حين تفكر في محارب فايكنغ استثنائي، مقاتل مخيف، خصم جسور، يضحك في وجه الموت، فإن ذهنك على الأرجح سيرسم صورةً لـ "راغنار لوثبروك". تُقرأ مغامرات راغنار على أنها مقتبسة من أفلام هوليود. كيف لا وهو ابن ملك الدنمارك والسويد، محارب الأفاعي العملاقة، وقائد الجيوش في المعارك، وغزا مساحات شاسعة من الأراضي الإسكندنافية، وروّع الشعوب في الجزر البريطانية.
العديد من مغامرات راغنار، إن لم تكن كلها، أساطير نتاج خيال المؤرخين الإسكندنافيين. ولكن هذا الخيال لم يمنعهم من إلقاء ظلال طويلة على تاريخ شمال أوروبا خلال عصر الفايكنغ. واستمروا في فعل ذلك لأكثر من 1000 عام، بدءاً من قصائد العصور الوسطى الملحمية وأغاني الموت إلى المسلسل التلفزيوني الشهير Vikings.
ولأسباب درامية، تحظى قصة راغنار بمكانة خاصة. حتى زوجاته الثلاث شخصيات غير عادية. الأولى ثورا، التي حاز عليها راغنار عن طريق قتل أفعى عملاقة سامة. والأخرى لاغيرثا، المحاربة العظيمة التي قاتلت إلى جانب زوجها في المعارك. والثالثة آسلوغ، ابنة سيغورد فولسونغ وبرونهيلدا، من أكثر تجارب الحب والعشق التي تناولتها الأدبيات الإسكندنافية.
ومن هذه الزوجات، أنجب راغنار ثمانية أبناء على الأقل؛ إيفار الكسيح، وبيورن يارنسيدا، وسيفورد عين الأفعى، وأوب، وغيرهم. كانت هذه الذرية تشبه راغنار في الحروب والبطولات، وبفضل مغامراتهم الخاصة، عاش اسم والدهم لوقت طويل بعد وفاته، التقرير التالي يفنّد قصة المحارب الشهير ما بين التاريخ المدون عن الفايكنغ وبين الأساطير التي تداولها الناس عن راغنار، بحسب ما نشر موقع History Extra البريطاني.
الانتقام في المعركة
جاء موته، كما كانت حياته قبلها، درامياً ومثيراً. أثناء حملته العسكرية في شمال إنجلترا، سقط راغنار، كما تروي الأساطير، في أسر الملك إيلا، ملك نورثمبريا. كان إيلا مصرّاً على قتل خصمه الذي لا يمكن للأسلحة التقليدية أن تقتله، لذا ألقى راغنار في جحر ثعابين. ولكن حتى هذا المصير المروّع لم يكن كافياً لقتل راغنار الذي لا يقهر بسرعة. ومع دنو موته، استذكر محارب الفايكنغ أعظم انتصاراته ومفكراً في ولائم فالهالا الشهية، القاعدة المهيبة التي يذهب إليها محاربي الفايكنغ الذين يموتون في المعارك. ولكن ما أقلق إيلا أن راغنار تعهّد بالانتقام من قاتله، وتحقق الوعد على يد أبنائه، الذين غزوا نورثمبريا وذبحوا إيلا في المعركة.
بعض ممن وصفوا في أساطير العثور الوسطى بـ "أبناء راغنار" كانوا أشخاصاً حقيقيين. يمكننا التعرف على إيفار وأوب وبيورن من تاريخ النصف الثاني من القرن التاسع وقيادتهم للفايكنغ في فرنسا وأيرلندا وفرنسا.
وتظهر أنشطة هؤلاء المحاربين في المصادر التاريخية المعاصرة للقرن التاسع. نحن واثقون من وجود هؤلاء الرجال. ولكن هناك مشكلة؛ لا نعرف على وجه التحديد علاقتهم ببعضهم البعض، ولم يشر أي مصدر من المصادر القديمة إلى هوية والدهم.
وبالرغم من الوجود الحقيقي لأبنائه، تظل الأصول التاريخية لراغنار نفسه أقل وضوحاً. أحد الشخصيات المرشحة لأن تكون "راغنار الأسطوري" هو قائد الفايكنغ ريجينري من الدنمارك، الذي هاجم باريس عام 845. وتقول المصادر المعاصرة إن هذه الغارة كانت وحشية بشكل خاص، وتشير إلى أخذ ريجينري العديد من الأسرى وإعدام أكثر من 100 شخص. ومات ريجينري بعد عودته إلى الدنمارك بفترة قصيرة، ولا نعرف عنه أكثر من ذلك.
