كثيراً ما تطوف بخاطر المرء فكرة كتابة قصة أو رواية، عندما لا يكون هناك طريق لتفريغ ما في جُعبتنا من أفكار وخواطر وأحلام وتصورات وغضب وحزن غير الكتابة. لكن فعل مثل كتابة رواية ليس بالأمر السهل على الإطلاق. وإنما يحتاج من المرء الكثير من الاطلاع والتفكير والتدريب. وفي هذا المقال سأحاول تفصيل الخطوات التي يجب اتباعها عند كتابة الرواية.
- تحديد واختيار الفكرة
وهذا الأمر وإن كان قلب الرواية، فإنه لا يمثل صعوبة في إيجادها بالنسبة للروائي الهاوي ويشاركه في هذا الشأن بالطبع الروائي المحترف.
- تحديد عناصر الفكرة
وضع العناصر قد يستغرق شهوراً، وهي تتكون من عدة تحديدات، مثل الأزمنة والأماكن والشخصيات الرئيسية وأسمائها، والأهم تحديد طبيعة الموضوعات التي سوف يعدها الروائي لدراسة رواياته، واعلم أن الروائي المحترف قد تكون هذه الموضوعات مسجلة لديه من قبل، فلن يتجشم كثيراً في إعدادها أو البحث عنها.
تخيل أنك تريد أن تكتب رواية عن الفضاء.
عليك إذن بدراسة السفن الفضائية ونظريات آينشتاين للجاذبية والكواكب والنجوم والتلسكوبات.. إلخ .
ربما يقول كاتب: أنا أحدد العنصر وبعدها أدرس.. أقول له: هذا الطريق خاطئ لأن البدء بالدراسة سيوسع أفقك في اختيار الفكرة جيداً وتحديد عناصر حيوية بنّاءة.
- باطن العناصر
بعد تحديد الفكرة ودراسة المراجع الخاصة بها عليك بتحديد مجموعة من الوقائع والأحداث تتناسب والفكرة العامة، واعلم أنه كلما استطعت إيصال الفكرة للقارئ بكلام موجز سيكون أفضل، ولا ريب من البسط وإن كانت الفكرة جميلة وأخاذة.
واعلم أن أي واقعة ستذكرها لا ترتبط بالفكرة ستضعف الرواية، وإن أي كلام يصدر من الشخصيات لا يعبر عن طبيعتهم يسقط الرواية فوراً.
أحياناً يريد الروائي جذب القارئ بسرد مشهد شديد الحميمية، لكن قبل ذلك عليه التفكير في عدة جوانب؛ ما المناسبة من ذكر هذه الواقعة؟ هل تتحدث الرواية عن عالم الدعارة مثلاً؟ هل أحد شخصيات ذلك المشهد شرِه جنسياً وهذه الشراهة سوف تتداخل في أحداث الرواية، هل سردك لتفاصيل المشهد الحميمي من أصوات صادرة وحركات معينة له دور في إبراز عنصر ما لبناء الرواية.
- الأسلوب
لابد أن يكون الأسلوب سلساً ومعبراً، بحيث لا يجد القارئ صعوبة في فهم كلام الرواية، ومعبراً عن المضمون بأقل الكلمات.
كما يتوجب أن يخلو الأسلوب من الركاكة، وهذه الأخيرة تمثل معضلة كبيرة جداً للروائي، إذ إنه يجب عليه عدم تكرار اللفظ في الجملة، كذلك لابد من انتقاء الألفاظ المعبرة عن مراده فقط ولا تعبر عن مراد آخر غير الذي يقصده. واعلم عزيزي الكاتب الهاوي أن الجملة كلما قصرت وعبرت عن المضمون فهي خالية تماماً من الركاكة.
ولا يجب بأي حال من الأحوال نسيان الضبط اللغوي. لابد أن تكون الرواية منضبطة لغوياً لأن النص الملآن بالأخطاء اللغوية والنحوية يُذهب بنكهة الرواية كلها وإن كانت متفردة في جمال الفكرة وانتقاء العناصر المترابطة.
- السرد
وهذه تمثل ثقافة الكاتب وقدرته عن التعبير، طبعاً الروائيون متفاوتون في طريقة التعبير كما الشعراء بالضبط. إن السرد هو كيان الرواية وقلبها، ولذلك كلما كان السرد أجمل وأقوى ارتقت الرواية إلى الدرجات العُلى. واعلم أن السرد فيه أيضاً درجة إبداع الكاتب وقدرته على سياقة الرواية بأسلوب جمالي إبداعي حتى لو كانت من روايات الخيال العلمي.
- المراجعة
والغرض الأساسي منها هو جعل كل من فكرة الرواية وعناصرها ووقائعها وأحداثها وطبيعة شخصياتها متناغمة تماماً، بحيث لا يشذ حدث عن مضمون الفكرة أو تتكلم إحدى شخصيات الرواية بكلام لا يتناغم مع طبيعتها.
كذلك لابد من عمل جدول خارجي يحدد فيه الروائي طبيعة الشخصية وزمن الحدث ومكانه أثناء سرده وربطه بالسابق واللاحق حتى تتناغم الأحداث وتأتي مرتبة.
والمراجعة كثيراً ما يتم فيها حذف جمل وإحلال أخرى مكانها، كذلك تتم إضافة وقائع وحذف أخرى، وأيضاً حذف بعض الكلمات في بعض المواضع وإضافة أخرى في مواضع أخرى أيضاً. واعلم أن المراجعة قد تستغرق وقتاً أطول إذا قورن بالوقت الذي استغرقته من قبل في سرد الرواية. وانتبه أخي الروائي لهذا الأمر، وهو أنه كلما أكثرت من مراجعة رواياتك حلت وكملت.
وأخيراً أرجو التوفيق للجميع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.