر" في جدال مع حارس عراقي وأرداه قتيلاً بالرصاص. ثم جرى إجلاؤه بسرعة من البلاد.
ثم ما لبث أن تزايد عدد عمليات إطلاق النار على المواطنين العراقيين في مايو/أيار 2007، وهو الأمر الذي تطور إلى مواجهة مسلحة.
في الواقع، مثل هذه الحوادث ليست نادرة، ولأنها ليست عسكرية، فإنها لا تواجه العواقب نفسها، إن وُجدت على الإطلاق.
وهذا لم يسِر بشكل جيد مع العراقيين أو مواطني الشرق الأوسط عموماً، وأدى إلى كثير من المشكلات التي كان من الممكن تجنبها.
كانت استجابة "بلاك ووتر" لهذه الحوادث في البداية هي تجاهلها. ورفض مسؤولوها إجراء أي مقابلات، وعطلوا موقعهم على الإنترنت.
وعندما أصدرت الشركة بياناً، كان موجزاً ويستهدف الولايات المتحدة فقط، وتمسكت بروايتها بأن وكلاءها كانوا قد تعرضوا لإطلاق النيران عليهم في البداية بواسطة أعداء مسلحين.
"بلاك ووتر" تغيّر جلدها وتصبح أكاديمي
في عام 2008، أعلنت "بلاك ووتر" أنها ستبدأ تركيز خدماتها بعيداً عن التعاقدات الأمنية، بسبب المخاطر التي ينطوي عليها الأمر.
وفي فبراير/شباط 2من مشروع ضابط سابق إلى إحدى كبرى وأخطر شركات الأمن الخاصة، تستمر شركة بلاك ووتر السابقة أو أكاديمي Academi الحالية في العمل خلف الكواليس وخلف القوانين الدولية، لتنفيذ مصالح إدارات حكومية وأجهزة استخباراتية تستأجر خدمات رجالها المرتزقة.009، غيَّرت "بلاك ووتر" اسمها إلى Xe Services LLC، وأعادت هيكلة الشركة.
وكان من بين الأشياء التي أضافتها الشركة برنامج الأخلاقيات. وفي الشهر التالي، استقال المؤسس والرئيس التنفيذي إريك برنس، وفي ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، توقف عن أي مشاركة في عمليات الشركة اليومية.
ثم اشترى مجموعة من المستثمرين Xe، وأسسوا شركة جديدة سُميت Academi، واندمجت في عام 2014 مع شركة أخرى، لتشكلا معاً Constellis Holdings.
ولا تزال الشركتان تمارسان أعمالهما تحت مسمى Academi.
اليوم، يعمل مركز التدريب في ولاية كارولينا الشمالية تحت مسمى مركز تدريب الولايات المتحدة، أو USTC، وهو ينفذ تكتيكات التدريب على الأسلحة للجيش والحكومة ووكالات إنفاذ القانون.
كما أنه يوفر دورات في القيادة التكتيكية، والقتال باليد، والقنص الدقيق بالبندقية.
تُقدِّم Academi أيضاً كثيراً من الخدمات الأخرى، مثل التدريب البحري، وتدريب الكلاب على اكتشاف المتفجرات والمخدرات.
إريك برنس وبداية جديدة من أبوظبي
بعد رحيل إريك برنس عن شركته السابقة ظلَّ نشطاً بقطاع الخدمات العسكرية الخاصة في جميع أنحاء العالم، وتحديداً الخليج العربي.
فقد حصل ولي عهد أبوظبي على خدماته، وانتقل إلى أبوظبي في عام 2010. وأسَّس شركة جديدة تسمى ردود Reflex Responses (أو R2)، التي تضم وحدة من المقاتلين الأجانب، قوامها نحو 800 رجل لحساب دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث احتفظ الأمير بأغلبية ملكية في الشركة تقدر بـ51%.
وعلى جبهة منفصلة، أشرف على تجنيد الموظفين لحساب شركات عسكرية خاصة، مثل Executive Outcomes، وهي شركة عسكرية خاصة سابقة، مقرها جنوب إفريقيا، اكتسبت شهرتها عندما استعانت بها عديد من الحكومات الإفريقية خلال التسعينيات، لهزيمة التمرد العنيف، بالإضافة إلى حماية النفط واحتياطيات الألماس.
ثم في يناير/كانون الثاني 2011، بدأ برنس تدريب نحو ألفي صومالي على عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن. وقد موّلت عدة دول عربية هذا البرنامج، من ضمنها الإمارات، وبدعم من الولايات المتحدة.
يرأس إريك برنس حالياً شركة أسهم خاصة تسمى Frontier Resource Group FRG، ويرأس مجلس إدارة Frontier Services Group Ltd FSG Ltd، وهي شركة لوجيستيات ونقل برمودية، مدرجة في بورصة هونغ كونغ.
