كثيرة هي المعارك التي تبدأ وتنتهي بأحداث غريبة، منها التي استمرت لقرون، ومنها التي انتهت حتى قبل أن تبدأ، في هذا التقرير نعرض لكم معركة بين الجيش النمساوي والعثماني، انتهت قبل أن يصل العثمانيون إلى مكان المعركة، فهل سمعت عن معركة كارانسيبس؟
في العام 1788 حارب الجيش النمساوي نفسَه، إذ هاجمت فرقة المشاة عناصر من فرقة المدفعية، وأسفرت المعركة عن مقتل 10 آلاف جندي، فانتصر الجيش العثماني دون أن يخوض المعركة، واستولى على مدينة كارانسيبس، التي تقع حالياً في رومانيا.
كيف بدأت القصة؟
قرّر جوزيف الثاني، ملك النمسا، إعلانَ الحرب بشكل مفاجئ على الدولة العثمانية، ففي شهر سبتمبر/أيلول من العام 1788، أمر بتجهيز جيش قوامه 245 ألف جندي، يمتطون نحو 36 ألف جواد، ونحو ألف مدفع وآلاف القذائف، ولأنه أراد أن يُخلّد اسمه كقائد عسكري قرر قيادة الجيش بنفسه.
وفي 19 سبتمبر/أيلول 1788، قاد جوزيف الجيش وسار ناحية حدود الدولة العثمانية التي تفصلها عن البلقان، والغريب هو ما جرى للجيش النمساوي أثناء تمركزه على ضفة نهر الدانوب.
كانت هناك مجموعة من الجنود النمساويين الذين عبروا جسر تيمس للضفة الأخرى من النهر، والبقية في الضفة الأخرى، وهناك وجدوا مجموعة من التجار الذين يبيعون الخمر الهولندي، الذي كان يعتبر من أفخر أنواع الخمر آنذاك.
مرّت ساعات، حتى شعر جنود على الضفة المقابلة بالعطش، فقرّروا العبور إلى ضفة النهر الأخرى لشرب الخمر مع أصحابهم، إلا أن الفئة المتمركزة على الضفة الأخرى أرادوا تجنب القادمين الجدد، وحينها شيّد الفرسان حمايةً حول البراميل، وقاموا بمطاردة الجنود المشاة، الأمر الذي استفزّ الجنود الظمآنين، فأطلق أحدهم رصاصة، ومن هنا بدأ فتيل المعركة.
رفع الفرسان سيوفَهم وهاجموا المشاة، لاسيما أنهم كانوا في حالة سُكر تامة، فردّ الآخرون بإطلاق النار، وسرعان ما نشبت معركة حقيقية بين جنود من جيش واحد.
تحصّن الفرسان في مكانهم جيداً، فحاول المشاة إخراجَهم، فصاحوا "أتراك.. أتراك"، ليوهموهم أن الجيش العثماني قد وصل، وأن ساعة الصفر حانت، وبدا أنها كانت فكرة فعالة، إذ ترك الفرسان مواقعهم وهربوا.
إلا أن هروبهم لم يكن كافياً، فبدأ المشاة بإطلاق النيران عليهم، فجأة لم يكن يدرك بقية الجيش ما يحدث، وأوهموا بأن تبادل إطلاق النار حصل بعد مهاجمة كتيبة من الجيش العثماني، فبدأوا أيضاً بإطلاق النار، وبسبب الظُّلمة الحالكة التي قد حلّت لم يُدرك أحدٌ على مَن يُطلق النار بأسلحته.
قائد المدفعية يزيد الطين بلّة..
حين التبس الأمر، أمَرَ قائد المدفعية جنودَه بإطلاق قذائف المدافع، بعدما التبس عليه الأمر هو الآخر، فسقط المزيد من القتلى، وسرى الذُّعر في نفوس أفراد الجيش النمساوي.
قُتل نحو 10 آلاف جندي في هذه المعركة، ومَن بقي استطاع أن ينجو بنفسه ويهرب، وكأنهم طوفان بشري يتقهقر؛ إذ ظن كل فوج أن الآخر عدوه بسبب الظلام الحالك، وحين سيطرت عليهم فكرة أن الأتراك سينقضّون عليهم، أطلقوا النيران على صفوفهم الهاربة إلى الوراء.
وصل العثمانيون فوجدوا أن المدينة خاوية، وأن الجثث وصلت إلى 10 آلاف جثة، واستولوا على الأرض دون نقطة دماء واحدة، بسبب الخوف والظلام، وبراميل معدودة من الخمر الهولندي.