الفايكنغ بين التاريخ والأسطورة
في الواقع، عندما كُتب تاريخ تلك الفترة، لم يكن هناك "راغنار"، بل كان تركيز المؤرخين على حكايات أبنائه المفترضين. كان إيفار وأوب وغيرهما من أنجح المحاربين في عصر الفايكنغ، وأصبحت غزواتهم ومعاركهم مادة خصبة لصناعة الأساطير. وفي النصف الثاني من القرن الحادي عشر، أي بعد ما يقرب من 200 عام على مقتلهم، أصبح يُشار إليهم على أنهم "أبناء راغنار" لوثبروك". وذكر اسم الملك الدنماركي لوثبروك أول مرة في حوالي عام 1070 بواسطة المؤرخ النورماندي ويليام جومييج، الذي قال إنه والد بيورن يارنسيدا. وبعد سنوات قليلة، أشار المؤرخ آدم بريمن إلى إيفار، "أقسى المحاربين الإسكندنافيين"، ابن آخر من أبناء لوثبروك.
قد يكون لوثبروك شخصاً منفصلاً تماماً عن راغنار، وحظي الأصل وراء هذا الاسم بنقاش كبير. وكان العالم والمؤرخ الأيسلندي، آري بورغيلسون، في كتاباته بين عامي 1120 و1133، أول من جمع الاسمين "راغنار" و "ليثبروك" معاً، زاعماً أن "إيفار، ابن راغنار ليثبروك" هو من قتل إدموند ملك شرق أنغليا.
وبغض النظر عن الأصول التاريخية لراغنار لوثبروك، انتشرت أسطورته بسرعة كبيرة خلال القرن الثاني عشر وخرجت من ظلال أبنائه إلى قصص ملحمية وشعرية في أنحاء عالم بحر الشمال. وبحلول ذلك الوقت، صيغت حكايات معقدة ومتشابكة حوله، بعيدة كل البعد عن أي أصول تاريخية محتملة.
عُثر على نسخ كاملة من القصة، التي بُنيت عليها معظم الأساطير العصرية، في كتاب تاريخ ملحمة راغنار، الذي كتب في أيسلندا في القرن الثالث عشر، وفي أعمال المؤرخ الدنماركي ساكسو غراماتيكوس، الذي كتبها بين عامي 1188 و1208. ويخلط كلاهما المصادر المكتوبة السابقة مع الأساطير التي تتناقل شفهياً من أجل الوصول إلى سرد تفصيلي مطوّل ومتناقض. وربما تكون حكايات راغنار وزوجاته الثلاثة هي نتاج محاولة الجمع بين ثلاث أساطير مختلفة ومنفصلة عن راغنار.
تصورات لاحقة
تخبرنا هذه القصص كيف كان ينظر جمهور العصور الوسطى في الدول الإسكندنافية إلى الفاكينغ أكثر مما تخبرنا بالأصول التاريخية الحقيقية لمحاربي القرن التاسع. كان ساكسو مهتماً بهؤلاء الرجال بوصفهم جدود وأسلاف ملوك الدنمارك، في حين كان المؤرخون في أيسلندا متحمسين لإظهار مدى الهيمنة الإسكندنافية على الجزر البريطانية. ومع مرور الوقت، استمرت الأسطورة في دمج جوانب وأحداث جديدة، وأصبحت مرتبطة بغيرها من الأساطير الشهيرة عن تلك الحقبة.
ولم تجتذب مغامرات راغنار الجمهور الإسكندنافي فقط، بل كانت تلك الأساطير عن محاربي الفايكنغ تلقى حفاوة كبيرة بين الجمهور الإنجليزي في نفس الوقت. وتكرر ذكر لوثبروك وأبنائه في الأساطير الإنجليزية بسبب علاقتهم بمقتل إدموند ملك شرق أنغليا، أحد أشهر القديسين الأنجلو سكسونيين.