وتدعم مجموعة CITIC الصينية المملوكة للدولة والمستثمر تشون شون كو من هونغ كونغ شركة FSG Ltd.
وتقدم شركة FSG Ltd المشورة والدعم للاستثمار الصيني في عمليات التنقيب عن النفط والغاز بإفريقيا.
وكان برنس قد خطَّط لبناء مصفاة لتكرير الديزل في جنوب السودان، ولكن العملية توقفت، على الرغم من استثمار 10 ملايين دولار أمريكي بالفعل في المشروع.
مشاريع إريك برنس للطيران
لم يتوقف طموح برنس عند هذا الحد، إذ اشترت شركة FSG Ltd حصصاً في شركتين كينيتين للطيران، هما: Kijipwa Aviation، وPhoenix Aviation لتوفير الخدمات اللوجيستية لصناعة النفط والغاز بالبلاد، ولكن في وقت لاحق من ذلك العام، في أكتوبر/تشرين الأول 2014، رفضت هيئة الطيران المدني الكينية تجديد ترخيص الطيران لـKijipwa Aviation.
في ذلك العام، اشترى برنس أيضاً حصة 25% في شركة الطيران النمساوية Airborne Technologies.
وقد كلف الشركة تعديل طائرات رش المحاصيل Thrush 510G، بإضافة أجهزة للمراقبة والاستطلاع، والمدافع الرشاشة، والدروع، وغيرها من الأسلحة، وضمن ذلك الأعمدة المخصصة لحمل الصواريخ الباليستية من إنتاج روسيا أو الناتو.
وسلمت واحدة من هذه الطائرات المعدلة إلى قوات سلفا كير في جنوب السودان، قبل وقت قصير من إلغاء العقد مع FSG Ltd.
وتمتلك FSG Ltd اثنتين من طائرات Thrush 510G المعدلة، ولكن بما أن المسؤولين التنفيذيين علموا أن الطائرة قد تم تسليحها بواسطة شركة برنس، فقد رفضت الشركة بيع أو استخدام الطائرة؛ لتجنب انتهاك ضوابط التصدير الأمريكية.
برنس وترامب ومحمد بن زايد
أعيد إريك برنس إلى دائرة الضوء في عام 2017، عندما كتب افتتاحية لصحيفة Wall Street Journal، واقترح أن تقوم إدارة ترامب بخصخصة الحرب في أفغانستان.
وبعدها بفترة ظهر تقرير نشره موقع Intercept، عن لقاء جمع بين برنس وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، في فندق الفورسيزنز بجزر سيشيل. الاجتماع تضمن عدداً من المستشارين والمقربين من بن زايد، تحديداً في يناير/كانون الثاني من العام 2017.
كانت على جدول الأعمال مناقشات حول طرق جديدة للتعامل مع الحروب الأهلية في اليمن وسوريا وليبيا، وتهديد تنظيم "الدولة الإسلامية"، وتنافس الإمارات العربية المتحدة الطويل الأمد مع إيران.
وكان وصول رئيس أمريكي جديد مدخلَ فرصٍ جديدة للإمارات لممارسة نفوذها العسكري والاقتصادي الضخم في منطقة الخليج وخارجها، ومهمة برنس التسهيل والتنفيذ؛ لكونه داعماً كبيراً لترامب، حسبما جاء في التقرير.
وأضاف الموقع:
"عندما انضمَّ برنس إلى اجتماع بن زايد ومسؤولين حكوميين آخرين في ذلك الاجتماع، أوضح بن زايد للجميع هناك أن (إريك كان رجُله)، كما قال مصدر مقرب من الحاكم الإماراتي".
فبرنس، في رأي بن زايد، قام ببناء وتأسيس قوة برية من النخبة، كان بن زايد نشرها في الحروب بسوريا واليمن.
قال بن زايد إنه بسبب برنس لم يكن للإماراتيين إرهابيون في بلادهم. وقال المصدر: "لقد أخبر بن زايد الحاضرين بأنهم مدينون لإريك".
ويبدو أن هذا الاجتماع شكَّل بداية جديدة لبرنس، الذي كان يبحث عن تمويل جديد بعد سلسلة فضائح هزَّت الشركات التي ترأسها.
وسبق هذا الاجتماع اجتماعٌ آخر جمع بين ممثلين عن بن زايد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان وشخصيات روسية وبرنس، شكَّل نقطة تحقيق محورية في تقرير المحقق روبرت مولر، الذي قدَّمه للكونغرس على خلفية التدخل الروسي في نتيجة انتخابات العام 2016، والتي أوصلت ترامب إلى المكتب البيضاوي.