وفي نهاية فترة العصور الوسطى، أصبح اسم راغنار مألوفاً للأشخاص في المنطقة الإسكندنافية والجزر البريطانية. ولكن خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، بدأ العلماء إعادة استكشاف النصوص الإسكندنافية والإنجليزية القديمة، بالإضافة إلى أعمال ساكسو غراماتيكوس، وعلى إثر ذلك، وُلدت أسطورة راغنار المعاصرة. في عام 1636، ترجم العالم الدنماركي أولاوس وورم قصيدة "كراكومال" الإسكندنافية القديمة التي تتحدث عن موت راغنار، إلى اللغة اللاتينية، وسرعان ما انتشرت بين القراء في بريطانيا. وعُرفت قصيدة كراكومال بـ "أغنية موت راغنار لوثبروك"، وبالنسبة لقرّاء القرن السابع عشر، بدت القصيدة تقدم لمحة مثيرة عن ثقافة الفايكنغ الغنية. قدمت القصيدة صورة رومانسية عن بطولات وشجاعة الفايكنغ؛ وتحدثت عن أمجادهم وقسوتهم في المعارك وحرصهم على النعيم الأبدي في "فالهالا" مع الآلهة إلى الأبد.
وبحلول القرن التاسع عشر، مع ازدهار المعرفة بثقافة الفايكنغ في بريطانيا وأمريكا، حازت "أغنية الموت" على شعبية كبيرة، وأصبح راغنار واحد من أشهر الشخصيات في الأساطير الإسكندنافية. ومنذ ذلك الحين، أعيد تصوير قصته العديد من المرات؛ في الروايات وأفلام هوليود، ومؤخراً في مسلسل تلفزيوني شهير.
أعظم 3 ملاحم لـ " راغنار لوثبروك"
1- الحب والسُّم
توضح إحدى مغامرات راغنار فوزه بإحدى زوجاته، ثورا. كانت ثورا ابنة أحد النبلاء أصحاب النفوذ، وفي أحد الأيام أهداها والدها ثعباناً صغيراً. واحتفظت ثورا بالثعبان، ولكنه نما سريعاً إلى أفعى ضخمة سامة روّعت الجميع.
أقسم والد ثورا على أن يُزوّج ابنته لأي رجل يقتل الأفعى. وعندما سمع ذلك، قرر راغنار أن يقتل الثعبان. وتمكّن بالفعل من قتل الأفعى وحصل على جائزته، ثورا.
2- الأبناء المنتقمون
سقط راغنار في أسر إيلا، ملك نورثمبريا، الذي سجنه في جحر مليء بالثعابين. وبينما تتغذى الثعابين على جسده، غنّى راغنار عن معاركه القوية وآماله في نعيم فالاها بعد وفاته.
وعندما سمع أبناء راغنار بوفاته، تقول الأسطورة إن ردود أفعالهم كشفت طبيعتهم القوية والقاسية. جرح سيغموند نفسه بالسكين دون أن يُدرك أو يشعر بالألم؛ هيفتسرك، كان يلعب بإحدى الألعاب الشبيهة بالشطرنج عندما جاءت الأنباء، فاعتصر إحدى القطع في يده حتى نزفت يده؛ بينما كان إيفار قوياً بما يكفي ليكتم مشاعر الصدمة ويسأل عن كل تفاصيل وفاة والده. وعزم الأخوة على الانتقام لمقتل أبيهم، وغزو نورثمبريا.
3- ابنة قاتل التنانين
في إحدى رحلات راغنار البحرية عند ساحل النرويج، ذهب رجاله بحثاً عن الطعام في مزرعة يعيش فيها عجوزان، وكان لديهما ابنة جميلة، كراكا، وعندما أخبر الرجال راغنار عنها، طلب منها أن تأتي وتراه على سفينته، ولكنه فرض عليها شروطاً مستحيلة ليختبرها؛ أمر أن تأتي لا عارية وليست مرتدية الملابس، ولا جائعة وليست تشعر بالشبع، ولا وحيدة وليس معها أحد.
فكرت كراكا في كيفية اتباع تلك الأوامر، وتوصلت إلى الحل. ذهبت للقاء راغنار مرتدية شبكة صيد وأسدلت شعرها الطويل؛ تأكل تفاحة دون أن تكملها، ومعها كلب. أُعجب بها راغنار وتزوجها، ثم أدرك بعد ذلك أنها ليست فتاة ريفية، بل اسمها الحقيقي آسلوغ، وهي ابنة قاتل التنانين الشهير سيغورد فولسونغ.